حقائق

صحيفة الخليج الإماراتية

في كتاب “عندما يحكم الضحايا” الذي يعيد الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة ضد سكان الأراضي المحتلة من العرب إلى عقدة “الضحية عندما يتحول إلى جلاد”، نادرة طريفة توضح الذهنية اليهودية وقدرتها على تحويل الأبيض إلى أسود. وتقول القصة إن يهودياً شاباً ذهب إلى حاخام يشكو له عدم قدرته على فهم التلمود، لأن الكثير من نصوصه تجانب الحقيقة والمنطق، فقال له الحاخام: لو فرضنا أن رجلين يعملان في تنظيف المداخن تلوث وجه أحدهما بسخام المدخنة، بينما بقي الآخر نظيفاً تماماً، فأيهما سيهرع إلى غسل وجهه بعد انتهاء العمل؟ فقال الشاب: طبعاً، الرجل الذي تلوث وجهه، فقال الحاخام: خطأ، لأن الرجل الذي لوث وجهه سينظر إلى وجه الآخر، ويراه نظيفاً، فيظن أن وجهه كذلك، أما الرجل الآخر، فإنه سينظر إلى الوجه الملوث بالسخام ويظن أن وجهه هو ملوث أيضاً، ولذلك سيهرع إلى تنظيف وجهه. وضحك الشاب، وأردف الحاخام قائلاً: “الحقيقة يا ولدي تختلف من شخص لآخر، ومن ظرف لآخر، وليس هنالك حقيقة مطلقة، ونحن اليهود لدينا أسلوبنا الخاص في النظر إلى الحقائق، بل لدينا حقائقنا الخاصة التي ينبغي أن تنظر إليها كيهودي لتفهمها وتعاملها كحقائق”.

تذكرت هذه القصة وأنا أقرأ خبراً عن كتاب جديد أصدره شلومو ساند، أستاذ التاريخ في الجامعة العبرية، قبل أسابيع بعنوان “متى وكيف نشأ الشعب اليهودي”. والكتاب من أكثر الكتب مبيعاً في “إسرائيل” حالياً، وفيه ينفي المؤلف قضية الشتات أثناء الحكم الروماني لفلسطين، ويقول إن اليهود بقوا في “أرضهم”، وفكرة الرجوع إلى الوطن التي تتبناها الحركة الصهيونية كاذبة ولا أساس تاريخياً لها، ويضيف: “إن احتمال أن يكون الفلسطينيون متحدرين من مملكة يهوذا، ثم تحولوا إلى الإسلام، أكبر من احتمال أن أكون أنا أو غيري من “الإسرائيليين” الذين جاءوا من أوروبا أو غيرها من أحفاد سكان يهوذا”.

عال جداً، إذا كان اليهود بقوا في أرضهم، فكيف نفسر انخفاض نسبتهم قياساً إلى عدد السكان، إذ إنهم كانوا يشكلون 11% من السكان عام 1932، وما يزيد على نصف هذه النسبة من المهاجرين الذين وفدوا بعد الاحتلال البريطاني؟ وإذا كان الفلسطينيون من أحفاد يهوذا، ألا يعني ذلك أنهم مقصودون ب”الوعد الإلهي” أكثر من الذين وفدوا إلى فلسطين من يهود الخزر الأوروبيين الذين لا علاقة لهم بيهوذا ولا بمملكتها ولا بفلسطين؟ ولكنها “الحقائق اليهودية” التي تقوم على التزوير، وها هم يزيفون تاريخ فلسطين ويخترعون تاريخاً جديداً لوجودهم فيها.