السبت 10/مايو/2025

إن فاتك المارينز تمرَّغ بنعاله

أحمد الفلو

يبدو أن هناك إصراراً عجيباً لدى بعض الأنظمة العربية وكذلك لدى بعض المعارضين على تدمير ما تبقى من كيان الأمة العربية خاصة وأن العداوات البينية العربية تتنامى يوماً بعد يوم على حساب الصراع الحقيقي العربي الإسرائيلي ومن المؤكد أن هذه القيادات وتلك المعارضات قد سقطت منذ زمن في فخ الارتهان لرغبات الإدارة الصهيونية للبيت الأبيض .

وإذا كانت الولايات المتحدة دائما تجد ما يكفي من الذرائع لتبرر احتلالها لأي بلد في العالم وجعل أهله قطعاناً من اللاجئين تارة باسم الدفاع عن الديمقراطية كما حدث مع فيتنام ومرة تحت شعار مكافحة الإرهاب كما في أفغانستان وأخرى لكشف أسلحة الدمار الشامل كما في العراق وبعد كل الكوارث التي ألمَّت بالبلاد التي وطئتها أقدام الجنود الأمريكان نتيجة تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة لصاحبها “ناتان شارانسكي”بآرائه التي شرحها في كتابه((قضية الديمقراطية (( والذي اتخذه الرئيس بوش منهجاً لسياسته الخارجية وشارانسكي هذا كان وزيراً في حكومة أرييل شارون وأنسحب من تلك الحكومة احتجاجاً على الانسحاب من غزة وهو في كتابه هذا يعتبر العرب مجموعات عرقية ودينية ومذهبية متنافرة لا يمكنها العيش ضمن دول متحضرة بل إنهم إرهابيون يهددون أمن الولايات المتحدة الأمريكية وأن الإسلام حركة إرهابية تشكل تهديدا مستمرا لا يتوقف للعالم الغربي كله، وأن العمل الأمني البحت لا يكفي للقضاء على هذا التهديد بل يجب أن يُشفع باستراتيجيات أخرى تضمن انتزاعه والقضاء عليه تماما .

وعليه فإن إستراتيجية “الفوضى الخلاقة ” هي أهم الاستراتيجيات لأنها تلقى قبولاً وترحيباً عند بعض العرب ممن يعلقون آمالهم على أمريكا باعتبارها المخلص الوحيد لهم من الظلم و القهر والتي بواسطة جيوشها الجبارة القوية يمكن أن تجلب لهم الديمقراطية والعدالة طالما لم يتمكن هؤلاء البعض من تحقيق الإصلاح داخل بلدانهم بجهودهم الذاتية الخالصة ولتمكين أنفسهم من مناصب قيادية في بلدانهم يتاح لهم من خلاله نهب ما تبقى من ثروات بلدانهم .

وفيما يتعلق بكيفية التدخل الأمريكي فقد اتخذ هؤلاء المُرتهنون من “التدويل” غطاءً سياسياً بالتوافق مع أسيادهم في البنتاغون يعطي القوات الأمريكية شرعية تحت علم الأمم المتحدة تبرر لها انتهاك سيادة أي دولة في العالم تتوافر فيها أحد ثلاثة شروط :

الأول منها هو أن تكون تلك الدولة تناهض السياسات الأمريكية وضد النزعة الاحتكارية الاستغلالية لشركاتها

والشرط الثاني أن تكون تلك الدولة ضد الهيمنة والعنصرية الإسرائيلية

أما الشرط الثالث فهو أن تكون لهذه الجهة أو الدولة توجهات إسلامية. أو تنتهج سياسات عروبية

والتدويل بمعناه الحقيقي كما يُعرِّفه المفكر العربي الدكتور عبد الله النفيسي هو(( فقدان السيادة على الأرض والشعب وهو البوابة التي تنفذ منها إسرائيل إلى البلدان العربية)) وتجارب التاريخ تؤكد صحة هذا التعريف منذ تدويل القضية الفلسطينية بقرارات مجحفة أعطت الحق لمن لا يستحق ونزعت الحق من أصحابه وتلا ذلك احتلال العراق بموجب قرار دولي وكما تم استجلاب أمريكا من قبل المتعلقين بالحلم الأمريكي أمثال الجلبي والحكيم وعلاوي الذين ساهموا بدور مهم في تسهيل احتلال العراق وكذلك ما يقوم به المتاجرون بدماء أهالي دارفور في السودان من استجداء أمام عتبات البيت الأبيض فإن السنيورة وسعد الحريري وجعجع مرتكب المجازر ومعهم جنبلاط صاحب فكرة الدولة الدرزية الآن يحاولون القيام بالدور ذاته لاستجلاب القوات الأمريكية إلى المنطقة ولكن عبر الإلحاح على تشكيل المحكمة الدولية لقتلة رفيق الحريري وهم يعلمون تمام العلم أن مثل هذا التوجه يعني أولاً أن لبنان سيكون فاقدا للسيادة وهذا ما ظهر منذ الآن وحسب ما كشف تقرير «واينماديسون» الإستخباري الذي نُشر مؤخراً عن خطط أمريكية لإنشاء قاعدة عسكرية شمال لبنان تحت ذريعة تدريب الجيش اللبناني.

وكشف التقرير أن وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قد منحت شركتي جاكوبس و سفيردرب وعداً بمنحهما عقداً مربحاً لبناء قاعدة جوية كبرى للولايات المتحدة في شمال لبنان. وأشار التقرير أن إنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في لبنان أصبح أمراً مؤكداً، وذلك من أجل تسهيل الإمدادات اللوجستية، ومن أجل بقاء طويل الأجل في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك المحافظة على وجوده في العراق المحتل. وذكرت مصادر صحفية: إن مصادر في المخابرات اللبنانية أكدت أن عقد إقامة قاعدة جوية بشمال لبنان قد تم تخصيصه لمجموعة جاكوبس، بدون موافقة الحكومة اللبنانية.

إن المغامرة التي يخوضها الطرف الحاكم في لبنان ويمثل فيها سعد والسنيورة أدوات تنفيذ لا أكثر لتحقيق عدة أهداف خطيرة :

أولها إظهار المسلمين السنَّة على أنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل خاصة بعد انتصارات المقاومة في فلسطين والعراق.

و ثانيها توريط سورية بقضية مقتل الحريري لتستخدمها أمريكا أداة ضغط على سورية من أجل التنازل عن الجولان المحتل أو خلق فوضى هدفها تدمير سورية. 

 وثالثها تشكيل درع مضاد لأي تحرك شعبي إسلامي في البلاد العربية.ولكن يبقى الهدف الأساس هو جعل لبنان بلداً لا سيادة لشعبه على الأرض.

ومما يثير الشبهات حول نوايا الحكم اللبناني الحالي عدم مطالبته بفتح تحقيق دولي ولا محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي مجزرتي قانا الأولى والثانية وكأن دماء رفيق الحريري أغلى في نظر هؤلاء من دماء آلاف اللبنانيين الذين قتلتهم إسرائيل وفي الوقت الذي تصدر فيه الأوامر للجيش اللبناني لإقامة حفلة شاي لأكثر من مائة جندي صهيوني كانوا مُحاصرين في جنوب لبنان في حزيران الماضي يتم الآن قتل المدنيين الفلسطينيين بلا رحمة بحجة القضاء على تنظيم فتح الإسلام وذلك ليس مستغرباً على هذه الفئة الحاكمة في لبنان عندما اعتبر أحدهم قبل سنوات وبكل صراحة أن الفلسطينيين” نفايات بشرية ” لا ينبغي إلقاؤها في لبنان ومما يثير السخرية من هذا القول أن قائل هذه العبارة هو نقولا فتوش القادم من أرمينيا التي تبعد عن لبنان سبعة الآف كيلومتر فيما تبعد فلسطين العربية عن الناقورة العربية بضعة كيلومترات .

وإذا اعتقد سعد الحريري أن التمرغ بأحذية المارينز والاستقواء بهم على سورية وعلى الفلسطينيين سيشفي غليله من سورية فهو واهم لأن الولايات المتحدة لا يهمها مطلقاً كل آل الحريري ولا يهمها من يقتلهم أو من يحييهم وأن جلَّ ما تتطلع إليه هو مصالحها الاقتصادية وخدمة إسرائيل ولا شك أن ولوج التاريخ من أبواب الشرف والجهاد لن يكون مثل دخوله عبر بوابات قرضاي وأبو مازن وعلاوي .

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات