الثلاثاء 13/مايو/2025

الانتخابات التركية: لا تغيير في السياسة الخارجية

د. يوسف رزقة
تبدي وسائل الإعلام الصهيونية شماتة بحزب العدالة والتنمية التركية، وبشخص الرئيس أردوغان نفسه، وتروج مقولة: إن نتائج الانتخابات التركية كانت سقوطاً مدوياً لأردوغان بسبب مواقفه المعادية لإسرائيل، والمؤسف أن بعض الصحف العربية التي تصدر في لندن تلقفت التحليلات الإسرائيلية، وبالغت فيها، وفي تداعياتها على التحالف التركي مع قطر والسعودية، وعلى الإخوان المسلمين، وجعلت تراجع حزب العدالة بسبب الموقف المعادي للنظام السوري والإيراني.

إن ما قالته الصحف الإسرائيلية مبرر رغم ما فيه من مبالغة، وما قالته الصحف العربية (بالتبعية للغير) لا مبرر له، لأن القراءة الموضوعية للنتائج تكشف أولا عن نصر استراتيجي بعيد المدى، وعميق الأثر، لقيادة أردوغان وحزبه للعملية الديمقراطية الشفافة، وسط عداء داخلي وخارجي واسع النطاق يتربص بتركيا وتوجهاتها السياسية الداخلية والإقليمية، لقد حقق حزب العدالة بهذه الانتخابات الاستقرار الذي يسعى لتحقيقه في أجواء داخلية شبه محتقنة، على المستوى السياسي والعرقي.

وثانياً: لقد حصل حزب العدالة والتنمية على ٤١٪ من أصوات الناخبين، وهي تزيد عن مجموع ما حصل عليه الحزبان الكبيران ( الشعب الجمهوري، والقومي التركي)، مما يعني بقاء حزب العدالة في الصدارة، وفي رئاسة الحكومة، وهذا جيد بعد معركة ( كسر عظم) خاضها الحزب مع جماعة فتح الله غولن مؤخراً، وهذه نتائج جيدة في ظل تداعيات الصراع في سوريا وتأثير الطائفة العلوية التي توالي تقليدياً نظام بشار الأسد على أساس طائفي، ولا أحد ينكر تأثيرات اللوبي اليهودي المالي والإعلامي المناهض لأردوغان شخصياً على الانتخابات.

ثالثاً: إن من يعظمون تراجع مقاعد حزب العدالة يقولون ذلك بناء على طموحات قادة الحزب المعلنة والتي تحدثت عن أملهم بالحصول على (٣٣٠) مقعدا، وتحقيق الأغلبية المطلقة التي تمتع بها في انتخابات ٢٠١١م، من أجل تغيير الدستور، والتحول بالبلاد إلى النظام الرئاسي. إن الحسبة على هذا الأساس ليست منطقية، لأن تركيا ٢٠١١م، غير تركيا ٢٠١٥م، فثمة تكالب داخلي وخارجي يعمل ضد أردوغان وحزبه، ومن ثم علينا أن ننظر إلى بقاء حزب العدالة في المقدمة بفارق كبير عمن يليه على أنه نصر حقيقي.

رابعاً: ثم إن فوز الحزب الكردي (٧٨) مقعدا، ودخوله البرلمان بقائمة معلنة لا يعد نصرا للحزب فقط، بل هو نصر لأردوغان نفسه ولحزبه، الذي جعل المصالحة مع الأكراد هدفا قوميا له أولوية، وهو نجاح لم يحققه الحزب القومي التركي، ولا حزب الشعب الجمهوري. وبهذا النجاح يضمن حزب العدالة نجاح عملية المصالحة وتحول الأكراد للعمل السياسي، وترك السلاح، ويقطع يد التدخلات الخارجية وبالذات الإسرائيلية التي تعبث بالساحة التركية من خلال السلاح والمال.

إن حزب الشعوب الديمقراطية الكردي، هو الآن كالحزب القومي التركي ، يمكن أن يدخل أحدهم حكومة ائتلاف مع حزب العدالة، وقد ينجح حزب العدالة بالتعاون مع الشريك في تحقيق التغيير المقترح المقدم من العدالة على الدستور، وقد يلجأ العدالة إلى التأجيل، أو إلى تعديل مقترحه.

وفي الختام ورغم تراجع مقاعد حزب العدالة عن انتخابات ٢٠١١م ، فلقد انتصر الحزب رغم أنف إسرائيل، ورغم أنف الأطراف التي عادته بسبب توجهاته الإسلامية الحديثة، أو بسبب وقوفه مع غزة وشجاعة زعمائه، ولن تكون للانتخابات أدنى تأثيرات سلبية على العلاقات التركية مع قطر والسعودية، وستبقى إسرائيل في قفص الاتهام بتهمة قتل مواطنين أتراك في مرمرة، وعليها أن تدفع ثمن عدوانها، وهذه قضية تركية قومية تلتقي عندها الأحزاب التركية كافة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات