حماس في روسيا..اقتفاء أثر ..أم تصويب مسار..!!

بوتين يوجه نقدا لاذعا لسياسات الإدارة الأمريكية، ويطلق تهديدات وتحذيرات معبقة بشذى القوة الغابرة للاتحاد السوفييتي، فيتنبأ المحللون بعودة بوادر الحرب الباردة، وبعد أيام توجه روسيا الدعوة لخالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس لزيارتها للمرة الثانية، فيخمن المحللون أن تكون الخطوة إحدى حلقات التجاذبات بين أمريكا وروسيا.
غير أن نظرة أكثر عمقا للأمور قد توضح الصورة في إطارها الحقيقي، ولن نستطيع أن نسبر غور حقيقة الأمور إلا عبر المنظار الثاقب للأحداث التاريخية التي مرت بها العلاقات الفلسطينية الروسية ممثلة بحركة فتح خلال علاقتها الطويلة التي كانت توصف بالإستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي، رغم أن فتح خرجت بجراب كبير ولكنه مليء بالسراب وليس بالانجازات من هذه العلاقة.
ويحدثنا التاريخ أن علاقة الاتحاد السوفييتي السابق مع حركة فتح ثم مع منظمة التحرير فيما بعد بدأت عقب الزيارة التي قام بها ياسر عرفات لموسكو كناطق باسم حركة فتح بصحبة الرئيس جمال عبد الناصر في العام 1968 كأولى محاولات التسويق له كأحد وجوه القضية الفلسطينية في مواجهة احمد الشقيري الذي لم يكن يحوز الرضا المصري في تلك الحقبة.
ثم تلتها زيارات أخرى قام بها ياسر عرفات لموسكو لم تحظ خلالها القضية الفلسطينية إلا بدعم معنوي عبر الإعلام السوفييتي الذي عج بعبارات التمجيد للمقاومة الفلسطينية.
ولم تقدم القيادة السوفييتية على الجلوس مع عرفات إلا بعد أن نجحت في إبهار عرفات واستنفذت منه كل مساعي التكالب والاستماتة على تحقيق مثل المقابلة مع القادة السوفييت، حيث كان مجرد الجلوس مع القيادة السوفييتية في نظر عرفات انجازاً بحد ذاته وهو ما أثبتته الوقائع، حيث أن السوفييت لم يقدموا للقضية الفلسطينية إلا دعماً شكلياً فارغاً لم يسهم حتى يومنا هذا في تحقيق أي من الأحلام الفلسطينية، وتمثل ذلك في افتتاح مكتب تمثيلي للمنظمة في موسكو في العام 76 19 تطور إلى سفارة عام 81 19ومساعدة المنظمة للحصول على مقعد مراقب في الأمم المتحدة عام 74 19 ، وسمح السوفييت لدوله الشرقية بمد المنظمة سرا بالسلاح الخفيف عبر وسطاء من الدول العربية كسوريا والجزائر.
ويعزز وصف هذه التسهيلات بالشكلية هو امتناع السوفييت عن الدفاع عن المنظمة اثر الضربات التي تعرضت لها من الدولة الصهيونية بدءا من العام 78 وحتى العام 82 ، كما لم يمنع السوفييت حلفاءهم اليساريين في المنظمة من الانشقاق عنها ما أدى إلى إضعافها.
جدير بالذكر أن السوفييت تمنعوا عن الاعتراف بالمقاومة الفلسطينية رغم أنهم كانوا من أول من اعترفوا بدولة الكيان .
وفي المقابل فقد نجح السوفييت في تحقيق تنازلات فلسطينية إستراتيجية بعيدة المدى لصالح الكيان الصهيوني، حيث نجحت في إقناع المنظمة بالعدول عن تحرير كامل التراب الفلسطيني وتدمير إسرائيل إلى إقامة دولة في حدود 67 19م، وما استلزمه هذا التنازل الاستراتيجي من اعتراف بقرارات الشرعية الدولية المجحفة بحق القضية الفلسطينية والتي تكرس دولة الاحتلال ، ما مثل في حينه انحرافا خطيرا في برنامج المنظمة وحركة فتح.
الموقف السوفييتي تميز في حينه أيضا بالتناقض فهو من جانب أيد المنظمة في استرداد الحقوق وإقامة الدولة ولكن على ارض 67 فقط وبالوسائل السلمية فقط، ما ينزع الشرعية بطريقة غير مباشرة عن المقاومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل تقوم حركة حماس وقيادتها ممثلة بخالد مشعل باقتفاء أثر حركة فتح بعلاقتها مع الروس.؟ وهل ستنجح القيادة الروسية في الحصول على تنازلات جوهرية أو إستراتيجية لجهة الاعتراف بدولة الكيان ونبذ المقاومة كما فعلت مع المنظمة التي تقودها حركة فتح..؟.
وقبل الإجابة على هذه التساؤلات دعونا نقوم بمقارنة بسيطة بين حركة فتح في حينه وبين حركة حماس الآن ليتسنى لنا الحكم بموضوعية:
1- اختلاف المنطلقات النفسية التي انطلقت منها في حينه حركة فتح التي كانت مجرد فصيل جديد ومبتدئ من الفصائل الفلسطينية ثم فصيل من فصائل منظمة التحرير، والتي كانت تخوض معركة الاعتراف بشرعيتها أكثر مما كانت تخوض معركة تحرر حقيقية، عدا عن كونها كانت حركة تعيش في الشتات والمنافي.
أما حركة حماس فهي تنطلق من كونها فصيلاً فلسطينياً مقاوماً يعيش ويقاوم على أرضه، فضلا عن الشرعية الشعبية والانتخابية التي حققتها بفوزها في أول انتخابات ديمقراطية حقيقية تشهدها الساحة الفلسطينية.
2- حركة فتح كانت وما زالت تنطلق وتتعامل بكونها حركة علمانية كانت تضم قيادات يسارية تحظى بالدعم السوفييتي.
وكانت تلك الحقبة تتسم بالمد الشيوعي الذي صبغ الحرب الباردة التي قسمت العالم في حينه إلى حلفين حلف الناتو الذي تقوده أمريكا فيما كان الاتحاد السوفيتي يقود الحلف الآخر، إضافة لكتلة عدم الانحياز التي كانت شكلية أكثر منها حقيقية.
أما حركة حماس فتختلف عن فتح في أيدلوجيتها العقائدية ما يمنعها من الانزلاق إلى برغاماتية أو ليبرالية فتح، في ظل ما تشده المنطقة والعالم من صحوة ومد إسلامي ما يعطي لحماس عمقا وبعدا أيدلوجيا عقائديا يزيدها قوة الأمر الذي لم تحظى به حركة فتح.
3- الاتحاد السوفييت كان ينطلق في تعامله في حينه من كونه إمبراطورية تعتبر الأولى أو الثانية عالميا، فكان وزنها الدولي يختلف عن المكانة التي تشغلها روسيا الآن كإحدى دول أوروبا التي تعمل أمريكا على محاصرتها وحشرها بحزام من دول الكتلة الشرقية بعد إدخالهم لحلف الناتو.
4- كان تعامل واستقطاب الاتحاد السوفييتي للمقاومة الفلسطينية منطلقا من الحرب الباردة مع أمريكا التي كانت في ذروتها في حينه، وقد اصطبغ هذا الاستقطاب بالفكر الشيوعي حيث فتحت موسكو أبواب جامعاتها لأبناء فتح والفصائل اليسارية من باب نشر الفكر الشيوعي
أما روسيا فهي تفتقد لهذه الميزة في تعاملها مع القضية الفلسطينية الآن.حيث لا وجود للحرب البادرة ولا للفكر الشيوعي، ولا لتلك القوة التي كانت تجتمع في الإمبراطورية السوفيتية.
إلا أنه ورغم كل هذه الاختلافات في المنطلقات والظروف إلا أن هناك كثيراً من التطابق بين مواقف الاتحاد السوفييتي السابق وبين مواقف روسيا مثل:
1- انطلاقهما في حل القضية الفلسطينية من قرار 242 والقرارات الدولية الأخرى.
2- الاعتراف بإسرائيل على أراضي 48.
3- اعتبار المفاوضات طريقا وحيدا لاسترداد الحقوق وتحقيق السلام.
4- دعم إقامة دولة فلسطينية على أراضي 67 تتعايش مع إسرائيل.
وعليه نتوقع أن تواصل حركة حماس محاولاتها نسج علاقات واسعة النطاق وتحالفات مع كل القوى ذات التأثير في المنطقة ولكن ليس على حساب الدين وكل ما يرعاه أو على حساب الوطن والمقدسات والشعب، كما ليس على حساب منطلقاتها العقائدية ومرجعيتها الشرعية.
أما روسيا فمن المتوقع أن تحاول إعادة لعبة شد الحبل مع حماس وقد تقدم في إطار هذا التكتيك ما تعتقد انه قد يرضي حماس أو قد يدفعها لتقديم تنازلات.
إلا أن ما تتسم به حماس وقيادتها من ثبات على المبادئ ووضوح في الحجة وإجادة في العرض وحنكة في نسج المصالح بلا نفاق أو دجل وسمو في النفس عن مغريات الحكام والدول والسلاطين قد تتمكن من إجبار جميع القوى بما فيها روسيا على احترامها بما يصوب المسار ويعيد توجيه بوصلة القضية الفلسطينية نحو تحقيق المصالح العليا الحقيقية للشعب الفلسطيني دون الالتفات للمصالح والمكاسب الحزبية أو الأحلاف والتجاذبات .
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...