الثلاثاء 13/مايو/2025

وعد حماس

د. أيمن أبو ناهية
من المعروف تاريخيًّا أن صدق المراحل التاريخية يكون دائمًا نابعًا من تسمية الأشياء بمسمياتها، فعندما كان المؤرخين يختلفون في تسمية المراحل التاريخية التي تشهد تفرقًا في الأمة الإسلامية؛ كانوا يلجئون عادة إلى تسمية المرحلة بأبرز من فيها من قادة وعلماء ومجاهدين ومخلصين، فعهد السلاجقة_ مثلاً_ معروف في التاريخ الإسلامي، وإن كانوا لم يحكموا العالم الإسلامي كله، ولكنهم كانوا أفضل من فيه، كذلك عهد الزنكيين والأيوبيين والمماليك، فهذه كلها مراحل لم تشهد إلا وَحْدة محدودة بين بعض الأقطار، فلم يجد المؤرخون أفضل من تسميتها بأفضل من فيها، وإن لم تكن التسمية شاملة لكل الدول المعاصرة آنذاك.

ولست أستبعد أبدًا أن تُعرف المرحلة التي نعيش فيها الآن بمرحلة حماس، ويصبح المؤرخون لفترتنا يتجاهلون الكثير والكثير من الحكومات والأنظمة، ويعرِّفون مرحلتنا بأنها هي المرحلة التي ظهرت فيها حركة حماس، وحملت على عاتقها مهمَّة تحرير فلسطين من الاحتلال، بل لا أستبعد _إن استمرت الحركة على نهجها وإخلاصها وعطائها وفكرها_ أن تكون سببًا في توحيد المسلمين تحت راية واحدة خلافية بعد طول فُرقة وشتات، وليس ذلك على الله بعزيز.

إن كل ما وعدت به حركة حماس التزمت به، وما قصرت، انتصرت على الاحتلال في قطاع غزة، وأجبرته على الرحيل، وانتصرت عليه في كل عدوان، وحرمت عليه جلد غزة، وأجبرته على النزول إلى شروطها، فأوفت بوعدها بتحرير الأسرى، فكانت صفقة “وفاء الأحرار”، واليوم تخوض معه حرب “الأنفاق” الأشبه بحرب “الاستنزاف”، وعملية خان يونس سطرت تاريخًا جديدًا من البطولات، واليوم تعدنا بجلاء الاحتلال على نقيض ذكرى وعد بلفور المشئوم، وسيذكر التاريخ هذا الوعد في يوم من الأيام؛ لأنهم قوم حملوا أرواحهم على أكفهم، وقاموا يجاهدون في سبيل الله لا يخافون لومة لائم، قوم جعلوا مهمتهم الأولى أن يحرروا الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، قوم ألقوا الدنيا خلف ظهورهم، وعاشوا تحت قصف النيران، وحصار الأعداء والأصدقاء، ولو أرادوا لتركوا البلاد والعباد، ولعاشوا لأنفسهم، ولكثرت في أيديهم الأموال، ولكنها الجنة تملأ عليهم فكرهم وحياتهم.

قوم دفعوا من أرواح قادتهم وزعمائهم الذين لم يقبلوا أن يعيشوا في قصور وقلاع، كعامَّة الحكام العرب، والشعب يعاني الألم والحصار، قوم يحملون القرآن والسنة، ويقرءون التاريخ والواقع، ويفهمون معاني الجهاد والهدنة، وقوانين الحرب والسلام، وآليات القتال والتفاوض، ويعرفون كيف يأخذون بالأسباب مع كامل التوكل على الله، هم بالجملة قوم يحملون بأمانة مهمة رفع رأس الأمة الإسلامية، وإعادة الكرامة المسلوبة، وشرف الأمة.

لكل ما سبق؛ إنني أحزن كثيرًا عندما أفتح صفحات الكثير من الجرائد العربية، وعند مشاهدة الكثير من البرامج على قنوات التلفزة الحكومية، فأجد حربًا ضروسًا على هذه الجماعة المباركة، وأرى هجومًا ضاريًا قد لا نجده في صحف اليهود، ونرى كذلك شبهات وتشكيكات وادعاءات وافتراءات؛ فهذا يحاول شيطنتهم ويتهمهم بتهم باطلة، وذاك ينعتهم بمحبي السلطة، وثالث من شلة تمرد الذين ينطبق عليهم قوله (تعالى) في سورة البقرة: “ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل”، وآخر يدَّعِي أنهم لا يقرءون الأحداث بعمق، وكأن الحكيم في هذا الزمن هو من رفع الراية البيضاء، وأعلن الاستسلام دون شروط، أو ذاك الذي يفاوض منذ 20 عامًا دون كلل أو ملل بتقديم التنازلات تلو التنازلات، والعيب ليس فيه فقط بل أيضًا فيمن يصفق له.

إننا قبل أن نشكِّك في جماعة كريمة كحماس، وفي أبطال مجاهدين كقادتهم وجنودهم، علينا أن ننظر إلى من يطعن فيهم من زعماء وإعلاميين، فنسألهم: “وماذا فعلتم أنتم يا من تملكون الشعوب والطاقات، ويا من تسيطرون على مخازن السلاح والذخيرة، ويا من تهيمنون على وسائل الإعلام والسياسة؟!، اذكروا لنا ماذا قدمتم للمسلمين قبل أن تسخروا من الذين يبذلون جهدهم ويقدمون دماءهم وأرواحهم مدافعين عن شرف الأمة”.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات