أسئلة ذكرى يوم الأرض

نستحضر في ذكرى يوم الأرض واقع القضية الفلسطينية وأسئلتها، ونتصوَّر أن أفضل ما يمكن الحرص على استحضاره بصرامة هو تحولات القضية ومآلاتها. ونفترض أن هذا الحرص سيجنبنا عادات سهلة كثيرة لحظة مقاربتنا قضايانا التاريخية. فماذا يمكن أن نكتب عن ذكرى هذه السنة، ولم نقله في السنوات التي قبلها؟ وبأي منطقٍ نواجه إيحاءات الذكرى في سياقات الراهن العربي والفلسطيني؟
أعرف أن أسلحة كثيرة ممكنة استخدمت، وأن أخطاء كثيرة ارتكبت، كما أن تسويات كثيرة سُطِّرَت، وممانعاتٍ كثيرة ما تزال تُطِلُّ في المواقف العربية والفلسطينية والدولية، إلا أن بريق الأخيرة لم يعد لا كافياً ولا مناسباً لامتصاص الأوجاع التي بلغت العظام، وأصابت أحلامنا إصابات بليغة.. أتساءل: هل يمكن أن نكتفي، كما اعتدنا منذ سنوات، بالتغنِّي بيوم الأرض، ونستعيد أناشيدنا الشجية من أدب المقاومة ونصوصها..، نُمَنِّي النفس، ونُردد بصوت واحد، عابرون في زمن عابر.
يمكن أن يكون الحديث عن يوم الأرض في نظر بعضنا مناسبة للتذكير بالمبادئ الكبرى للقضية، حتى عندما يكون قد حصل في الواقع على الأرض ما يدفع إلى ضرورة إعادة التفكير في هذه المبادئ، ولزوم تطويرها بل وحتميته، بالصورة التي تمنحها النجاعة المطلوبة في الفعل السياسي داخل التاريخ.. يمكن أن نحلم باستعادة الأرض كل الأرض، بعض الأرض ونرتب مبرّرات أفعالنا، أو نقول، مع بعض القائلين أمس واليوم، يوم الأرض قادم إنه يوم العودة، ففي السياسة والتاريخ واللغة، يمكننا أن نجد بسهولةٍ مخجلةٍ ومخيفةٍ المفردات المناسبة لمختلف الخيارات والمواقف، وخصوصا في المناسبات التاريخية من قَبِيل مناسبتنا.
أتصوَّر أنه لا أهمية كبرى للتذكير في مثل هذه المناسبات بالمواقف المبدئية العامة، حيث يتم الاكتفاء بإعادة الكلام المعاد. وفي مقابل ذلك، أعتقد أن ربط الذكرى بمختلف التحوُّلات الحاصلة في المحيط الفلسطيني والعربي يمكن أن يشكل أفقاً لرسم ما نعتبر أنه الأقرب إلى روحها، وروح ما نتطلَّع إليه.
ينتابني يأس كثير عندما أقترب من مآلات القضية وأرضها. أتذكّر الخطوات الأولى للحركة الصهيونية، شراء الأرض واحتلال وطن.. كما أتذكّر مختلف خطوات الاستيطان الإسرائيلي وجرافاته، ومختلف الجرائم التي ارتكبت وما زالت ترتكب فوق الأرض الفلسطينية. أتذكر المخيمات هنا وهناك.. فقد أصبحت “إسرائيل” تسيطر اليوم على الأرض بالقوة. وبفعل عقود من الاحتلال، أصبح لها ما يعادل أكثر من 80 % من الأرض الفلسطينية.. لكنني أفتح عيوني جيداً على موازين القوى القائمة بين قوة الاستيطان الإسرائيلي وأوضاع الفلسطينيين في غزة، ويزداد شعوري بالخيبة عندما أتابع الانهيارات والارتباكات، ومختلف صور الخراب والقتل والتهجير التي تملأ اليوم المجال العربي من المحيط إلى الخليج، حيث تراهن “إسرائيل” على واقع ما أشرنا إليه من ارتباكات في أغلب مجتمعاتنا، لتظل قوة فاعلة وحاضرة، بل ومؤثرة في وجودنا، وحيث تعلن الولايات المتحدة، بتنسيقٍ معها نقل سفارتها إلى القدس، في زمن بلغ فيه التصدع بين القوى الوطنية الفلسطينية درجةً غير مسبوقة.. فما العمل إذن؟
كيف نواجه الأحداث والوقائع الكبرى المرتبطة بحاضرنا، تاريخنا ومستقبلنا؟ كيف نعيد الصراع إلى الواجهة، بلغة جديدة ومعطيات سياسية وتاريخية مرتبطة بمآلات الراهن العربي والفلسطيني؟ كيف نعيده ونحن نعيش في ضوء تحديات إقليمية ودولية ناتجة عن تداعيات ما يُعرف بانفجارات 2011؟
نتصوَّر، في ضوء ما سبق، إنه آن الأوان لمساءلة أنفسنا جدياً هل الصراع القائم اليوم، عربي إسرائيلي أم فلسطيني إسرائيلي؟ وتزداد أهمية الأسئلة التي رتبنا عندما نكون على بيِّنة من أن اتفاقية أوسلو التي تحولت اليوم إلى مجرد تغطيةٍ جديدةٍ لصور العدوان المتواصلة في الأرض المحتلة، حيث تتواصل، بدون انقطاع، عمليات بناء المستوطنات، وبناء كل ما يعزز الفصل العنصري، مع استمرار مصادرة الأراضي ومعاقبة الفلسطينيين.
نفترض أن الطريقة المناسبة لاستعادة الذكرى تتمثل في ربطها بالأسئلة التي تطرحها مآلات الصراع الجارية اليوم، حيث يمكن أن تدفعنا الذكرى إلى تجاوز غنائية الحنين، وجذرية المواقف المبدئية المترفعة عن واقع الحال العربي الفلسطيني، وحيث يمكننا أن نتساءل: هل عودة اللاجئين تُعَدُّ اليوم أمراً ممكناً؟ هل حَلُّ الدولتين ما زال قائماً؟ إذا كان كذلك، فكيف نفكر فيه في ضوء مآلاتنا في الراهن العربي الفلسطيني؟ أما مشروع دولة واحدة، فهل ما زال يُشكِّل مشروعاً للنضال السياسي؟ تتيح لنا هذه الأسئلة مداخل لمعاينة الحال العربي.. ومعاينة واقع الأحوال والتحوُّلات الحاصلة في الواقع الفلسطيني، واقع الفلسطينيين في غزة، وواقعهم في الشتات، وواقعهم في سورية والعراق ولبنان وليبيا والخليج.
المصدر: العربي الجديد
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: قرار الاحتلال توسيع الحرب تضحية صريحة بأسراه
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة حماس، إن مصادقة المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابنيت" على خطط توسيع الاحتلال عمليته البرية في غزة، ...

الأونروا: 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إن أكثر من 66 ألف طفل في قطاع غزة يعانون سوء تغذية خطيرا"،...

احتجاجات في جامعات أميركية تنديدا باعتقال داعمين لفلسطين
واشنطن - المركز الفلسطيني للإعلام شهدت جامعات كولومبيا وجورجتاون وتافتس وقفات احتجاجية منسقة، تنديدا باعتقال أكاديميين وطلاب دعموا القضية...

الكنيست تناقش فرض ضريبة على تمويل المنظمات الحقوقية الناقدة لإسرائيل
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام نددت منظمات حقوقية إسرائيلية، بمشروع قانون ناقشه الكنيست يفرض ضريبة بنسبة 80 % على التبرعات الأجنبية ويمنع...

الجبهة الشعبية تحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة الأسير القائد أحمد سعدات
فلسطين المحتلة- المركز الفلسطيني للإعلامحملت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين الاحتلال الصهيوني، ورئيس حكومته الفاشية بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه إيتمار...

إصابة 3 مواطنين واعتقالات بمداهمات للاحتلال في الضفة
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلامأُصيب ثلاثة مواطنين بكدمات وكسور، واعتُقل آخرون، خلال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الثلاثاء، حملة...

حماس: العدوان على اليمن جريمة حرب وإرهاب دولة ممنهج
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت تدين حركة "حماس" بأشدّ العبارات العدوان الاسرائيلي على اليمن، والذي نفّذته طائرات جيش الاحتلال، واستهدف مواقع...