حكومة إنهاء الانتفاضة

عندما يتعهد السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس الوزراء الفلسطيني المعين، أمام المجلس التشريعي الفلسطيني، بأن أولى مهام حكومته الجديدة وقف التحريض، وجمع السلاح غير المرخص، فإن علينا أن نتوقع فتنة داخلية فلسطينية، وحربا أهلية، ونهاية مأساوية للانتفاضة، أشرف إنجازات الشعب الفلسطيني وأكثرها طهارة.
إن هذا التعهد الذي جاء صريحاً وواضحاً وغير القابل للتأويل أو التفسير، يؤكد شكوكنا ومخاوفنا من أن السيد أبو مازن جاء لتنفيذ أجندة أمريكية تضع على قمة أولوياتها إنهاء كل أشكال المقاومة للاحتلال والعودة إلى مائدة المفاوضات وفق الشروط الإسرائيلية، أي التخلي عن حق العودة، وبعض أحياء القدس الشرقية، وتجميل الحكم الذاتي الحالي شكلياً، بتغيير اسمه إلى دولة فلسطينية مستقلة.
السلاح الفلسطيني الموجود حالياً في أيدي حركات المقاومة الإسلامية والقومية ليس سلاحاً غير قانوني، مثلما يراه رئيس الوزراء الجديد، بل إن هذا السلاح أكثر قانونية من منصب رئيس الوزراء، لأنه يستند إلى شرعية أخلاقية ودينية وعالمية، بينما جاء رئيس الوزراء الفلسطيني إلى منصبه بضغط إسرائيلي وأمريكي، وليس عن طريق الاقتراع الحر المباشر من قبل القاعدة الشعبية الفلسطينية.
فطالما هناك احتلال، وجبت مقاومته بكافة الأشكال والوسائل، وعلى رأسها المقاومة المسلحة. ولهذا فإن السلاح الفلسطيني يستمد شرعيته من وجود احتلال ومصادرة حقوق تاريخية لشعب أعزل. عندما ينتهي هذا الاحتلال، وتعود الحقوق المغتصبة لأصحابها، يمكن القول بأن هذا السلاح غير قانوني، ويجب جمعه، وتجريد أصحابه منه.
الضفة الغربية وقطاع غزة ليسا مناطق عصابات مافيا ومخدرات، مثل تلك الموجودة في نيويورك وواشنطن والباطنية (مصر) وبريكستون (لندن) حتى يكون حمل السلاح فيها غير قانوني، ويهدد أمن الدولة والمواطن، ويستخدم في الجريمة، وإنما هي أراض محتلة، ومن يحمل السلاح فيها هم رجال مقاومة عاهدوا الله على قتال الأعداء حتى تحرير أرضهم أو الشهادة. ولذلك من العيب على السيد أبو مازن أن يصف هذا السلاح المقاوم بأنه غير قانوني، وهو الذي جاء إلى رام الله محمولاً على أعناق بنادق رجال الانتفاضة الأولى ودماء شهدائها، وبعد أن ساوم على هذه الانتفاضة باتفاقات أوسلو سيئة الذكر.
الشعب الفلسطيني تعرض إلى خديعة كبرى عندما وثق بموقعي اتفاقات أوسلو وصدق وعودهم بأنها ستؤدي إلى الاستقلال التام في غضون خمس سنوات، وها هي عشر سنوات تمر، وهو ما زال تحت الاحتلال، بينما ما زال أبطال أوسلو يعملون في الظلام للتضحية بانتفاضته الثانية بثمن ربما يكون أرخص.
هذا الشعب قدم ثلاثة آلاف وخمسمئة شهيد وخمسين ألف جريح في انتفاضته الحالية، ويأتي الآن من يطالبه بنسيان هؤلاء جميعاً، وإلقاء السلاح، والتحول إلى شرطي للاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، يحمي أرواحهم، ويحقق لهم الأمن والطمأنينة، دون أن يعرف الثمن الذي سيحصل عليه في المقابل.
خريطة الطريق التي تنص في فقرتها الأولى على إنهاء الانتفاضة، ونزع السلاح الفلسطيني، ومنع التحريض على العنف، ووقف كل أشكال المقاومة، كمقدمة للعودة إلى المفاوضات وتجميد الاستيطان لا تستحق إحداث فتنه في الشارع الفلسطيني واقتتال داخلي، لأنها خريطة ستقودنا إلى كارثة، وتهدف إلى إلغاء الحقوق الفلسطينية المشروعة في لحظة ضعف تاريخية للعرب والفلسطينيين.
ليس صدفة أن يتم سلق الحكومة الفلسطينية ونحت منصب رئيس للوزراء لسلطة محصورة في غرفتين في رام الله، وحكم ذاتي أعيد احتلال أراضيه، في تزامن مريب مع الحرب على العراق، وإخضاعه للاحتلال الأمريكي الكامل، لأن هذه الحرب في أساسها جاءت لإرهاب الفلسطينيين، وتحقيق الأمن والهيمنة للدولة العبرية على المنطقة بأسرها، كوكيل أصيل للاستعمار الأمريكي الجديد.
نعم.. نحن في فلسطين نريد ديمقراطية، تماماً مثل الشعب العراقي، ولكننا لا نرى الدبابات الأمريكية تزحف إلى تل أبيب للإطاحة بالقوة الغاشمة المحتلة، وتحرير الشعب الفلسطيني من احتلاله، فالاحتلال الإسرائيلي أكثر قسوة من ديكتاتورية صدام حسين.
حاملات الطائرات الأمريكية لن تتوجه من الخليج، حيث أكملت مهمتها في إطاحة النظام العراقي، إلى شواطئ حيفا ويافا وعكا وتل أبيب لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ولكننا سنرى دبابات أبو مازن تتوجه إلى مخيمات اللاجئين في رفح والبريج وجباليا والدهيشة وبلاطة وجنين لنزع سلاح المقاومة التي تقاتل من أجل إنهاء هذا الاحتلال.
كنا نتمنى أن نهنئ أبو مازن وحكومته بالحصول على ثقة المجلس التشريعي، لو أنها جاءت بعد انتهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين، ولكنها حكومة جاءت من أجل إنهاء الانتفاضة والمقاومة المسلحة، ووقف التحريض ضد الاحتلال.
ماذا يقصد السيد أبو مازن عندما يقول إنه لن يسمح بالتحريض، هل يريد من الشعب الفلسطيني أن يؤلف قصائد المديح بالاحتلال الإسرائيلي، ويلحن الأغاني التي تشيد بإنسانية شارون، ويرقص على أنغامها طربا في شوارع الضفة وغزة؟!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...