الخميس 08/مايو/2025

ما يمكن أن ينتهي إليه موسم الانفتاح على حماس

ما يمكن أن ينتهي إليه موسم الانفتاح على حماس

صحيفة العرب القطرية

شهدت مدينة غزة يوم الخميس الماضي تطوراً مهماً في علاقة واشنطن بالمسألة الفلسطينية، تمثل في زيارة عضو مجلس الشيوخ البارز جون كيري، وعضوي مجلس النواب براين بيرد والمسلم كيث أليسون. وصف كيري زيارته غزة بأنها تفقدية، رافضاً أن تكون لها أية دلالة ذات علاقة بالسياسة الأميركية تجاه حماس. انتهت الزيارة بتسليم مسؤولي الأونروا السيناتور الأميركي رسالة من حماس موجهة للرئيس أوباما. ورغم أن كيري أحجم خلال وجوده بالمدينة الفلسطينية عن الالتقاء بأي من قيادات حماس، فإن أحداً، على أية حال، لا يمكن أن يغفل الانعطافة التي تمثلها الزيارة. فأعضاء الوفد النيابي الأميركي الذين وصلوا إلى غزة ديمقراطيون، ينتمون لحزب الإدارة الحاكمة في واشنطن، وكيري على وجه الخصوص هو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وتربطه بالرئيس أوباما علاقات وثيقة.

كيري هو أول شخصية أميركية من هذا المستوى تزور قطاع غزة منذ فرضت حماس سيطرتها على القطاع. وهذا في حد ذاته تحول لافت للانتباه. ولكن كيري ليس الأول في موسم الانفتاح على حركة حماس. الرئيس الأسبق كارتر، عقد أكثر من اجتماع مع رئيس مكتب حماس السياسي، ويعتقد أن كارتر قابل الرئيس أوباما بعد اجتماع عُقد مؤخراً مع مشعل، وأن الرئيس شجعه على استمرار جهوده باتجاه حماس. كما أن عدداً من البرلمانيين البريطانيين والفرنسيين قام بخطوات مماثلة. أما الاتصالات التي يقوم بها مسؤولون أمنيون أوروبيون، والتي يفترض ألا تكون معلنة، فيعتقد أنها لم تنقطع. خرجت حماس من الحرب على غزة في وضع سياسي أفضل بكثير مما كانت عليه قبل الحرب. لم يصمد أهالي قطاع غزة في مواجهة القصف والقتل والدمار وحسب، بل إن الحرب أثارت حركة احتجاج وتضامن هائلة في مختلف المدن العربية والإسلامية، وفي العالم الغربي. وفي وقت كانت المقاومة في قطاع غزة تكسب شرعية جديدة، كان ارتباك رام الله يتسبب في المزيد من إضعاف سلطة الحكم الذاتي. منذ الانتخابات الفلسطينية التشريعية، كان أصبح واضحاً أن مقاربة للوضع الفلسطيني تهمل دور وموقع حماس هي مقاربة عرجاء. بعد الحرب على غزة، لم يعد من الممكن التظاهر بأن الأمور تسير في الساحة الفلسطينية كما كانت، وأن بالإمكان التعامل مع إدارة الرئيس عباس وكأنها تمثل كل الكتلة الوطنية الفلسطينية.

مشكلة تجاهل القوى الغربية الرئيسة لحماس والانفتاح عليها ليست جديدة تماماً في تاريخ حركات التحرر الوطني. ومن دون الذهاب بعيداً، فلعل من الجدير التذكير بالكيفية التي انتقلت بها منظمة التحرير الفلسطينية من خانة التجاهل الغربي الفادح والتصنيف الإرهابي، إلى الشريك الرئيس في عملية السلام. في البداية لم تكن الدول الغربية ترى في المنظمة تعبيراً وطنياً مشروعاً، وفي المرحلة الثانية، عندما لم يعد ممكناً تجاهل الهوية الفلسطينية، تمت إعادة تعريف المنظمة باعتبارها منظمة وطنية تمارس الإرهاب، وتُحسب ضمن دائرة النفوذ السوفيتي. والحقيقة، أن السوفيت لعبوا الدور الأهم في ترويض المنظمة، ومحاولة إعادة بناء برنامجها السياسي. كان الهدف السوفيتي من ذلك ليس إرضاء المعسكر الغربي بالضرورة، ولكن إدخال المنظمة إلى معادلة القوة، باعتبارها حليفاً يمكن أن تسهم ورقته في تعزيز الأوراق السوفيتية في الإقليم. وقد بدأ ترويض المنظمة ببرنامج النقاط العشر في 1974، ومن ثَمَّ التراجع عن المطالبة بكل فلسطين إلى دولة فلسطينية في المناطق المحتلة منذ 1967. ولكن حتى بعد مبادرة مؤتمر فاس، وبيان نبذ الإرهاب، والاعتراف بقرار مجلس الأمن رقم 242، لم يكن ممكناً لمنظمة التحرير أن تتمتع باتصال مباشر مع وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر في أثناء التحضير لمؤتمر مدريد للسلام، وكان على قيادة المنظمة أن تمثل نيابةً بواسطة وفد فلسطيني من المناطق المحتلة. ولم تصبح المنظمة طرفاً مباشراً في مباحثات السلام إلا بعد أن اطمأنت قيادة رابين/ بيريز للنوايا وحجم المطالب الفلسطينية، وفتح بالتالي مسار أوسلو التفاوضي.

المشكلة التي واجهت منظمة التحرير لا تتعلق فقط بحجم النفوذ الإسرائيلي الدولي، وهو النفوذ الذي يجب ألا يُعزل عن مدى التقاطع بين المصالح الغربية ونظيرتها الإسرائيلية، إذ أن هناك مشكلة من نوع آخر. فالنظام الدولي هو في جوهره مؤسسة ترتكز إلى مفاهيم وقيم ومواريث غربية. ليُفتح لك الباب إلى قاعات النظام الدولي لا بد أن تنسجم مع هذه المفاهيم والقيم والمواريث. وصلت القوى الغربية إلى مرحلة أدركت فيها أن من غير الممكن التقدم في عملية السلام من دون دورٍ ما لمنظمة التحرير، ولكن المنظمة أيضاً كانت قد مضت في طريق شكّل هدف الحصول على الاعتراف الغربي أولى أولوياتها. ولم تحصل على هذا الاعتراف، في النهاية، من دون الاستجابة للشروط. موسم الانفتاح على حماس لن يختلف كثيراً عن الموسم الطويل الذي عاشته منظمة التحرير حتى وصلت إلى تقبل الشروط، كلها بلا استثناء. وربما يستشعر البعض اليوم في صفوف حماس تفاؤلاً شبيهاً بذلك الذي عاشته قيادات منظمة التحرير عندما بدا وكأن مندوب الرئيس كارتر في الأمم المتحدة قد صافح المندوب الفلسطيني صدفة، أو عندما بدأت وفود البرلمانيين الأوروبيين في التردد على مقار المنظمة في بيروت وتونس، أو حتى عندما أخذ ضباط الاستخبارات الأميركية في بناء علاقات شبه دائمة بأجهزة الاستخبارات الفلسطينية. هذا تفاؤل مبكر جداً. في النهاية لن تحصل حماس على اعتراف أوروأميركي من دون الاستجابة الكاملة للشروط، ليس بالضرورة مرة واحدة، بل إن طبيعة الانفتاح وسياسة العصا والجزرة التي تغلفه تجعلان هذه الاستجابة تدريجية بالضرورة.

في السياق السياسي المعتاد للمسألة الفلسطينية، وفي سياق التعامل الغربي التقليدي مع دول المشرق وشعوبه، منذ الانقلاب في الوضع الدولي في نهاية الحرب الأولى، ليس ثمة مخرج من هذه الإشكالية. المخرج الوحيد المتاح هو في القفز على الخيارات المطروحة جميعها، في الخروج من دائرة اللعبة بقواعدها السائدة. تقوم عملية التسوية منذ السبعينيات على تصور الدولتين، واحدة لليهود على معظم فلسطين الانتدابية، وواحدة للعرب الفلسطينيين على ما يمكن للدولة العبرية التخلي عنه. ولكن مسار التسوية الذي كان يُفترض أن يصل إلى حل الدولتين لم يصل مطلقاً، لأن الدولة العبرية أرادت له ألا يصل حتى تأخذ كفايتها من الأرض. اليوم، لم يعد حل الدولتين ممكناً، اللهم إلا إن قبل الفلسطينيون بإقامة دولتهم في الضفة الشرقية من الأردن. الخروج من سياج اللعبة الدائرة لا يفرضه موقف راديكالي بالضرورة، أو حتى الرغبة في إفساد عملية التسوية. حل الدولتين من أساسه لم يعد ممكناً، سواء أكان الفلسطينيون مع نهج التسوية أم ضده.

بقبولها حل الدولتين، واستدراجها في موسم الانفتاح، ستنتهي حماس إلى ما انتهت إليه منظمة التحرير في مطلع التسعينيات، مع فارق جوهري يتعلق بما انكمشت إليه المساحة المتاحة للفلسطينيين في الضفة والقطاع. وهذا ما يتطلب موقفاً شجاعاً، يستند إلى الحق التاريخي، إلى المشترك الإنساني الشائع، وإلى التجارب الشبيهة بالمشكلة الفلسطينية في جنوب إفريقيا وأيرلندا الشمالية: المطالبة بالدولة الواحدة، والوقوف عند هذا المطلب مهما طال زمن الصراع.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات