فارسة القدس.. من صهوة الحُلْم تحصُد البطولات

كانت في الرابعة من عمرها حينما امتطت أوّل صهوة فرس في حياتها، فكان الخوف سيّد الموقف، إلّا أنها سرعان ما أحبّت ركوب الخيل، لتصبح بعد ذلك هوايتها المفضّلة التي رافقتها طيلة سنيّ عمرها الـ12، لتحمل “نهاية عوض الله” لقب “فارسة القدس”.

“نهاية”، هي ابنة بلدة شعفاط الواقعة شمال القدس المحتلة والتي ورثت حبّ ركوب الخيل عن والدتها هديل، التي منعها “المجتمع المحافظ” قبل سنوات طويلة من أن تشجّع موهبتها، لتزرع ذلك في طفلتها الصغيرة، فتحقّق ابنتها ما لم تحقّقْه هي بسبب الظروف الاجتماعية المحيطة.

البداية

“نادي أريحا للفروسية”.. هو الذي احتضن الطفلة “نهاية” منذ بدايتها، وهو “النادي الأم” بالنسبة للعائلة، كما قام رئيس الاتحاد الفلسطيني السابق حسن البزلميط بتبنّي هذه الموهبة الرياضية، فأصبحت تتدّرب بشكل مستمرّ على حساب النادي، لكن عام 2013 بعد خروج البزلميط من النادي تخلى النادي عن تبنيها وإكمال مسيرتها.

خاضت أول بطولة للفروسية عندما كانت في السادسة من عمرها (كانت من أصغر المشاركين)، فأبهرت الجميع بحضورها، وتشجيعًا لها اشترى لها جدّها حصانًا ووضعه لها أمام منزلهم، لتتعوّد عليه أولاً، ولتتعلّم كيفية التعامل معه بشكل أكبر، ثانيًا.

كان شعورًا رائعًا بالنسبة لـ”نهاية” حصولها على حصان بعمرها، وفقًا لوالدتها هديل، فربّته لمدة ثلاث سنوات، فأصبح صديقها ورفيقها طيلة هذه المدة.

فقدان رفيق المضمار

تقول والدة “نهاية”: “بعد عامين من التطوّر في المهارات، قرّرتُ أنا ووالدها أن نشتري لها حصانًا حسب المواصفات الدّولية من بلجيكا كونها ستشارك في بطولات محلية ودولية”.

في عيد ميلاد “نهاية” التاسع، كانت المفاجأة أن اشتروا لها فرسًا شقراء اللون، كانت ترافقها في تدريباتها لمدة عام ونصف، لكنْ لم تشاركها الفرس في أي بطولة، بسبب وفاتها في ظروفٍ غامضة أثناء تواجدها في نادي الفروسية في أريحا، لتحزن “نهاية” على فقدانها بشكل كبير كأنّها قطعة منها.

تدريبات مكثّفة

رغم أن العائلة هي من تتحمّل كافة التكاليف والأعباء الماديّة، إلّا أنها لم تبخل على “نهاية” بأي تدريب خارج فلسطين؛ حيث تم تدريبها في العام 2013  لمدة أسبوع، فكان أول معسكر تدريبي لها في الأردن، أمّا الثاني فكان في العام 2015 بالإمارات ولمدة عشرة أيام.

تضيف والدة “نهاية”: “في كل معسكر تتدرّب فيه ابنتي، كان يوصي مدرّبوها بالاهتمام بها كونها “موهبة نادرة” كما يقولون عنها، وشاركت في بطولة بالشارقة، لكن لم يحالفها الحظ، إلّا أنها فخورة جدًّا بتلك المشاركة”.

بعد تسع سنوات من التدريب المتواصل في نادي أريحا للفروسية، قررت في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري الانتقال إلى مركز الأراضي المقدّسة بسبب تواجد مدرّبها أحمد الحوّاش (المدرّب الحالي لنهاية)، أصغر حكم دولي في العالم والذي تثق به العائلة، وحققت معه إنجازات عديدة خلال سبعة شهور من التدريب المتواصل.

حصد البطولات

في آخر شهر نيسان (أبريل) وبداية أيار (مايو) قامت “نهاية” وعائلتها بعمل معسكر تدريبي في الأردن لمدة أسبوع، وقد حصلت على المركز الأول في بطولة الاتحاد الأردني في الجولة السادسة، بعد أن تدرّبت على يد المدرّب فلاح حسّون.

بعد ذلك، قررت “نهاية” وبتشجيع من مدربيْها الحوّاش (في فلسطين) وفلاح (في الأردن) على دخول المنافسة في بطولة النهضة العربية المئوية الدولية التي أقيمت في عمان بمشاركة 6 دول من 29 حتى 30 من شهر تموز (يوليو)؛ حيث حصدت المركز الأول عن فئة 105 – 110 أمتار، كما حقّقت المركز الأول في ذات البطولة عن فئة 90 – 100 متر.

أمّا في الـ12 من شهر آب (أغسطس) الجاري، فحازت “نهاية” على المركز الأول في بطولة الدوري الأردني (الجولة الثامنة) عن فئة 105 – 110 أمتار.

مركز عمان للفروسية احتضن “نهاية” خلال تدريباتها، كما قام الاتحاد الأردني للفروسية بتشجيعها للوصول إلى مبتغاها وتحقيق المركز الأول في البطولة الدولية، ورفع العلم الفلسطيني والنشيد الوطني لأول مرة في تاريخ الفروسية الفلسطينية.

حاجة الفارس في القدس

تقول هديل (والدة نهاية) لـ”قدس برس”: “إن ما نحتاجه في القدس حقًّا هو مساحات وأراضٍ نستطيع من خلالها إنشاء أندية للفروسية لتدريب أبنائنا وتنمية مواهبهم، لكن للأسف لا يوجد أي ناد للفروسية في القدس ضمن المواصفات الدولية”.

وتضيف أن هذا الأمر يتطلّب من الأهل أن يسافروا يوميًّا أو بشكل مستمر من القدس إلى أريحا بغية الحفاظ على مستوى أبنائهم في الفروسية.

وتشير إلى أن العائلات تتحمّل كل التكاليف دون رعاية أو اهتمام من أي مؤسسة تُعنى بالشؤون الرياضية، على عكس ما تقوم به المؤسسات العالمية والدولية.

“نهاية”، التي تعاندها صعوبة الظروف في مدينة القدس، تحلم أن تكون بطولاتها السابقة مجرد بداية، كما تطمح للوصول تحت علم فلسطين إلى الألعاب الأولمبية، لتغرس علم الوطن شامخًا كخيل عربي، في صدارة دول العالم.