نحو خطاب إعلامي خارجي أفضل

بالأمس ظهر الناطق باسم الحكومة الفلسطينية الدكتور غازي حمد في مقابلة في برنامج “هارد توك” – أو ما يمكن ترجمته للعربية ببرنامج “الحديث في الأمور الشائكة” – على تلفزيون البي بي سي؛ وهذا البرنامج لمن لا يعلم يعد من أبرز برامج المواجهة السياسية في العالم على الإطلاق؛ ويقوم فيه المذيع باستضافة سياسي ما؛ وإمطاره بأسئلة وملاحظات مناكفة أو متحدية متقمصاً دور الخصم السياسي للضيف؛ ومؤدياً دوره بكل عمق وتبحر وقوة؛ محافظا في الوقت نفسه على الموضوعية ومبتعدا عن إثارة مدرسة “الاتجاه المعاكس”. ويمكن القول أن برنامج “نقطة نظام” على قناة العربية يعد محاكاة لهارد توك؛ لكنه تقليد لا يغني عن حرفية واقتدار النسخة الأصلية من البرنامج.
ومن موقع المسؤولية نحو فلسطين والمقاومة من قبل فلسطيني مهجري عاش في الغرب ويحسب أنه فهم بعض طرائق إعلامه بحكم المشاهدة والمتابعة المتكررة؛ فإنني وجدت نفسي مدفوعا للكتابة بالنصح الإيجابي بخصوص تقويم مواطن الخلل في خطاب حماس ومشروع المقاومة في منابر الإعلام الغربي؛ متمثلا بمقابلة الدكتورغازي حمد.
وأول مساحة تستحق العمل على ملئها وسد الثغرات فيها سريعا من قبل الأخ حمد – وأي قائد لحماس أو ناطق باسمها أو ممثل لها في الحكومة أو المجلس التشريعي – هي قضية الأداء اللغوي أثناء المقابلة؛ فللأسف كانت لغة الأستاذ حمد دون مستوى المقبول بشكل حاد؛ وكان الأولى لمن كانت دربته في الإنجليزية ضعيفة أن يحرص على تطوير لغته شكلا ومضمونا قبل التصدي للظهور في وسائل الإعلام الغربية؛ أو أن يحرص على أن تكون مقابلاته فيها بالعربية من خلال مترجم.
ولا بأس بطبيعة الحال أن يتكلم السياسي الانجليزية بلكنة لسانه الأم؛ فهذا أمر مفهوم يعذر فيه المتحدث؛ لكن من المضر جدا الحديث بلغة لا تفرق بين الجمع والإفراد؛ ولا تظهر مخارج بعض المقاطع جيدا؛ وتخطئ في اختيار التعبيرات المناسبة؛ ولا تراعي زمن الفعل في الجملة بين الحاضر والماضي؛ أو تستخدم مفردات خاطئة بالمرة؛ أو تخطئ في استعمال المشتقات – وضع صفة مكان حال أو وضع فعل مكان اسم – أو تشتق ألفاظا غير موجودة؛ أو تخطئ في نطق بعض الكلمات المحورية – كما أخطأ الأستاذ حمد في المفردة المعبرة عن اسم شعبه بالانجليزية…
ومن المهم جدا مراعاة الدقة والمعيارية في استخدام الكلمات خصوصا عند الحديث السياسي والإعلامي بلسان أجنبي؛ وإلا ستؤدي بعض الأخطاء لإطلاق رسالة سياسية معاكسة للمقصود؛ فتعبير حمد عن أن حماس تطلق يد محمود عباس سياسيا ولا تريد منه إلا أمرا واحدا – وهو أن يعود حين يريد أن ينجز اتفاقا للمجلس التشريعي – كان خاطئا؛ فقد جاء التعبير عن فكرة هذا الأمر الواحد أو الطلب الواحد بالكلمات:
“ one demand” والأصل أن يجيء بتعبير
“ one request”
لأن كلمة “ديماند” تستخدم بمعنى الأمر (ضد النهي) أو الطلب الذي يحصل بالضغط وينتزع انتزاعا. أقول هذا فقط لتوضيح قيمة عدم استخدام الكلمة الأمثل في التعبير عن المراد؛ وليس لأنني أوافق على هذه الطريقة في إدارة السياسة؛ وإطلاق يد الرئيس في التفاوض دون متابعة ودون محاسبة ودون دراسة جدوى لهذا الفعل السياسي.
أما على مستوى الأداء فأبرز الأخطاء تمثل في الحرص على إعلان رسالة وفاق مع فتح والحرص على إخفاء الكناسة تحت السجادة؛ عن طريق كثرة الحديث عن التوافق والاتفاقات التي نوشك التوصل إليها؛ وعن فرصة الالتقاء القريبة. أنا أفهم أن هذا الخطاب قد يصلح لجهود التهدئة ولأغراض العض على الجراح من قبل حماس وسط جمهورها أمام اعتداء خصومها؛ لكن مثل هذه الدعاية لا تناسب الجمهور الغربي المفرط في الواقعية؛ ولا البي بي سي التي لديها إلمام شامل بهشاشة ما وصلنا له من اتفاقات؛ ولديها اطلاع على دوافع الانفجار في كل مرة… وهذا التهرب من التشخيص الأكثر واقعية لما جرى في غزة – من ارتكب ماذا وٍمن أجل ماذا ومدفوعا من أي جهات- يؤدي فقط لإظهار حماس بمظهر المتسبب جزئيا بالمشكلة؛ أو المتستر عليها؛ أو المتهرب من حلها ومواجهتها. منطقة الصفح المطلق و”التطنيش” وعدم ارتداء الثوب المرقع أمام الضيف لا يصلح مع العقلية الغربية إطلاقا؛ ويهز مصداقية المتحدث. ماذا كان سيحصل لو قال الأستاذ حمد في “هارد توك” أننا كحكومة وكحركة نعمل من أجل التهدئة؛ ونستاء من سفك أي قطرة دم فلسطينية؛ لكننا لن نستطيع منع ذلك تماما وللأبد حتى يتم نقض المشروع السياسي للفريق الاستئصالي في فلسطين وقطع موارده الخارجية وتجفيف منابعه المدفوعة أمريكيا وصهيونيا؟ (ناقلا الكرة لملعب الغرب)
للأسف فإن لغة الحمد الحمائمية وتحميل المشكلة “للعائلات” لم ينطل على “ستيفن ساكور” الذي كان قد حضر للمقابلة جيدا؛ واستخرج تصريحات التحريض على لسان ناطق في فتح؛ ولم يؤد الحديث عن تحميل المسؤولية لأفراد ومجموعات من الطرفين على السواء – لم يؤد بالمذيع إلا لأن يستنتج أن الجناح العسكري في حماس لا يستمع للقيادة السياسية؛ رغم نفي حمد المتكرر!
ولا غنى لحمد وأقرانه مستقبلا عن الإلمام التام بكل تفاصيل ودقائق مادة المقابلة المنتظرة؛ فرشيد أبو شباك لم يكن في منزله – كما أوحى المذيع – حين رد حراس موكب قيادة حماس على النيران التي استهدفتهم بمحاولة اغتيال – بما فيها أكثر من مائة رصاصة أطلقت على مركبة غازي حمد بعينه كما قال هو في المقابلة – وغياب هذه المعلومة وعدم شرح حكاية الهجوم فوَّت على ممثل حماس فرصة تبيان الحقيقة؛ و مضت الحكاية على طريقة الغرب المعهودة في التدليس برواية اللقطة الأخيرة فقط من الحدث؛ فعُكِسَت المسؤوليات والحقوق بين المعتدي والضحية!
كذلك فإن حضور ذهن السياسي بخصوص كل كلمة تقال أمر ضروري وحاسم؛ فحين تظاهر المذيع أنه وصل لقناعة سجلها بقوله: “حسنا سأفهم منك أنك لا تريد الآن أن تنتقد صواريخ القسام” كان على حمد فهم هذا الاستدراج ال ذي لم يكن مجرد فاصلة في الكلام؛ وكان عليه رد الإيحاء بأنه قد ينتقد الصواريخ غدا! ومن ضرورات حضور البديهة عدم تفويت مطاعن خصوم المقاومة في حماس دون رد؛ والتصدي لحشد المقتبسات من كلام مسؤولين فلسطينيين ضد صواريخ القسام؛ فهي لا يجب أن تترك دون تفنيد أو دحض؛ وهذا السلوك سيكون مبررا ومنطقيا؛ ولن يضعف من رسالة الاستعداد للحوار.
باختصار فإن الإعلام الغربي غابة تموج بالضواري؛ والدهاء والمكر الإنجليزي التاريخي للبي بي سي يستحق إعدادا مجتهدا وكنانة مملوءة جيدا قبل ليال من موعد الغارة…والمسؤولية تحتم على حماس أن تجهز كوادرها بواسطة دورات وورش عمل تطور شكل ومضمون خطابهم في وسائل الإعلام الغربية؛ فمن الضروري أن نحرص على امتلاك مفاتيح إقامة الحجة بلسان الإعلام الدولي؛ وأن نعرف كيف ننقض كلام الخصوم في تلك المحافل بمقال يلائم المقام؛ ولعل في لندن عدد كبير من الكوادر الإعلامية الفلسطينية والعربية التي ستحب بكل سرور أن تخدم إخوانها في التيار الوطني الإسلامي المقاوم في فلسطين؛ بكل ما يلزم من أدوات الحرب في ساحة خبروها وعرفوها جيدا.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...

مستشفى الكويت الميداني بمواصي خانيونس يقلص خدماته بسبب الحصار
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلن مستشفى الكويت التخصصي الميداني في مواصي خانيونس عن اضطراره لتقليص عدد من خدماته الطبية، وسط الأوضاع الصحية...