ما معنى حيادية الجزيرة؟

قبل أيام، قام الرجل الطيب أحمد الشيخ بالرد على الحكومة العميلة التي اتهمت “الجزيرة” بنشر الاقتتال في العراق، وقال الرجل فيما قاله إن الجزيرة ستبقى ملتزمة “بالموضوعية وميثاق الشرف المهني” كما ركز الصحفي العتيق على حياديتها وعدم انحيازها.
أريد أن أؤكد مرات ومرات أن الاحترام الذي نكنه للأستاذ أحمد الشيخ، لا تشوبه شائبة ونحن نقدر فيه مستواه الإعلامي المتألق وهدوءه وقدرته على المحاورة، وتفننه في صياغة الأخبار، وتاريخه يشهد له بذلك أكثر منّا. أضف إلى ذلك أنه فلسطيني، وقد امتاز الكتاب والصحفيون الفلسطينيون بمهارة خاصة في التحرير والإبداع الإعلامي، دون التقليل، بالطبع من مستوى غيرهم من الإعلاميين العرب. وليس هنا مقام التدليل على ذلك أو تفسيره.
لما سمعت ما ذكره ” الشيخ” تذكرت صورة له لا تفارق مخيلتي، وذلك عندما كان في الحج بلباس الإحرام والخشوع يملأ وجهه فقلت كيف يكون هذا الرجل حيادياً ونحن في قلب المعركة مع العدو. تكون حيادياً أي ساكتاً عن الحق، فهل تذكر أيها الشيخ أحمد الشيخ ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساكت عن الحق؟.
لا أزال مندهشاً لما قاله الرجل من أن الجزيرة ستبقى على الدوام حيادية وتنقل القصص الإخبارية كما هي. إذ أن هذا لا يمكن، فضلاً عن أنه لا يصح.
لا يمكن، لأن ميزانية الجزيرة البالغة 120 مليون دولار، لم توضع لتخدم القناة الإعلامية الخبرَ الصحفي كخبر مجرد، ولا تقل لي إن برامج فيصل القاسم، وسامي حداد، وجميل عازر، تعَد في سبيل الخبر وإرضاءً لعيون التحقيق وتقديراً لسيادة المقال!!. هذا لا يمكن، وإلا ستكون المحطة بلا هدف، ولا نتصور أن الحكومة القطرية اشترت الجزيرة، ودفعت لها الملايين، ونشرت لها المراسلين، فقط من أجل تقديم القصص الإخبارية دون انحياز.
الحيادية كمصلح إعلامي وهم، أو بالأصح هو كذب وتضليل، وتحاول مؤسسات إعلامية شتى، وجامعات مرموقة بالتدليل في كل مناسبة على استخفاف المصطلح بعقول الجماهير. بل اقترح أساتذة إعلاميون في بلدان عديدة (فرنسا على سبيل المثال)، وفي عدة مؤتمرات إزالة هذا المصلح من القاموس الإعلامي أو استبدال معناه.
بينما ذهب آخرون إلى محاولة إضفاء مفاهيم غريبة على المصلح من خلال اعتبار الحيادية (حيادية مع أو حيادية ضد). وذلك من خلال زيادة عدد الدرجات في سلم(مع أو ضد) كأن تكون الحيادية (مع باعتدال، أو مع دون إهمال الموضوعية..الخ). ولكن وفي الأحوال كلها يتفق المتخصصون على أن لفظة الحيادية هذه لا يمكن أن تكون صحيحة.
ولا يصح، لأنه لا يجوز لمحطة عربية أن تكون حيادية ونحن في ما نحن فيه من صراع وحروب مع العدو. ولا يجوز لها أن تكون حيادية وهي ترى ذل الأمة ومهانة الناس على حكامهم وعلى عدوهم. وكيف تكون حيادية وهي تعلم علم اليقين، أن شذاذ الأرض سلبوا فلسطين واغتصبوا أرضها؟. وأن أمريكا البربرية احتلت العراق وشردت أهله. فكيف يكون الأستاذ أحمد الشيخ حيادياً تجاه كل هذا. بالأحرى كيف يقبل أن يكون وتكون محطته حيادية.
ولأن أحمد الشيخ يقدم صورة الرجل المؤمن وهذا ما نظنه فيه، فنريد أن نذكره أيضاً، أن الجزيرة، والحالة هذه، لا تتألم لألم فلسطين ولا تغضب لغضبهم عندما يروا الجزيرة الحيادية وقد كتبت لفظة إسرائيل بدل فلسطين. فما بال الرجل إذاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: المؤمنون كالجسد الواحد…
مسألة لا بد من التركيز عليها في قضية كتابة لفظة إسرائيل مكان لفظة فلسطين، فالحيادية تقتضي أن تكتب فلسطين لأنها كذلك، ولم تكن يوماً إسرائيل، فأين الحيادية في اختيار كلمة إسرائيل. وإذا تطلّب الأمر تعصباً للحيادية كما تحاول الجزيرة إفهامنا وأن لا علاقة لها بالمسألة، أو أنها ربما لم تدرس التاريخ جيداً، فلتحذف كلمة إسرائيل وكلمة فلسطين ولتضع لفظة جديدة مثل(مناطق الصراع).
ولكل هذا، لا يمكن أن تكون المسألة حيادية لا من قريب ولا من بعيد. ولو لدى قناة الجزيرة قليل من الجرأة الإعلامية التي تتحدث عنها لقالت لنا مباشرة وبموضوعية لماذا قرر قادتها اختيار كلمة إسرائيل بدل فلسطين، أم إنها صدفة؟.أم هي كما يقول والدي: في سبيل الله!!!.
مسألة أخرى، هل اختيار خبر دون غيره لعرضه على القناة، يعكس حيادية في أهداف المحطة القطرية، أم أن الصدفة وحدها ورأي المحرر ومشاعره هي التي تقرر اختيار هذا الخبر دون ذلك؟. ولا يصح مرة أخرى للأستاذ المخضرم أحمد الشيخ، أن يقول إن حجم الخبر وأهميته هي التي تقرر الاهتمام به دون غيره. فكم من خبر، غاية في الأهمية تجاهلته” الحيادية” لأنه يسيء إلى “قطر”، وكم من خبر أظهرته الحيادية بل وزينته لأنه يسيء إلى ما تحب “قطر” الإساءة إليه؟. وكيف كان موقف الجزيرة، على سبيل المثال ، من سورية قبل عدة سنوات وكيف هو هذا الموقف اليوم؟.
فاختيار الخبر يا أستاذنا أحمد الشيخ، ونحن نتعلم منكم، هو بحد ذاته موقف إعلامي يعكس في الغالب موقفاً سياسياً. حكاه بيرنارد بيرلسون، وهارد لاسول، وشرحه هولستي وكريباندوروف، وأكده أديب خضور، وعَرَفَه، لا نشك في هذا، أحمد الشيخ، وأنكرته الجزيرة وطاقمها!! وفعلت ذلك باسم الحيادية وميثاق الشرف الصحفي..أفلا عجباً!!.
أرجو أن يرفض أحمد الشيخ، لفظة حيادية، فنحن في معركة ولا مكان للحياد، نحن نحتاج إلى صحف ومحطات تلفزيونية ومجلات وكتاب، وضعوا قضية فلسطين بين أعينهم، لا حياديين ولا يؤمنون بالحيادية ولا يعرفونها. هدفهم واحد وعدوهم واحد. ولعل الله يمن على هذه الأمة بخروج الحياد من أفهامها، ويضع بدلاً عنه الهدف المحدد الواضح الصريح. فنقاتل لأجله ونثبت دونه.
الحديث طويل وقد يستطيل، لكنه قد يتربع وقد يستدير، وليت أن طاقم الجزيرة يوضح لنا معنى الحيادية بدقة ، فيلجمنا عن التطاول على المحطة القطرية وعلى موضوعيتها وحياديتها. وللحديث بقية إن شاء الله.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

الأورومتوسطي: إسرائيل تمارس حرب تجويع شرسة في قطاع غزة
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الهجوم الإسرائيلي المتواصل والحصار الخانق والنقص الحاد في الإمدادات...

550 مسؤولا أمنيا إسرائيليا سابقا يطالبون ترامب بوقف الحرب بغزة
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب مئات المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين السابقين الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالعمل على وقف الحرب في...

حماس تدعو للنفير لحماية الأقصى بعد محاولة ذبح القرابين
القدس المحتلة – حركة حماس قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، إن محاولة المستوطنين ذبح قربان في المسجد الأقصى يعد تصعيداً خطيراً يستدعي النفير...

مؤسسات الأسرى: تصعيد ممنهج وجرائم مركّبة بحق الأسرى خلال نيسان الماضي
رام الله - المركز الفلسطيني للإعلام واصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال شهر نيسان/ إبريل 2025 تنفيذ حملات اعتقال ممنهجة في محافظات الضفة الغربية،...

إضراب جماعي عن الطعام في جامعة بيرزيت إسنادًا لغزة
رام الله- المركز الفلسطيني للإعلام أضرب طلاب ومحاضرون وموظفون في جامعة بيرزيت، اليوم الاثنين، عن الطعام ليومٍ واحد، في خطوة رمزية تضامنية مع سكان...

القسام تفرج عن الجندي مزدوج الجنسية عيدان ألكساندر
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أفرجت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عند الساعة 6:30 من مساء اليوم...

خطيب الأقصى: إدخال القرابين يجب التصدي له بكل قوة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام استنكر خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري، محاولة يهود متطرفين إدخال قرابين إلى ساحات المسجد الأقصى، معتبراً أنه...