الأحد 11/مايو/2025

القضية الفلسطينية واليمين الأمريكي

القضية الفلسطينية واليمين الأمريكي

صحيفة الخليج الإماراتية

إن العلاقة التاريخية التي تجمع ما بين اليمين الأمريكي والحركات العنصرية العالمية والصهيونية، تجعله يتخذ مواقف عدائية تتسم بالجذرية والتطرف اتجاه مختلف قضايا التحرر الوطني، وقد تبلورت هذه المواقف المرضية لهذا اليمين المعروف بصلفه وتشدده، منذ الحرب الأمريكية على ما كان يوصف بالمد الشيوعي في العالم، وتحديداً في أمريكا التي كانت أجهزتها الأمنية والاستخباراتية تطارد وتجرّم كل من تُشتم منه رائحة التعاطف أو الانتماء إلى تنظيمات اليسار السياسي. واستمر هذا العداء المنظم ليطال فيما بعد، كل صور النضال السياسي الهادف إلى تحقيق الاستقلال والحرية في كل ربوع العالم، كما انتقل من خانة اقتفاء آثار اليسار إلى مطاردة كل حركات التحرر ذات المرجعية الإسلامية حتى وإن كانت بعيدة عن نهج الغلو والتكفير.

والغريب أن اليمين الأمريكي يمثل حالة شاذة في تاريخ وأدبيات الحركات السياسية ذات التوجه اليميني في العالم وخاصة في الغرب، ذلك أن هناك نوعاً من العداء التقليدي داخل تنظيمات أقصى اليمين لكل الحركات الصهيونية وللنفوذ اليهودي في كل الدول الأوروبية التي يُتهم فيها هذا اليمين بمعاداة السامية ويتم وصف سياسته بالنازية الجديدة، والشيء نفسه يمكن أن يقال بصدد اليمين الوسط المعروف بمواقفه الوطنية وبتمسكه بالدفاع عن المصالح العليا لأمته وشعبه. في الوقت الذي لا يجد اليمين الأمريكي غضاضة في الانفراد المشبوه بخاصية الدعم غير المشروط للحركات الصهيونية إلى حدود ومستويات تصل إلى درجة التحالف معها من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية داخل الولايات المتحدة من دون مراعاة للمصالح القومية والاستراتيجية للشعب الأمريكي، ويصل هذا الدعم إلى درجة التضحية بالكثير من المصالح الخارجية لأمريكا من أجل دعم أمن واستقرار “إسرائيل”.

وبخصوص هذه النقطة بالذات ترتدي الطبقة السياسية الأمريكية برمتها، عباءة اليمين حينما يتعلق الأمر بمغازلة اللوبي اليهودي في أمريكا، وتحديداً أثناء الحملات الانتخابية التي تسبق معركة الرئاسة، وذلك ما يجعلنا نعتقد أن أمريكا تمثل حالة شاذة فيما يتعلق بالتصنيف السياسي المعهود، حيث لا نكاد نلقى لا يميناً واضحاً ولا يساراً خالصاً. والاختلافات البسيطة التي يمكن تسجيلها، ترتبط في الغالب ببعض القضايا الاقتصادية والاجتماعية التي يدافع من خلالها الديمقراطيون عن حق الأمريكيين في الحصول على تغطية صحية ملائمة وعن حق النقابات في الدفاع عن المصالح الحيوية والمشروعة للعمال والأجراء. كما أن ما يمكن وصفه باليسار الأمريكي تتصف سياسة رؤسائه بنوع من “الاعتدال” بخصوص القضية الفلسطينية وقضية الصراع العربي “الإسرائيلي”، كما كان الشأن عليه مع الرئيسين كارتر وكلنتون، ولكن من دون القدرة على خرق قاعدة الدعم المطلق لمصالح الكيان “الإسرائيلي” التي تظل تمثل عقيدة ثابتة في أبجديات العمل السياسي في الولايات المتحدة.

وعليه فإننا لا نضيف شيئاً جديداً حينما نؤكد أن سياسة اليمين الأمريكي لم تكن فقط داعمة لقضايا “إسرائيل” بل إنها كانت مدمرة لمصالح أمريكا في العالم، وجعلت الكرة الأرضية أقل أمناً واستقراراً منذ تولى غلاة اليمين المتطرف في الحزب الجمهوري السلطة، منذ أكثر من ثماني سنوات خلت. كما أننا لا نُذيع سراً عندما نسجل أن اليمين الأمريكي الجديد الذي ظل يجسّده ويرمز لتوجهاته الكبرى الرئيس الأسبق رونالد ريغان، تحول إلى وكر يجمع بداخله فسيفساء متنوعة وغريبة من التوجهات السياسية ذات الميول والتوجهات الصهيونية، سواء تعلق الأمر بالمدافعين عن الليبرالية الاقتصادية الجديدة أو بالمتدينين من ذوي الميول الرجعية وحتى بالمحافظين الجدد الذين حوّلوا السياسة الخارجية إلى سياسة حرب أمريكية ضد العالم برمته، طمعاً في جني ثمار متفسخة لتداعيات نتائج الحرب الباردة الأولى.

والآن وبعد الفشل الأمريكي في العراق والإخفاق الاقتصادي المروع لبرامج اليمين الأمريكي، فإن التحالف التقليدي بين مكوناته الرئيسية أصبح يعاني من أزمة جدية على مستوى مشروعية تحالفاته التقليدية. وهو مطالب الآن بإعادة رسم سياسته المستقبلية، دون المساس، بطبيعة الحال، بتوجهاته الجوهرية المستندة على الدعم غير المشروط للأطروحات الصهيونية التي تريد أن تجعل من السياسة الخارجية الأمريكية أداة طيعة من أجل دعم وتنفيذ السياسات “الإسرائيلية” بمنطقة الشرق الأوسط.

وإجمالاً فإن اليمين الأمريكي الذي طالما نصّب نفسه كمدافع عن القيم والأخلاق والشرف والفضيلة، ما فتئ يخترق جهاراً نهاراً المثل والقيم العليا التي تستند عليها منظومة حقوق الإنسان في العالم، وليس بوسعه على المدى المنظور أن يجمّل صورته التي أضحت تمثل عنواناً للاستبداد والهمجية. وستظل الذاكرة الفلسطينية تحتفظ بذكريات مريرة لصور السياسات الأمريكية غير الودية تجاه الشعب الفلسطيني خاصة في زمن حكم اليمين.

وإذا كان الفلسطينيون يعلمون جيداً أن طبيعة الإدارة الأمريكية التي ستتقلد مقاليد السلطة في البيت الأبيض خلال السنوات المقبلة، لن تغير كثيراً من توجهات السياسة الخارجية الأمريكية. فإنهم مقتنعون أن سنوات جديدة من حكم اليمين مع الجمهوريين بقيادة ماكين سيكون حصادها أكثر مرارة بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية. ذلك أن المرشح الجمهوري الجديد قد عبر في مناسبات عديدة عن دعمه لسياسة جورج بوش الحالية، وقد تحاشى التنقل إلى أراضي السلطة الفلسطينية أثناء زيارته الأخيرة للمنطقة، وهو السلوك نفسه الذي التزم بمجمل عناصره، الرئيس الحالي في مستهل ولايته الأولى قبل أن تضطره تداعيات سياسته العدوانية ضد العراق إلى إجراء تعديلات تكتيكية على بعض تفاصيل سياسته الخارجية استجابة لخطة علاقات عامة ليس إلا.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات