الخميس 08/مايو/2025

جدل حول إدانة الصهيونية في دربان 2

جدل حول إدانة الصهيونية في دربان 2

صحيفة البيان الإماراتية

يسود توتر كبير المؤتمر الدولي الذي سيعقد في جنيف من 20 إلى 24 أبريل المقبل تحت إشراف الأمم المتحدة، والذي سيكون محور مناقشاته موضوع العنصرية. فقد أعلنت كل من الولايات المتحدة الأميركية، و”إسرائيل” وكندا، وإيطاليا مقاطعة هذا المؤتمر، اعتقاداً منها أن التحضيرات للاجتماع الذي تترأسه ليبيا، قد أُخذت رهينة من قبل دول منظمة المؤتمر الإسلامي التي أدرجت موضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية والعدوانية الإسرائيلية وقضايا المنطقة العربية بشكل عام.

وقد فضلت بلدان الاتحاد الأوروبي التفاوض حتى الأخير، لأنها تريد عدم تكرار ما جرى في المؤتمر الثالث للأمم المتحدة ضد العنصرية والتمييز العنصري، وكره الأجانب، وعدم التسامح، الذي عقد في دربان 1 في 8 سبتمبر 2001، والذي تحول إلى ساحة مواجهة بين الشمال والجنوب حول مواضيع متنازع عليها بحدة مثل الصهيونية.

حيث مارست الولايات المتحدة ضغوطها و«نصائحها» على بعض من العرب، فتحول الإصرار العربي شيئاً فشيئاً من مطالبة مساواة الصهيونية بالعنصرية، إلى عدم إدراج موضوع الصهيونية، واستبداله آنذاك بإدانة الممارسات التي كانت تقوم بها حكومة شارون. وهكذا، من خلال ممارسة الضغوط على «الأصدقاء» والتهديد بعدم الحضور، تمكنت الولايات المتحدة من إزاحة موضوع الصهيونية ومساواتها بالعنصرية عن جدول أعمال البيان الختامي لمؤتمر دربان 1.

في الاستعدادات الجارية لمؤتمر دربان 2، وبعد مناقشات متعددة يبدو أن هناك تسوية حصلت حول مشروع البيان الختامي للمؤتمر، الذي تكفل بصياغته فريق صغير من الخبراء متكون من بلجيكية ونرويجي ومصري، إذ سيكون هذا النص «مقبولاً من غالبية الدول والذي سيستخدم من الآن فصاعداً كأساس للعمل».

في الوثيقة الجديدة المؤلفة من 17 صفحة، التي وزعت على مختلف المجموعات الإقليمية يوم الثلاثاء الماضي، اختفى «التشهير» بالديانات كما تمنى ذلك الأوروبيون الذين اعتبروه خطاً أحمر، وهو مفهوم غامض أيضاً من الناحية القانونية، فضلاً عن أنه غير مقبول. كما اختفى أيضاً من النص مناهضة المسيحية واليهودية، ومفهوم الإسلاموفوبيا الذي ارتسم في الوعي الغربي المعاصر (الأوروبي على نحو، والأميركي على نحو مغاير نوعاً ما) منذ نهاية الحرب الباردة.

حيث يظهر الإسلام بموجب الصورة النمطية في الوعي الغربي المعاصر على أنه نظام من العقيدة والسلوك يختلط فيها التدين بالغلو في الدين غلواً شديداً، ويمتزج فيه التدين برفض المخالف في العقيدة رفضاً يحمل على الكراهية الشديدة والحقد الأعمى. والكراهية والحقد هذين، متى تعلق بأهل الديانة المسيحية وباليهود يصبحان دعوة إلى الحرب ونداء إلى القتل والإبادة، وبالتالي فإن كراهية المسيحي واليهودي، تغدو تبريراً للإرهاب، حسب قول الدكتور سعيد بن سعيد العلوي.

أما النقطة المهمة الأخرى التي جاءت بها الوثيقة المعدلة، فتتعلق بعدم الإشارة كلياً إلى “إسرائيل”، بينما في النص السابق المؤلف من 60 صفحة، فهناك خمس فقرات كاملة تتحدث عن الدولة الإسرائيلية المتهمة بتطبيق نظام الأبارتايد أو التمييز العنصري إزاء الفلسطينيين.

لاشك أن انسحاب الولايات المتحدة و”إسرائيل” من مؤتمر دربان 2 كان متوقعاً، لأنهما سيصطدمان بحائط الحقائق المرة. فقد أدركت الولايات المتحدة خطورة عزل “إسرائيل” وإمدادها لها، إهانة علنية لحلفائها. فالولايات المتحدة تعلم جيداً أن إدانة الرق- العبودية- وحتى الاعتذار عنه، تعني إدانة تاريخها، بوصفها إمبراطورية قامت على أكتاف عبودية الأفارقة السود وسحق شعب الهنود الحمر.

وتعني أيضاً انكشاف الأسطورة الزائفة ل «بلد الشجعان ومواطن الأحرار» حسب العقل الأميركي البراغماتي. وترفض الولايات المتحدة المطالبة بتعويضات عن الاسترقاق، وهو-الاسترقاق- عما راكمت من رخاء ما بين استقرار الهجرات الأوروبية البيضاء الأولى وما بين نهاية حربها الأهلية. ويأتي الانسحاب الأميركي على أرضية إغلاق الباب أمام دعاوي التعويضات، لأنه إذا فتح ستجد أميركا نفسها في وضع حرج للغاية بسبب سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها.

إن كسب المواقف الدولية، وضمان استمرار التأييد العالمي للقضية الفلسطينية مرهونان بانتهاج العرب أنفسهم خيار المقاومة وتوحيد الصف العربي.

كاتب تونسي

[email protected]

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات