المرحلة الفلسطينية المقبلة.. الخيارات والمحاذير

في ظل التحولات الجذرية التي تعصف بالمنطقة، فإن القضية الفلسطينية تواجه حالياً خطرا وجوديا لم تتعرض له في تاريخها، ويتمثل بالتصفية النهائية، فـ”صفقة القرن” التي تطبخ على نار هادئة، وبدأت ترشح بعض تسريباتها من وهناك، تحتاج إلى قيادة فلسطينية قادرة على الصمود في وجه الضغوطات.
وأمام هذه التحديات، فإنّ خيارات الفلسطينيين، تزداد صعوبة وتعقيدا، وسط محاذير من الانزلاق نحو “صفقة القرن”، ما يجعل الفلسطينيين بحاجة إلى قيادة قوية قادرة على الصمود في وجه الضغوطات.
“المركز الفلسطيني للإعلام“، وفي ظل الحالة المفصلية التي تشهدها القضية الفلسطينية، حاور مجموعة من الخبراء والنواب والقانونيين والمحللين السياسيين، عن تصوراتهم لشكل المرحلة الفلسطينية القادمة، وعن شكل النظام السياسي المقبل وأدواره، وعن العوامل الإقليمية والخارجية المؤثرة في القصية الفلسطينية، وأبرز المؤثرات الداخلية والوطنية، وعن دور ومصير المؤسسات الفلسطينية.
• ما شكل المرحلة المقبلة فلسطينيا في ظل الحديث عن “صفقة القرن”؟
يتوقع الكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال، أن يتعرض الفلسطينيون للمزيد من الضغط الإقليمي والدولي في المدّة القادمة لتمرير أي صفقة أو اتفاق لحل الصراع العربي “الإسرائيلي”، وهذا الضغط سيتوزع بين السلطة في رام الله وبين “حماس” و”حكومة الأمر الواقع” في قطاع غزة، في سياق حديثه، عن سيناريوهات المرحلة المقبلة فلسطينيا.
ويرى “أبو هلال”، في حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن الضغط المتوقع على السلطة سيكون غالبا باتجاه “نزع الشرعية” عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وقيادة فتح والمنظمة، “إذا استمرت برفضها لصفقة تستثني اللاجئين والقدس من حل عادل يقبله الفلسطينيون كحد أدنى، وسيمتد أيضا إلى الضغط نحو إيجاد بديل لعباس قد يكون مؤهلا لقبول مثل هذه الصفقة”.
ولا يستبعد أن يتركز الضغط، كما هو حاصل منذ سنوات، على فكرة أن عباس لا يمثل الفلسطينيين جميعا، لعدم سيطرته على غزة، ما يطعن بتمثيله الكامل.
أما بالنسبة لغزة، فمن المتوقع أن يكون الضغط عبر سياسة “العصا والجزرة” -وفق أبو هلال- على قاعدة “إما أن تقبلوا بحالة هدوء كامل ومنع زيادة قوة حماس العسكرية، مقابل تسهيلات اقتصادية وتخفيف الحصار، وإما أن يستمر الحصار لأقصى حد”.
خطر غير مسبوق
خبير القانون الدولي، ورئيس المؤتمر الشعبي العام لفلسطينيي الخارج، أنيس فوزي قاسم، وفي حديثه لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، يرى أن القضية الفلسطينية تواجه حالياً خطرا لم تتعرض له سابقا في تاريخها، ويتمثل بخطر التصفية النهائية، “ذلك أن ما يسمى بـ”صفقة القرن” تنطوي على تحالف قوي، بين قوة الامبريالية الأميركية بما تمثله من سطوة سياسية وعسكرية دولية، وقوة رأس المال النفطي بما يمثله من جبروت وإغراء المال”، وفق قوله.
ويتابع: “هذا التحالف يقف على أرضية استراتيجية واحدة؛ ذلك أن العداء الأميركي- الإسرائيلي، لإيران وجد صدى لدى المملكة العربية السعودية، التي تعد طهران عدوها الأول، وبالضرورة أصبح الخطر الإسرائيلي هامشياً، بل أصبح “حليفاً” في مواجهة الخطر الإيراني المزعوم.
ولكي ينجز هذا التحالف الاستراتيجي أهدافه، لا بدّ من تصفية القضية الفلسطينية، وهذا هو الخطر الداهم الذي يهدد فلسطين أرضاً وشعباً، كما يرى أستاذ القانون الدولي.
فيما يرى الكاتب الصحفي حازم عياد، بأن صفقة القرن في جوهرها تعمل على تهميش دور الفلسطينيين وحقوقهم، وتسعى لتصفية القضية الفلسطينية لمصلحة فتح باب التطبيع الكامل مع الكيان الإسرائيلي.
ولذلك يتوقع “عياد” أن يتركز الصراع في المرحلة المقبلة على مواجهة المتصهينين والمطبعين العرب، على حساب الحقوق الفلسطينية.
شكل النظام السياسي المقبل وأدواره:
أما عن شكل النظام السياسي الفلسطيني المقبل وأدواره، يقول أبو هلال: إن “القوى الدولية تسعى لاستمرار الانقسام الفلسطيني، والتعامل مع كل طرف بشكل منفصل بحيث يسهل إخضاعه”.
ويتابع: “المسعى الدولي هو لقبول حالة هدوء أو هدنة طويلة الأمد في غزة، يكون فيها دور الحكومة في القطاع حماية هذا الهدوء وضمان استمراريته، بينما المطلوب من السلطة القبول بحل غير عادل ولا يستجيب حتى لأدنى الحقوق الوطنية الفلسطينية، وخصوصا فيما يتعلق بالقدس واللاجئين والمستوطنات”.
ويرى أنه بمقابل هذه المساعي الدولية والإقليمية، لا يوجد أمام الفلسطينيين من حل سوى الاتفاق على مشروع وطني فلسطيني يتبنى المقاومة الشعبية في الضفة والقطاع بمعناها الشامل والمنظم والسلمي؛ لأنه الأجدى في ظل اختلال موازين القوة، لتحميل الاحتلال أثمانًا سياسية وإعلامية كبيرة، وإعادة الصراع إلى جذوره الحقيقية: “شعب محتل بمواجهة دولة احتلال كولينيالي، لا مجرد نزاع بين دولة الاحتلال و”كيان جار” هو السلطة الفلسطينية”.
أما نظيره عياد، يقول: إن النظام السياسي الفلسطيني يتعرض لعملية تفكك متواصلة، بتأثير من التقادم الزمني وشيخوخة القيادات السياسية وترهل الأجهزة الإدارية وتراجع فاعليتها كمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية.
ولا يتوقع “عياد” أن يتمكن النظام السياسي الفلسطيني بشكله التقليدي من الصمود في ظل حالتي الترهل والشيخوخة، ما لم يتم تجديد منظمة التحرير وتطوير البرنامج السياسي للأطر الرسمية لتستعيد زخمها الوطني، بعيدا عن سياسة التنسيق الأمني التي أفقدتها الغاية من وجودها، المتمثلة بحماية الشعب الفلسطيني.
بل ويذهب “عياد” إلى أبعد من ذلك، متوقعا أن تنهار السلطة، “في حال استمرار حالة الإنكار لدى قيادات منظمة التحرير والسلطة، للواقع الذي يتشكل”، كما يبدي تخوفه من إمكانية ملء الفراغ المتوقع من القوى المتصهينة و”الإسرائيلية” والأمريكية بما يخدم مصالح الكيان الإسرائيلي، ما يعني أن الصراع على القيادة والدور السياسي ستصبح أكثر قوة ووضوحا ما بعد رئيس السلطة عباس بين قوى المقاومة وقوى التبعية للاحتلال.
المؤثرات والعوامل الخارجية؛ الدولية والإقليمية
إن الوضع الإقليمي والدولي لا يلعب لمصلحة الفلسطينيين، في سياق حديث “أبو هلال” عن أبرز العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة على القضية الفلسطينية، ويدلل على حديثه بأن السلطة وحماس كلتيهما بلا حلفاء حقيقيين بالمرحلة الحالية، بسبب حالة عدم الاستقرار التي تشهدها المنطقة، وفق تقديره.
ويشير إلى ما أسماها تصدع الجبهة العربية التي لم تكن قوية أصلا، ولكنها زادت تصدعا، بسبب الصراعات بين الدول العربية وانقسامها بين محاور معادية لبعضها البعض.
وأخيرا بسبب وجود تسارع عربي للتطبيع والتخلي عن القضية الفلسطينية، والترويج لفكرة أن القضية لم تعد تشكل همًّا مركزيًّا للعرب، وأن الصفقات التي يطرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يجب أن تتم حتى بدون موافقة الفلسطينيين.
في هذه الحالة، “تحولت الدول العربية الكبرى من موقع التأييد حتى اللفظي منه للفلسطينيين إلى موقع الضغط عليهم والتسخيف من قضيتهم”، وفق أبو هلال.
ويرى أن لا حل أمام الفلسطينيين في ظل هذا الوضع الدولي والإقليمي الضاغط، إلا التوحد ضمن مشروع وطني يحمل برنامجا استراتيجيا لمواجهة الاحتلال، ولو كانوا وحيدين.
3 تحديات
أما “عياد” فيرى أن هنالك ثلاثة تحديات تواجه القضية الفلسطينية؛ يتركز أولها، في حالة الانهيار الأمني والسياسي والاقتصادي في دول الطوق العربي وتراجع قدرتها على تقديم الدعم للشعب الفلسطيني، ناهيك عن تهافت بعض دول الخليج على التطبيع مع الكيان “الإسرائيلي”، ما يفاقم من الضغوط والتحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني.
ويعد النزعة اليمينة المتطرفة لدى الإدارة الأمريكية، والتي يقودها طاقم يميني إنجيلي، تحديا ثانيا يواجه الفلسطينيين في التعامل مع أزمتهم الداخلية أو في إدارة صراعهم مع الكيان الصهيوني.
ولذلك يرى أن التحدي الأساس والأبرز هو في قدرة الفلسطينيين على الاستمرار في إضافة أدوات جديدة للنضال ومقاومة الاحتلال، ودفع عدد أكبر من القوى السياسية والفعاليات في العالم العربي والعالم للانخراط في حملات مكافحة التطبيع ودعم الشعب الفلسطيني، وضرورة ملء الفراغ الناجم عن تآكل السلطة الفلسطينية وتراجع مكانة منظمة التحرير، وفق “عياد”.
الفصائل والدور المطلوب
الكاتب والمحلل السياسي ذو الفقار سويرجو، يشير إلى أنّ ثلاثة عوامل أساسية تتحكم في الوضع الفلسطيني الداخلي (الاحتلال- السلطة- مصر)، داعياً الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة “حماس” لحسم كثير من القضايا.
وبين أنّ على “حماس” أن تدرك أنّ الدور المصري، وإن كان إيجابياً لن يخرج عن اتفاق أوسلو، ولن يستطيع أن يتجاوز بأي حال من الأحوال دور السلطة أو الاحتلال، مؤكّداً أنّ “إسرائيل” لن تقبل بأي حلول إلا طبقاً لمصالحها والتخلص من كل المخاطر التي تحيط بها.
ويؤكّد سويرجو لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“، أنّ الحل الأمثل أمام الجميع هو العودة إلى م
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: اغتيال المقاومين في الضفة لن يزيد شبابها الثائر إلا مزيداً من الإصرار على المواجهة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حركة حماس أن سياسة الاحتلال الصهيوني باغتيال المقاومين وتصعيد استهدافه لأبناء شعبنا في الضفة الغربية؛...

الأمم المتحدة تحذّر من استخدام المساعدات في غزة كـ”طُعم” لتهجير السكان
المركز الفلسطيني للإعلام حذّرت هيئات الأمم المتحدة من مخاطر استخدام المساعدات الإنسانية في قطاع غزة كوسيلة للضغط على السكان ودفعهم قسرًا للنزوح، مع...

الإعلامي الحكومي: الاحتلال يُهندس مجاعة تفتك بالمدنيين
المركز الفلسطيني للإعلام قال المكتب الإعلامي الحكومي، إن سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" تواصل ارتكاب جريمة منظمة بحق أكثر من 2.4 مليون مدني في قطاع...

حماس تردّ على اتهامات السفير الأمريكي: أكاذيب مكررة لتبرير التجويع والتهجير
المركز الفلسطيني للإعلام رفضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تصريحات السفير الأمريكي لدى الاحتلال، مايك هاكابي، التي اتهم فيها الحركة بالتحكّم...

شهيدان باستهداف الاحتلال في نابلس
نابلس - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مقاومان بعد خوضه اشتباكاً مسلحاً - مساء الجمعة- مع قوات الاحتلال الصهيوني التي حاصرته في منزل بمنطقة عين...

حماس تثمّن قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال
المركز الفلسطيني للإعلام ثمنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) قرار اتحاد نقابات عمال النرويج بمقاطعة الاحتلال الصهيوني وحظر التجارة والاستثمار مع...

صاروخ من اليمن يعلق الطيران بمطار بن غوريون
المركز الفلسطيني للإعلام توقفت حركة الطيران بشكل مؤقت في مطار بن غوريون، بعد صاروخ يمني عصر اليوم الجمعة، تسبب بلجوء ملايين الإسرائيليين إلى...