عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

طريق أبو مازن

طريق أبو مازن

أليس غريباً أن تتواصل مشاجرة سياسية على المستوى القيادي الأعلى للسلطة الفلسطينية لمدى أسابيع بشأن كيفية معالجة قضية المصير الفلسطيني دون أن تتلقى جماهير الشعب الفلسطيني نفسه – صاحب القضية الأصلي – أي بيان رسمي أو بيانات رسمية متوالية عن الشجار وأسبابه؟

ربما كان ذلك غريباً حقاً.. لكن الغرابة سرعان ما تزول عندما ندرك أن الخلاف ينطلق من مسألة غير مشرفة. فالذي تطالب به الشخصية القيادية التي ابتدرت الخلاف – محمود عباس أبو مازن – هو نزع سلاح فصائل المقاومة الوطنية، ابتداء من «كتائب شهداء الأقصى» التابعة لحركة فتح التي ينتمي إليها أبو مازن نفسه.

ورغم أي تحفظ للنهج القيادي للرئيس عرفات نفسه فإن موقفه في هذا الخلاف ينبغي أن يكون محل تقدير أي فلسطيني أو أي عربي، فالرئيس عرفات يرى ببصيرة ثاقبة أن أية محاولة لدفع القوات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية لنزع أسلحة فصائل المقاومة التابعة لمنظمات فتح وحماس والجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية سوف تقابل برد فعل مسلح من كوادر هذه الفصائل.. ورد الفعل المسلح سوف يؤدي بدوره إلى نشوب حرب أهلية بين السلطة وفصائل المقاومة – أي بين السلطة وشعبها.

والسؤال الذي يطرح هو : لماذا يسعى أبو مازن لوضع قوات السلطة في حالة مواجهة خطيرة مع فصائل مسلحة تناضل ضد الاحتلال الإسرائيلي؟ وحتى وإن لم تعد مثل هذه المواجهة إلى اشتعال حرب فلسطينية – فلسطينية فإنها ستؤدي على أقل تقدير إلى انشغال فصائل المقاومة بالدفاع عن بقائها على حساب واجبها النضالي الأصلي: تخطيط وتنفيذ عمليات مسلحة ضد الوجود الاحتلالي الإسرائيلي.

 

إن تعيين أبو مازن رئيساً للوزراء في السلطة الفلسطينية ليس اختياراً شعبياً ولأن تعيينه جاء نتيجة ضغوط أميركية وإسرائيلية فإن معنى ذلك أن يظل هذا الرجل مديناً لكل من جورج بوش وآرييل شارون، وبالتالي فإن «نجاحه» في منصبه سوف يكون محكوماً بمعايير تحددها واشنطن وتل أبيب، وليس الشعب الفلسطيني.

 

وقد حدد بوش وشارون بالفعل هذه المعايير بصراحة لا مزيد عليها، فرئيس الوزراء الفلسطيني أمامه شهران من الاختبار ومدى نجاحه في هذا الاختبار هو مدى مقدرته في تصفية المقاومة الفلسطينية وفصائلها.

 

ولكن يبقى سؤال: ما هي المكافأة التي ينبغي أن ينتظرها الشعب الفلسطيني في تصور أبو مازن مقابل التفريط في ورقة القوة الوحيدة التي بيده؟

 

«خريطة الطريق» التي يبشر بها أبو مازن الشعب الفلسطيني كما لو كانت ضوءاً عند نهاية نفق ليست سوى وهم.

 

وربما يراهن أبو مازن على مشروع «خريطة الطريق» صادقت عليه قوى دولية هي الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة بالإضافة إلى الولايات المتحدة لكن عندما يبدأ التطبيق فإن ثلاثاً من هذه القوى الأربع سوف تقصى لتنفرد أميركا و”إسرائيل” بالجانب الفلسطيني ليس هذا مجرد استنتاج وإنما هو ما تقول به “إسرائيل” نفسها على لسان وزير خارجيتها.

 

وحتى قبل مرحلة التطبيق فإن شارون شرع في إبداء «ملاحظات» على المشروع وبنوده تعكس الرؤية الإسرائيلية للمستقبل الفلسطيني، ولنأخذ مثالاً: ينص المشروع على قيام «دولة فلسطينية مستقلة ذات حدود مؤقتة ومرتكزات سيادية» عند نهاية العام الجاري.

 

هنا يطالب شارون بشطب كلمة «مستقلة» وإدخال عبارة «بعض المرتكزات السيادية» عوضاً عن عبارة «مرتكزات سيادية».

 

وتطالب الخطة “إسرائيل” بتفكيك المستوطنات حديثة العهد التي أقيمت منذ مارس 2001 وتجميد كافة النشاطات الاستيطانية بما في ذلك «النمو الطبيعي للمستوطنات القائمة» وهذا مما تعتبره “إسرائيل” رابع المستحيلات بينما تواصل العمل في بناء مستوطنات جديدة حتى هذه اللحظة.

 

والسؤال الأخير الذي يطرح هو: ألا يدرك محمود أبو مازن – بعد عشرة أعوام من المماطلة الإسرائيلية المنهجية منذ اتفاق أوسلو في عام 1993 – أن «خريطة الطريق» مصممة أميركياً وإسرائيلياً لكي تقود إلى تكريس السيادة الإسرائيلية على فلسطين أرضاً وشعبا تحت مسمى آخر؟

 

إن المرعب حقاً أن الإجابة عن هذا السؤال هي: «بلى!».

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات