وجدت ضالتي في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج

قبل اجتياح لبنان عام 1982، كنتُ كطفلٍ جاء من مخيم تل الزعتر إلى مخيم برج البراجنة، أستشعر الثقل الذي تشكله قوة اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأستشعر كل يوم أننا نحمل الثورة في أعماقنا ونعيشها في يومياتنا.
على وقع أناشيد “من قلب الخيمة وليل المنفيين”، و”فجّرنا الثورة”، و”يا شعبنا في لبنان” كنا نسير في المظاهرات والمسيرات التضامنية مع العالم الذي ينظر إلينا كأيقونات النضال في هذه الأرض. سرنا في مسيرة لوفاة الرئيس الجزائري “هواري بو مدين”، وتظاهرنا تضامناً مع كوبا، واستنكرنا زيارة السادات للقدس واتفاق كامب ديفيد. وكان العالم ينتظر ردة فعلنا على كل قضية تمسّ فلسطين وأصدقاءها.
كانت الثورة تملأ المرآة، صديقتنا الصباحية -أو شبه المرآة الصدئة- التي نرى فيها وجوهنا كل صباح عندما نغسّل قبل الدوام المدرسي، ونقرأ على المرآة ملصقاً صغيراً ألصقه أخي عند عودته من إحدى المسيرات، وفيه: “فتح ديمومة الثورة، والعاصفة شعلة الكفاح المسلح”، كان نشيد الصباح في المدرسة “أنا يا أخي، آمنت بالشعب المضيّع والمكبّل”، وندرس في المدرسة تاريخ وجغرافيا فلسطين “ألغيت من المناهج الأساسية في الأونروا الآن”. وكانت صورة هذا الطفل مع أبي عمار، المكبّرة في بوستر للإعلام الموحد في منظمة التحرير، معلقة في المنزل.
كنا نسمع كل يوم عن شهيد، وقد يكون من أبناء المخيم. تحمل أم الشهيد صورته المكبّرة حاملاً سلاحه الذي تدرك في تلك اللحظة أن حامل هذا السلاح ليس شبّيحاً، بل هو مقاوم حقيقي. وتسمع من يقول “نيّاله، مات على تراب فلسطين، وسقاها بدمه”. كانت غابة البنادق، رغم مساوئها الكثيرة، تؤشر إلى دورنا نحن، فلسطينيي الخارج، في التحرير.
إلى أن حدث الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وحاصر بيروت عام 1982، وخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان، إلى بلاد بعيدة لا تحدّها فلسطين من أي مكان. وحدثت مجزرة صبرا وشاتيلا، وبات الفلسطيني مطارداً ومكسوراً في بيروت والمخيمات، وفقد كثيراً من روحه الثورية التي رحلت مع المقاتلين إلى تونس، وشعر أهل لبنان بأن القيادة تركتهم لأقدارهم المأساوية.
حوصر الفلسطينيون في الخارج، فانتفض الداخل، وانتقل الثقل الثوري إلى الوطن، فيما بقي الثقل السياسي في الخارج، إلى أن قضت تفاهمات أوسلو بدخول القيادة السياسية إلى الداخل، وبدا كأن الخارج بلا ثقل سياسي أو ثوري، رغم وجود الكثافة الشعبية في الخارج التي تمثل نصف عدد الفلسطينيين في العالم. ومنذ 23 عاماً ونحن نفتقد محضناً شعبياً يتسع لكل فلسطينيي الخارج، ليعيد التوازن لجناحي الوطن -الداخل والخارج-، ويعيد التنفس لرئتي الداخل والخارج لكي ينتعش قلب الشعب الفلسطيني، ويحدث التواصل بين داخلٍ مكبوتٍ محاصرٍ وخارجٍ مُبعدٍ وممنوعٍ من العودة.
الطفل الذي كان صغيراً أعلاه، وكانت بذور الثورة فيه، وبحث عن دور يستشعره في طريق تحرير فلسطين، عن دور يوجِد من يستمع إليه لتحقيق أهدافه، عن محضن يوصل صوته إلى حيث يجب أن يصل، حاملاً المضامين التي يريدها.
هذه المضامين هي ما يطلبه كل فلسطيني، ومنها المحاور التالية:
أولاً: أن تبقى القضية الفلسطينية كقضية وطنية بكليتها، على طريق تحقيق كامل حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بما فيها إقامة الدولة وعودة اللاجئين وتقرير المصير باستخدام الوسائل والأساليب المشروعة كافة.
ثانياً: أن تبقى حقوق اللاجئين، بما في ذلك حق العودة، بأبعاده القانونية والسياسية والشعبية، وحقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية في الشتات، والعمل لتحقيق ذلك في إطار المشروع الوطني على طريق التحرير والعودة.
ثالثاً: مشاركة قوى الشعب الفلسطيني ومؤسساته في صناعة القرار الوطني، بما يحقق الحضور الفاعل والمؤثر لدورهم السياسي، وبما يسهم في الحفاظ على الهوية الوطنية، وحقهم في العمل من أجل قضيتهم دون عرقلة أو تعطيل، وتفعيل أدوار التجمعات الفلسطينية المنتشرة في العالم لحماية الهوية والقضية الوطنية، والعمل لإطلاق برامج ومشاريع تخدم هذه العناوين، إضافة للدعم السياسي لتحقيق ذلك.
من خلال هذه المحاور الثلاثة، وجد هذا الطفل الذي أصبح كبيراً ضالته في “المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج”، ووجد ما يجعله مطمئناً إلى روح الثورة التي ستحتضن أبناءه، وأن الملصق القديم على المرآة الصدئة، سيعود لأبنائه تصميماً إلكترونيا على شاشة الأيباد، بالمضامين نفسها التي نشأ عليها وهو صغير، بما يضمن لأبنائه عودة هذا الدور إلى الجيل الجديد من فلسطينيي الخارج.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

ألبانيز: الجميع مسؤول أمام القانون الدولي لصمته على المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين
تونس – المركز الفلسطيني للإعلام قالت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز، إن...

أبو سلمية: نفاضل بين الجرحى والمرضى والمنظومة الصحية شبه منهارة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، محمد أبو سلمية، إن الأطباء في المستشفى يفاضلون بين المرضى والجرحى. وأضاف أبو...

القوات اليمنية: نفذنا عمليتين استهدفتا مطار رامون ردًا على جرائم الاحتلال
صنعاء – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت القوات المسلحة اليمنية، مساء اليوم الأربعاء، تنفيذ سلاح الجو المسير عمليتين عسكريتين استهدفتا مطار رامون في...

حماس: عملية جنين أبلغ رد على محاولات الاحتلال إخماد المقاومة
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مساء اليوم الأربعاء، إن عملية إطلاق النار البطولية التي وقعت عند حاجز الريحان...

إصابة جندي إسرائيلي بعملية دهس في الخليل واستشهاد المنفذ
الخليل – المركز الفلسطيني للإعلام استشهد، يوم الأربعاء، منفذ عملية الدهس قرب حاجز "سدة الفحص" جنوبي الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة، والتي أسفرت...

قرار أمريكي بإغلاق مكتب الشؤون الفلسطينية في القدس
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام قرر السفير الامريكي في الكيان "مايك هاكبي" وفي خطوة غير مسبوقة إغلاق مكتب الشئون الفلسطينية في القدس ودمجه...

إصابة 4 مستوطنين بعملية إطلاق نار قرب جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أصيب 4 مستوطنين عصر اليوم الأربعاء، في عملية إطلاق نار استهدفت سيارة قرب مدينة جنين، قبل أن ينسحب منفذ العملية من...