الإثنين 12/مايو/2025

بان كي مون ما يمون

بان كي مون ما يمون

لا أستطيع أن أتصور أن شخصاً في مستوى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، يجهل الفارق الشاسع بين الحقائق التاريخية، وألاعيب الدعاية السياسية، وما فيها من ادعاءات فارغة. وكانت المفاجأة حين سمعت وشاهدت بان كي مون يتحدث أمام القمة العربية عن “الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 67”.
تذكّرت المسرحية التونسية “ورثوني وعيني حيّة”، وهي إعادة صياغة لمسرحية “البخيل” للفرنسي الساخر موليير. الرجل يخاطب قمة عربية أم سياحاً أتوا من خارج سكة التبانة؟ الدبلوماسية مؤدبة جداً، وإلا فإن الرد المناسب، هو صرخة عدلي كاسب، في مسرحية “إلا خمسة”: “اطلع برّه”. مع نكهة اللهجة التركية لدى ماري منيب، وهي تسأل عادل خيري: “إنتِ بتشتغلي إيه؟” هل قيّد السيد بان كي مون احتلال فلسطين منذ 48 ضد مجهول؟ أم أنه يرى أن من حق الكيان الغاصب القول عن ذلك الزمن الضائع المضيّع: “ما ينحسبش من عمري”؟
إذا كان الأمين العام لم يسمع بالمثل الفرنسي “من يسرق بيضة، يسرق ثوراً”، فإن أهل القمة في بغداد سمعوا بقول أبي الطيب: “من يهن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بقمة إيلام”. ما يؤلمني هو أن بان كي مون، في هذا المنصب الرفيع، قد حرمته السماء روح الدعابة، وإلا لكان سأل نفسه: حسناً، سلمنا بأن احتلال فلسطين حدث سنة 67. لكن، كيف نشأت من العدم “دويلة” هزمت العرب جميعاً في ستة أيام؟ ألم تكن المنظمة الأممية هي التي أنجبت قرار التقسيم؟ أم أن حديث الليل يمحوه النهار؟
السؤال ليس: على من تنطلي هذه الافتراءات التاريخية؟ فالسؤال هو: لماذا يجرؤ الأمين العام لأكبر منظمة في العالم على محاولة تسويق هذه الأباطيل أمام قمة عربية؟ الحيف والزيف إلى هذا الحد؟ يبدو أن الحسابات اختلفت كثيراً. انتقلنا من التنزيلات إلى التصفية في لغة المتاجر. ولى زمان: اشتر واحدة وخذ أخرى مجاناً. نحن في زمن سعر السمك عند غروب الشمس، في غياب الثلاجات.
المهم هو أن الحقائق التاريخية تظل نسبية. وخير الناس من تمسك بضرورة التعلم طوال حياته. فقد شاهدت أحدهم يتحدث في القمة البغدادية عن ضرورة زيارة القدس، مبرهناً على أن الرسول الأكرم لم يحرّم زيارة أولى القبلتين. قلت لنفسي: “أكاد أشك في نفسي لأني.. أكاد أشك فيك وأنت مني”. كيف خدعنا المؤرخون بأن الكيان الغاصب احتل فلسطين سنة 48، وهو مسيطر عليها منذ صدر الإسلام؟ هكذا، يحق لأي رئيس دولة عربية أو إسلامية أن يطلب تأشيرة زيارة من العدو وينعم بالتطبيع، وكفى الله أهل الكتاب شر القتال.
وجهة نظر طريفة، وهي تأتي في الوقت المناسب: يوم الأرض. وبما أن الأرض لله، فلماذا لا تكون للكيان الغاصب؟ خصوصاً عندما تكون لديك أسلحة في مستوى الحجارة والمقلاع، أمام ترسانة من الرؤوس النووية. عاش المعري “فعاند من تطيق له عنادا”.
[email protected]
صحيفة الخليج الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات