عن معنى انتصار المقاومة في غزة

ثمةنقاش ساخن مستمر حول معنى الانتصار في الحروب العربية الإسرائيلية، بدأ مع حربيوليو/تموز الإسرائيلية على لبنان، وتزايدت حدته مع الحروب العدوانية التي شنهاالاحتلال على قطاع غزة في أعوام 2008-2009 و2012، وبلغ ذروته مع العدوانالإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وخصوصاً بعد إعلان التوصل لوقف إطلاق النار بينفصائل المقاومة والاحتلال.
ويتخذهذا النقاش غالباً منحى يعبر أساساً عن غياب تقبل الرأي الآخر، بين طرف يَعتبِر”مدعي النصر” واهمين و”أيديولوجيين” وأصحاب تفكير رغائبي إلىآخر تلك السلسلة الطويلة من التوصيفات، وطرف آخر يتهم رافضي فكرة انتصار المقاومةفي هذه الحروب بأنهم يثبطون العزائم، ويقللون من إنجازات المقاومة، وفي بعضالأحيان قد يصل النقاش إلى درجة تخوين أصحاب هذا الرأي واتهامهم بمعاداة المقاومة.
والحقيقةأن طرفي هذا النقاش يستندان إلى نفس الأرضية في جدلهم المستمر، وهي أرضية رفضالرأي الآخر، والتعامل مع الآراء على أنها حقائق أو يقينيات، مع أنها مجرد تحليلاتوآراء لا غير.
الحديثهنا بالطبع هو عن النقاش الدائر بين طرفين، وإن اختلفا في الرؤية، إلا أنهماينطلقان من قاعدة تأييد المقاومة وحق الشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال والاشتباكمعه، وليس المقصود بهذا النقاش تلك الفئة التي لا تؤمن بحق المقاومة ولا تؤيدها منالأصل، بل كانت تتمنى منذ بداية هذه الحرب أن ترفع حماس وغيرها من الفصائلالفلسطينية الراية البيضاء أمام جيش الاحتلال.
وبعيداعن ادعاءات أصحاب المواقف المسبقة المنحازة ضد مشروع المقاومة، فإن السؤال عننتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة وعن اعتباره انتصاراً يبقى سؤالاً مشروعاً، بلإنه يتطلب بحثاً علمياً، يبتعد عن الآراء المسبقة والعاطفية. ولذلك فإن أهم عاملفي تحديد التوصيف الحقيقي لما آلت إليه الحرب، هو تحديد معنى الانتصار والهزيمة،إضافة إلى الرجوع للتجربة التاريخية لطبيعة الحروب بين القوى المحتلة والشعوبالواقعة تحت الاحتلال.
ويمكنتعريف الانتصار في الحرب حسب التجربة التاريخية للأمم كافة بأنه القدرة على تحقيقالأهداف من جهة، وكيفية ترجمة الفعل العسكري إلى نتائج سياسية من جهة أخرى، وهوتعريف، وإن بدا بديهياً، إلا أنه أصبح محل نقاش بسبب النكاية السياسية أحياناً،وبسبب التحليلات “الأخلاقية” التي تفسر نتائج الحرب بعدد الضحاياوالخسائر أحياناً.
إنقراءة الأرقام والإحصائيات عن الحروب التاريخية في جميع أنحاء العالم تقدم إجابةواضحة على سقوط منطق تقييم الحروب بناء على أعداد الضحايا والخسائر، ولنا في الحربالعالمية الثانية مثالا صارخا على سقوط هذا المنطق، إذ قدمت دول الحلفاء حوالي 83%من ضحايا هذه الحرب، فيما خسرت دول المحور حوالي 17% من الضحايا (حسب عدة دراساتمنشورة في ويكيبيديا)، ومع ذلك فقد خرجت دول الحلفاء منتصرة لأنها حققت أهدافهاالسياسية وترجمتها من خلال إجبار ألمانيا على توقيع معاهدة فرساي.
وعلىأهمية دراسة تاريخ الحروب بين الدول لوضع تعريف واقعي لمعنى الانتصار، فإن الأهمفي حالتنا هو دراسة التجربة التاريخية لحركات المقاومة والشعوب الواقعة تحتالاحتلال في صراعها مع المحتلين، حيث تتفق كافة هذه التجارب في الفارق الكبير بينقوة الدولة المحتلة وحركات المقاومة من جهة، وفي الفارق الكبير أيضاً بين ضحايادولة الاحتلال والشعب الذي يقاوم لاسترداد حريته من محتليه.
وعلىالرغم من أن كل الشعوب الواقعة تحت الاحتلال بلا استثناء قدمت تاريخياً العددالأكبر من الضحايا بالمقارنة مع المحتلين، فإن أحداً لا يستطيع أن يشكك بانتصارهذه الشعوب بعد أن تمكنت من تحقيق أهدافها، إذ إن قدر الشعوب المحتلة -وليسخيارها- أن تدفع ثمناً غالياً من دماء أبنائها ومقدراتهم وبيوتهم للتحرر منالمحتلين، وليست فلسطين بدعاً من الشعوب بهذا الخصوص.
والحالهذه، فإن تقييم نتائج العدوان الإسرائيلي على غزة، يتطلب دراسة ما تحقق من أهدافطرفي الصراع من المعركة، وخصوصاً الطرف الذي بدأ بإعلان الحرب، وهو دولة الاحتلال.
لقدأعلنت “إسرائيل” عدة أهداف لعدوانها على مدى أيام العدوان، وهي استعادةالهدوء في المناطق المحيطة بغزة، والقضاء على قوة حماس الصاروخية، وهدم الأنفاق،ونزع سلاح المقاومة، وبالغ وزير خارجية “إسرائيل” ليبرمان وقال إن الحربلن تنتهي قبل أن ترفع حماس الراية البيضاء، فيما أضاف خبراء بالشؤون الإسرائيليةهدفاً آخر خفياً هو القضاء على الوحدة والمصالحة الفلسطينية التي وقعت قبل فترةوجيزة من العدوان.
ومعأن قياس الانتصار يجب أن يبنى على مدى نجاح من بدأ الحرب بتحقيق أهدافه، وهو فيحالة غزة الاحتلال الإسرائيلي، فإنه من المفيد أيضاً استعراض أهداف فصائل المقاومةمن الرد على العدوان، كما حددتها المقاومة في أكثر من خطاب وبيان، وهي: توقفالعدوان، وإنهاء الحصار، وفتح المعابر، وإنشاء الميناء البحري، والسماح بالصيد حتىعمق 12 ميلاً، والإفراج عن أسرى صفقة “شاليط” الذين تم اعتقالهم بعداختفاء المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية.
وبعدواحد وخمسين يوماً من الحرب وإعلان اتفاق وقف إطلاق النار، يمكن القول إن الاحتلالالإسرائيلي لم يحقق أياً من أهدافه المعلنة وغير المعلنة للحرب، باستثناء الهدوء،فلا تم القضاء على صواريخ حماس التي استمرت بالقصف على مواقع في العمق الإسرائيليحتى اللحظات الأخيرة قبل سريان وقف إطلاق النار، ولا يعرف حتى الآن حجم الأنفاقالتي دمرت، وما هي نسبة الأنفاق التي لا تزال موجودة، ولم ينزع سلاح المقاومة، بلإنه لم يذكر بتاتاً في اتفاق وقف إطلاق النار.
وفيمايتعلق بالهدف الإسرائيلي غير المعلن تجاه إنهاء الوحدة والمصالحة الفلسطينية، فقدكانت نتيجة العدوان عكسية تماماً، إذ إن الفلسطينيين جميعاً توحدوا خلف المقاومةفي ميدان الحرب العسكرية، في حين خاض المعركة السياسية في القاهرة وفد يمثل كافةالفصائل والسلطة الوطنية بالرغم من كل الخلافات الجذرية بين أطراف هذا الوفد.
أمامن جهة المقاومة، فقد حققت جزءاً كبيراً من أهدافها، حيث أنهت المعادلة التي أرادالاحتلال فرضها وهي الهدوء مقابل الهدوء، وحصلت على هدفها المعلن بفتح المعابرالإسرائيلية فور وقف إطلاق النار، وحققت هدف السماح بالصيد جزئياً من خلال النصعلى مسافة 6-12 ميلاً بحرياً، فيما حدد الاتفاق مدة شهر لبدء التفاوض على أهدافومطالب المقاومة الأخرى المتعلقة بالإفراج عن أسرى صفقة شاليط، وإنشاء الميناءوالمطار.
وبينماتمتلك “إسرائيل” القدرة على التلاعب بالملفات المؤجلة من خلال ممارستهالأسلوبها الدائم في المماطلة بالمفاوضات وإطالتها إلى أقصى وقت ممكن، فإن المقاومةالفلسطينية تمتلك ورقة قوة تفضيلية في المفاوضات قد تشكل ضغطاً كبيراً على حكومةنتنياهو أو أي حكومة إسرائيلية قادمة، وهي ورقة الجندي/أو الجنود الأسرى لدى حركةحماس، الأمر الذي يمكن للمقاومة أن تستثمره لخوض معركة تفاوضية على أساس”رزمة حلول” من خلال ربط ملف الميناء والمطار بملف الأسرى.
ولكنماذا تمثل كل هذه الحسابات المتعلقة بتسجيل الأهداف بين المقاومة الفلسطينية ودولةالاحتلال في عدوانه الأخير على غزة؟
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...

تقرير: إسرائيل تقتل مرضى السرطان انتظارًا وتضعهم في أتون جريمة الإبادة الجماعية
المركز الفلسطيني للإعلام حذر المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، من إصرار دولة الاحتلال الاسرائيلي على الاستمرار في حرمان مرضى الأورام السرطانية من...