قراءة في نتائج الانتخابات الإسرائيلية

صحيفة البيان الإماراتية
كيف تقرأ نتائج الانتخابات الإسرائيلية وهي نتائج متوقعة ولو اختلفت التقديرات الحسابية بشكل بسيط فيما يتعلق بعدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب.
ملاحظات خمس يمكن التوقف عندها:
أولاً: حصول انتصار مزدوج لليمين في المشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي: كاديما أخذ مقاعد من حزب العمل فحصل انتقال من يسار الوسط إلى الوسط و«إسرائيل بيتنا» أخذ من حزب الليكود فحصل الانتقال الآخر من اليمين إلى اليمين العنصري الأكثر تشدداً.
ثانياً: انتصرت الشعبوية في “إسرائيل” التي هي إحدى دلائل ازدياد أزمة الهوية والضياع والانغلاق والفوبيا والتي تتغذى على هذه المشاعر وتغذيها من خلال التكريس «الرسمي» والقبول «الشرعي» في الجسم الحزبي الإسرائيلي بحزب “إسرائيل بيتنا” وزعيمه أفيغدور ليبرمان.
جدعون ليفي رأى في ذلك انتصاراً للكيهانية بعد عشرين عاماً من الطرد السياسي للحاخام العنصري مائير كاهانا. فسياسة الترنسفير والدعوات المتكررة للجوء إليها صارت جزءاً مقبولاً في المنظومة القيمية للمؤسسة السياسية الإسرائيلية.
ثالثاً: تحول «القبضاي» والمهاجر من مولدافيا ليبرمان الدخيل على المؤسسة السياسية إلى الممسك الأساسي بمفاتيح لعبة تشكيل الحكومة وهي لعبة قد تطول لفترة شهرين ونيف وقد تؤدي إلى أزمة مفتوحة وتحوله لاحقاً إلى الطرف الموازن ضمن أي حكومة قد يشارك فيها، فليبرمان، رمز “إسرائيل” الجديدة هو المنتصر الأكبر في هذه الانتخابات.
رابعاً: نهاية اليسار بمفهومه الإسرائيلي الداخلي هذه المرة وليس «الفلسطيني» أو المعارض للاحتلال، فهذا ضعيف أساساً وهامشي وقد كشف سقوطه في الإجماع الإسرائيلي الواسع الذي شمل حزب ميرتس، في دعم العدوان الإسرائيلي على غزة، ولا أدل على نهاية اليسار من غياب الاقتصاد عن الانتخابات الإسرائيلية.
فعناصر الدين والقومية الحادة وهاجس الأمن هي التي حكمت الانتخابات وهي التي تطبع الخريطة السياسية الإسرائيلية. فثقافة الكيبوتز والدور التدخلي للدولة والقيم الاشتراكية سقطت منذ زمن أمام قيم ومفاهيم الثورة النيوليبرالية. ولم يبلور اليسار مراجعة نقدية ذاتية كما حصل في أوروبا. وصار اليمين هو الذي يجذب الخائفين وفاقدي الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
خامساً: سقطت ثنائية اليمين واليسار وأخذت في التبلور ثنائية جديدة: ثنائية العلماني والديني، الأولى يمثلها حزب «إسرائيل بيتنا» والثانية حزب «شاس». ثنائية تشكل شرخاً جديداً في المجتمع الإسرائيلي إلى جانب تعمق شرخ آخر بين اليهود والفلسطينيين في دولة الديمقراطية الأثنية مع ازدياد الخطاب العنصري حدة ورواجاً وتكرس السياسات والممارسات العنصرية ضد فلسطينيي “إسرائيل”، الأمر الذي قد يؤدي إلى انتفاضة فلسطينية في الداخل الإسرائيلي.
خمس سيناريوهات حول الحكومة الجديدة تبدو ممكنة وهي:
أولاً: تشكيل حكومة الانسجام الإيديولوجي المتشدد بزعامة نتانياهو تضم أساساً الليكود ومعه إسرائيل بيتنا وشاس وبعض أحزاب اليمين الصغيرة: انسجام على الصعيدين الأمني الخارجي والاقتصادي الداخلي.
حكومة من هذا النوع ستكون في حالة علاقات توتر مع العالم على صعيد الخطاب السياسي وليس فقط على صعيد السياسة. ويبدو هذا أحد مخاوف نتانياهو من حكومة من هذا النوع بعد تجربته عام 1996 والدروس التي استخلصها حينذاك حول مستقبله السياسي، كما أن عليه أن يؤمن التعايش غير السهل بين العلمانيين والأحزاب الدينية التي يمكن إرضاؤها بالمساعدات الاجتماعية.
ثانياً: حكومة برئاسة ليفني ومعها العمل واليسار والأحزاب العربية وكذلك شاس وهو خيار بعيد الاحتمال لصعوبة إحداث تعايش بين الأطراف الأخيرة وشاس وتبقى معرضة للسقوط السريع.
ثالثاً: حكومة ائتلاف وطني تقليدي للأحزاب الثلاثة الليكود وكاديما والعمل برئاسة نتانياهو وهي دون شك ستكون حكومة جمود سياسي على صعيد الملف الفلسطيني بشكل خاص. وتبدو صعوبة هذا السيناريو في رفض ليفني أن تكون في الموقع الثاني في حكومة مع نتانياهو ولوجود تيار قوي في حزب العمل يفضل أن يبقى الحزب في المعارضة لالتقاط أنفاسه وإعادة تنظيم وضعه العقائدي والسياسي.
رابعاً: حكومة «مختلطة» تقودها ليفني وتضم إلى جانب كاديما حزب إسرائيل بيتنا وحزب العمل علماً أن هنالك توافقاً واسعاً بين هذه الأحزاب حول مختلف القضايا الأساسية ما عدا موضوع تحديد الولاء الوطني كما يطرحه ليبرمان. أضف أن ليبرمان كما يقول مارتين إنديك بحاجة لكاديما لدفع مفهومه للتسوية إلى الأمام فهو بعكس اليمين التقليدي يمتلك مقاربة ديموغرافية وليس جغرافية للتسوية إذ يريد دولة يهودية «نقية».
حكومة من هذا النوع ستكون أيضاً حكومة جمود سياسي وإدارة واحتواء تداعيات سياسات فلسطينية متى وجدت هذه السياسات ولكنها حكومة قادرة أن تعيش وتستمر طالما أنه لا توجد ولا تفرض عليها استحقاقات في الشأن الفلسطيني.
خامساً: حكومة تناوب على رئاسة الوزراء يبن نتانياهو وليفني، عمادها الليكود وكاديما كما حصل عام 1984 بين شيمون بيريز وإسحاق شامير، مع بعض الأحزاب الصغيرة، وهي قادرة أن تحكم داخلياً بسهولة وخارجياً لن توجد فروقات أساسية بين قطبيها على مستوى العملية السياسية والمقاربات الفعلية بالنسبة للقضية الفلسطينية.
الانتخابات الأربعة الماضية في “إسرائيل” جرت تحت عنوان كيفية التوصل إلى سلام مع الفلسطينيين ولو أن السياسات الإسرائيلية لتلك الحكومات كانت بعيدة على الصعيد الفعلي عن محاولات التوصل إلى سلام شامل مع الفلسطينيين. الحكومة المقبلة المنبثقة عن أي من هذه السيناريوهات ستكون حكومة عنوانها الفعلي هذه المرة اللاسلام وتكريس الأمر الواقع وإدارة التوتر والتعايش الصعب مع الأزمة المستمرة والمتفاقمة.
كاتب لبناني
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية
الضفة الغربية- المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم السبت، حملة دهم واعتقالات في عدة مناطق في الضفة الغربية المحتلة، تخللها...

مسؤولون بالبرلمان الأوروبي يطالبون إسرائيل بإنهاء حصار غزة فورا
المركز الفلسطيني للإعلام طالب قادة العديد من الجماعات السياسية في البرلمان الأوروبي اليوم السبت، إسرائيل بالاستئناف الفوري لإدخال المساعدات...

جراء التجويع والحصار .. موت صامت يأكل كبار السن في غزة
المركز الفلسطيني للإعلام قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّه إلى جانب أعداد الشهداء التي لا تتوقف جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل، فإنّ موتًا...

إصابات واعتقالات بمواجهات مع الاحتلال في رام الله
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب عدد من الشبان واعتُقل آخرون خلال مواجهات اندلعت مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في عدة بلدات بمحافظة رام الله...

القسام ينشر مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين أحدهما حاول الانتحار
المركز الفلسطيني للإعلام نشرت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، السبت، مقطع فيديو لأسيرين إسرائيليين ظهر أحدهما بحالة صعبة وممددا على الفراش....

جرائم الإبادة تلاحق السياح الإسرائيليين في اليابان
المركز الفلسطيني للإعلام في خطوة احتجاجية غير مسبوقة، فرضت شركة تشغيل فنادق في مدينة كيوتو اليابانية على الزبائن الإسرائيليين توقيع تعهد بعدم التورط...

سلطة المياه: 85 % من منشآت المياه والصرف الصحي بغزة تعرضت لأضرار جسيمة
المركز الفلسطيني للإعلام حذرت سلطة المياه الفلسطينية من كارثة إنسانية وشيكة تهدد أكثر من 2.3 مليون مواطن في قطاع غزة، نتيجة انهيار شبه الكامل في...