إما حل دولي لقضية فلسطين أو لا حل

صحيفة الحياة اللندنية
تحثّ الحركة الدولية والإقليمية الناشطة في هذه المرحلة باتجاه إنقاذ خيار حل الدولتين، أو وضع الممهدات له، على الأقل، بعد أن بات له 35 عاماً في إطار التداول، و15 عاماً في إطار التفاعل (أي منذ عقد اتفاق أوسلو سنة 1993).
وعدا عن التغير في السياسة الأميركية، مع مجيء إدارة أوباما، وتحرر الاتحاد الأوروبي من التزام سياسات إدارة بوش (المنصرفة) في قضايا الشرق الأوسط، فثمة عوامل تدفع نحو هذا الحل في الإطار العام لتسوية إقليمية، من ضمنها تسهيل انسحاب الولايات المتحدة من العراق، وتحجيم نفوذ إيران في المنطقة، ومواجهة الإرهاب في أفغانستان وباكستان، والانصراف لحل مشكلات الأزمة الاقتصادية العالمية. ويستنتج من ذلك أن “إسرائيل” فشلت في مساعيها لفك قضية فلسطين عن قضايا الشرق الأوسط، من إيران إلى لبنان، أو فك الأمني عن السياسي، مثلما فشلت في صرف نظر القوى الدولية عن الاهتمام بحل هذه القضية، لصالح قضايا أخرى، مثل التركيز على إجهاض محاولات إيران امتلاك القوة النووية، أو مكافحة الإرهاب.
وهكذا تجتمع ظروف مريحة ومواتية لإنفاذ حل الدولتين، وتبقى المشكلة في عدم توفر الشرط الذاتي لها على الجانبين (الإسرائيلي والعربي). ف”إسرائيل” غير راغبة وغير ناضجة لذلك، بحكم أن الدول ذات الطبيعة الاستيطانية ـ العنصرية ـ الأيديولوجية (لاسيما الدينية) لا تذهب نحو حل أزماتها بإنصاف الشعوب التي تسيطر عليها، أو بسبب تطور وعيها الذاتي، وإنما تذهب مضطرة، بسبب الكلفة العالية التي تتكبدها نتيجة المقاومة، والضغوط الخارجية التي تتعرض لها. والواقع فإن “إسرائيل” لا تتحمل وحدها مسؤولية تعثّر حل الدولتين، فالوضع العربي (وضمنه الفلسطيني)، أيضاً، غير قادر على فرض هذا الحل بقواه الخاصة، برغم كل التضحيات والممانعات، لا بانتهاج طريق الحرب ولا بانتهاج طريق التسوية؛ بدليل مصير المبادرة العربية للسلام، التي طرحت للتداول منذ قمة بيروت (2002)، من دون أن تلقى أي تجاوب من “إسرائيل”.
إزاء هذه الإشكالية يبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، التي باتت تدرك تضررها من استمرار مفاعيل الصراع الشرق أوسطي، وتداعياته المتشعبة، تجد نفسها معنية بالتحرك لإعادة تعويم هذا الحل، وإنقاذه، قبل نفاذ زمنه. ولعل هذا يفسر سعي الإدارة الأميركية الجديدة لبعث عملية التسوية، بتعيينها مبعوثاً خاصاً (جورج ميتشيل)، وبلقاءات الرئيس أوباما مع القادة العرب المعنيين، وبتأكيد التزام الولايات المتحدة بحل الدولتين، مع دعوة “إسرائيل” للسير في هذا الحل، وعدم إضاعة الوقت سدى في مناقشات لا طائل منها. وقد أثارت هذه التوجهات الكثير من التساؤلات في “إسرائيل”، حول طبيعة السياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، وصلابة وعمق علاقتها بالولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما. لكن قلق “إسرائيل” لا ينبع فقط من إمكان تضارب سياستها مع سياسة أوباما بشأن قضية فلسطين، فثمة ملفات أخرى أيضاً لا تقل أهمية ترتبط بالصراع في الشرق الأوسط، من ضمنها تغير سياسة الولايات المتحدة إزاء سورية والانفتاح عليها، والحوار مع إيران واعتماد الدبلوماسية لإيجاد حل للملف النووي. بل إن هذا القلق بات يطال العلاقة الإستراتيجية والتعاون الأمني مع الولايات المتحدة، وبحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية (8 أيار/مايو) لاحظت أوساط سياسية في “إسرائيل” أن واشنطن قلصت مستوى «التنسيق والتشاور السياسي – الأمني» معها. ووصل الأمر حد أن مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية دعت “إسرائيل” للتوقيع على معاهدة حظر الأسلحة النووية؛ في سابقة أولى من نوعها. وفوق كل ذلك، وبحسب هذه الأوساط، فإن «المشكلة الأخطر» تتمثل بأن الإدارة الأميركية لم تعد ترى في “إسرائيل” دولة «خاصة» في الشرق الأوسط يجب التحاور معها بشكل مختلف عن دول المنطقة. ويمكن أن نزيد على ذلك دخول تركيا بقوة على خط الترتيبات الشرق أوسطية بدعم أميركي، في إشارة ذات مغزى ل”إسرائيل”. وهذه التطورات التي تثير مخاوف “إسرائيل” تشمل أوروبا أيضاً، التي يبدو أنها باتت أكثر حرية في الحركة (بالقياس للسابق)، فها هو الاتحاد الأوروبي يقرن تطوير علاقته مع “إسرائيل”، بالتزامها حل الدولتين.
وإزاء هذه الأوضاع ربما تحاول “إسرائيل” الالتفاف على خيار حل الدولتين بانتهاج سياسة تقطيع الوقت مجددا، بادعاءات ضمنها انقسام الكيان الفلسطيني، والتبادلية وفق خطة «خريطة الطريق»، واعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، ورفض حق العودة، وعدم وجود شريك مناسب بدعوى ضعف أبو مازن. كما قد تحاول ذلك من خلال تقديم بدائل لحل الدولتين، ومثال على ذلك اقتراح نتنياهو التركيز على تسوية إقليمية، وتعزيز المسارين الاقتصادي والأمني مع الفلسطينيين، في تجاوز للمسار السياسي. وعلى الأرجح فإن المرحلة القادمة ستشهد تجاذبات دولية وإقليمية وإسرائيلية، بشأن عملية التسوية، ومسألة الدولة المستقلة، والمشكلة أن الوضع الفلسطيني غير قادر على التفاعل بإيجابية مع هذه التجاذبات في ظل الانقسام الحاصل على صعيدي الشرعية والكيانية الفلسطينية، وفي ظل الترهل في جسم منظمة التحرير والسلطة والفصائل. وبالطبع فإن الوضع العربي ليس أحسن حالاً. فمصير عملية التسوية وحل الدولتين، بات يتوقف على ما تفعله الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، في الأشهر القليلة القادمة، سلباً أو إيجاباً. وطالما الأمر كذلك، وإذا سارت الأوضاع بحسب التوجهات الحالية، فمن البديهي أن الوضع الناجم لن يكون بمستوى أحلام وطموحات الفلسطينيين والعرب، ولو في حدودها الدنيا. والنتيجة إما حل دولي لقضية فلسطين أو لا حل راهنا لها.
* كاتب فلسطيني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

24 شهيدًا وعشرات الجرحى والمفقودين بقصف محيط المستشفى الأوروبي بخانيونس
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام اسشتهد 24 فلسطينياً وأصيب عدد كبير بجراح مختلفة فيما فُقد عدد من المواطنين تحت الركام، إثر استهداف إسرائيلي بأحزمة...

المبادر المتخابر في قبضة أمن المقاومة والحارس تكشف تفاصيل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام كشفت مصادر أمنية اعترافات عميل تخابر مع الاحتلال الإسرائيلي تحت غطاء "مبادر مجتمعي"، لجمع معلومات حول المقاومة...

حماس: قرار الاحتلال بشأن أراضي الضفة خطوة خطيرة ضمن مشروع التهجير
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إنّ قرار الاحتلال الإسرائيلي إعادة تفعيل ما يُسمّى “عملية تسجيل ملكية الأراضي...

علماء فلسطين: محاولة ذبح قربان في الأقصى انتهاك خطير لقدسية المسجد
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام اعتبرت "هيئة علماء فلسطين"، محاولة مستوطنين إسرائيليين، أمس الاثنين، "ذبح قربان" في المسجد الأقصى بمدينة القدس...

حماس: إعدام السلطة لمسن فلسطيني انحدار خطير وتماه مع الاحتلال
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أدانت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، الجريمة التي ارتكبتها أجهزة أمن السلطة في مدينة جنين، والتي أسفرت عن استشهاد...

تعزيزًا للاستيطان.. قانون إسرائيلي يتيح شراء أراضٍ بالضفة
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام تناقش سلطات الاحتلال الإسرائيلي في "الكنيست"، اليوم الثلاثاء، مشروع قانون يهدف إلى السماح للمستوطنين بشراء...

أطباء بلا حدود: إسرائيل تحول غزة مقبرة للفلسطينيين ومن يحاول مساعدتهم
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت منظمة أطباء بلا حدود من تحوّل قطاع غزة إلى مقبرة جماعية للفلسطينيين ولمن يحاول تقديم المساعدة لهم. وقالت المنظمة في...