صرخة ضد التطبيع

يستخدم بعض مناهضي التطبيع في الساحة العربية مصطلح التطبيع الثقافي، ويتبعون تشخيصهم المفهومي هذا بوصفات وطرائق مواجهة للمطبّعين الثقافيين وسبل فضحهم وإخراجهم من الأمة والملّة. هؤلاء مشكورون على حملهم لواء مناهضة التطبيع باعتباره الآفة الأخطر في هذه الأمة طالما بقي الصراع العربي الصهيوني قائماً، حتى لو غابت قرقعة سلاحه الصدئ على الأرض.
لكن ألا يجدر التساؤل إن كان هناك أصلاً تطبيع غير ثقافي؟ فلسطين، باعتبارها ساحة الاشتباك المباشر الأساسية، هي أيضاً الساحة الأولى للتطبيع، والذريعة التي يتخذها المطبّعون العرب وغير العرب من بلاد الله الواسعة. في فلسطين لم يلحظ أحد عمالاً يجرون لقاءات تطبيعية مع صهاينة، ولم تسجّل حالات تطبيع “أبطالها” فلاحون.
كل “أبطال” التطبيع الفلسطينيون سياسيون في الحقل الحزبي والرسمي والثقافي. هناك من السياسيين والمثقفين الفلسطينيين من تأثّر بفكر شمعون بيريز الذي طالما كرّس جل وقته لإشاعة ثقافة التطبيع، وحدد عناوين واشتغل عليها وفي مقدّمها تحطيم الصراع النفسي ومحاربة الثوابت الوطنية التي يعتبرها بيريز “مواد تحريضية”. ولهذا عمل على تأسيس مركز يحمل اسمه إلى جانب كلمة “السلام”، وإلى جانب مجزرته المروّعة في بلدة قانا اللبنانية أيضاً.
في الضفة الأخرى (الفلسطينية) وجد بيريز من يتعاطون معه ومع شرق أوسطه الجديد، وحملوا معاً فريقاً فلسطينياً “إسرائيلياً” مشتركاً ليلعب مباراة كرة قدم في كاتالونيا مع فريقها برشلونة، بموازاة مخيمات كشفية مشتركة في الساحة “الإسرائيلية”.
ولكي توضع الأمور في نصابها، هذا لا يعني أن التطبيع حالة عامة أو كبيرة في الجانب الفلسطيني، بل لا بد من التأكيد أنها حالة ضيّقة من حيث الحجم ولا تشمل فريقاً فلسطينياً بعينه بل أفراداً حتى لو كانوا حزبيين لا يمثّلون أحزابهم بالمجمل.
قبل يومين أشعلت الأمانة العامة للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الضوء الأحمر، ورفعت صوتها عالياً ضد مطبّعين رسميين ورموز محسوبة على الكتّاب والمثقفين والشباب والنخب الفكرية والسياسية شاركت في مؤتمرات مشبوهة داخل المناطق المحتلة عام 48 والمحتلة عام 67، وحتى في القدس المحتلة التي تشهد مذبحة تهويدية تهدّد بسحق كل هويتها وتاريخها، إلى جانب مؤتمرات تطبيعية تعقد في الخارج بمسميات مختلفة، وتجد من الفلسطينيين من يروّج لها.
الخطورة في نشاطات التطبيع أنها تحمل شعارات مضللة، سياسية واقتصادية وثقافية وحقوقية، وأخطرها عناوين الحوار والسلام والديمقراطية بذريعة يلوكها بعض المثقفين فحواها “معرفة وجهة نظر الآخر وتوصيل رأينا إليه”.
ويحار المرء كيف يقبل فلسطيني على نفسه أن يعقد لقاء مع هذا “الآخر” وهو يمثّل الاحتلال والاستيطان والتهويد، فكيف إذا كانت اللقاءات تعقد داخل مستوطنة؟
فأن يشارك فلسطينيون في مؤتمر تطبيعي داخل مستوطنة مثل “أرئيل” التي أعلنتها حكومة الكيان “عاصمة السامرة”، أمر لا يمكن وضعه إلا في سياق عملية تدمير سافلة لما تبقى من ثوابت وطنية وقومية، في وقت يعلن مثقفون من “الآخر” نفسه مقاطعتهم للمستوطنات.
سيجد الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين من يشد على يديه ويصرخ معه في دفاعه عن الثقافة الوطنية والقومية وثقافة المقاومة، وعلى القوى والأحزاب الفلسطينية والعربية والأممية أن تتنبّه لخطورة فتح باب التطبيع في هذه المرحلة بالذات، حيث تنضم حديثاً قوى عربية سياسية وثقافية وإعلامية كانت تزايد في موضوع التطبيع، وباتت تجاهر في امتطاء صهوته على سبيل تقديم أوراق اعتماد ل”الإسرائيليين” والأمريكيين ولو على أشلاء ما تبقى من فلسطيننا وعروبتنا التي لا تعترف بالفصول والألوان.
صحية الخليج الإماراتية
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

تحذير أمني من تكرار جيش الاحتلال الاتصال بأهالي غزة وجمع معلومات عنهم
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذرت منصة أمن المقاومة (الحارس)، الأحد، من تكرار جيش الاحتلال أسلوبا خداعيا عبر الاتصال على المواطنين من أرقام تُظهر...

الزغاري: نرفض المساس بحقوق أسرانا وعائلاتهم
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس جمعية "نادي الأسير الفلسطيني" الحقوقية، عبد الله الزغاري، إنّ صون كرامة أسرانا وحقوق عائلاتهم يشكّل...

الأورومتوسطي: حديث نتنياهو عن مواصلة هدم بيوت غزة نسخة معاصرة للتطهير العرقي
جنيف – المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، إن حديث رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، عن أن "إسرائيل ستواصل تدمير بيوت...

حماس تعلن نيتها إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي مزدوج الجنسية الأميركية عيدان ألكسندر
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حركة "حماس" في غزة، رئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، الأحد، إنه "في إطار الجهود التي يبذلها الإخوة الوسطاء...

البرلمان العربي يدعو لتأمين ممرات إنسانية عاجلة إلى غزة
القاهرة – المركز الفلسطيني للإعلام وجه البرلمان العربي رسائل عاجلة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، والمديرة...

نتنياهو: سنضم 30% من الضفة الغربية
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام قال رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب "ستكون قادرة على ضمّ 30%" من الضفة الغربية....

الجهاد: لن نطلق سراح أسرى الاحتلال ما لم تتوقف الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قال نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي محمد الهندي، إن المقاومة الفلسطينية لن تطلق سراح الأسرى الإسرائيليين ما...