السبت 10/مايو/2025

خرافة القرار الفلسطيني المستقل

د. محمد عطية عبد الرحيم

لطالما تشدق الزعماء الفلسطينيون الأقرب إلى أمريكا، وحلفاؤها بأنهم يدافعون عن القرار الفلسطيني المستقل ضد خصومهم المرتبطين بأجندة إقليمية ودولية وهم بذلك يوحون بأنهم رمز الاستقلال والكرامة الوطنية وغيرهم تابعون أذلاء لجهات أجنبية لا تريد الخير لهذا الوطن الحبيب لقد استخدم شعار الدفاع عن القرار الوطني المستقل لدغدغة عواطف الجماهير وتضليلها في آن واحد. فهؤلاء يريدون أن يظهروا ولوا كذبا وبهتانا بأنهم الشرعية وغيرهم لا شرعية له ولا تاريخ ولا انتماء لفلسطين.

اللافت للنظر أن هذه الخرافة لم تستخدم مطلقا في حرب الفلسطينيين جميعا مع نظام عربي أو جهة أجنبية تريد الهيمنة على القرار الوطني الفلسطيني بل استخدمت في المعارك السياسية بين الفلسطينيين أنفسهم وكأن الفلسطينيين جزءان: جزء يمثل القرار الوطني الفلسطيني المستقل والآخر عميل يتآمر على القضية الفلسطينية ويبيعها للآخرين بثمن بخس. ولكن الواقع غير ذلك. لقد استخدم هذا الشعار لنزع الشرعية عن المعارضين الذين يخالفون هؤلاء الرأي ولا يريدون ركوب القطار الأمريكي كما ركبوه وبنفس الشروط المذلة والتنازلات المجانية التي خفضت من سقف المطالب الفلسطينية الوطنية.

والآن وبعد مرور 20 عاما تقريبا من استخدام هذا الشعار ضد خصوم ياسر عرفات ؛رحمه الله؛ الذين انشقوا عليه لركوبه قطار اوسلو يستخدمها أنصار أمريكا مرة أخرى ضد خصومهم السياسيين من حماس. فهم يدافعون عن الشرعية وعن القرار الفلسطيني المستقل، وحماس وأنصارها هم قوى ترتهن القرار الفلسطيني بأيدي أنظمة إقليمية لا تريد الخير للشعب الفلسطيني وكأن لسان حالهم يقول بأن أمريكا وإسرائيل وحلفاءهما يريدون الخير العميم للفلسطينيين أما حماس وحلفاؤها فهم  لا يريدون للفلسطينيين إلا الشر  كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

لو عدنا للتمعن في مسألة القرار الفلسطيني المستقل ودرسناها من ناحية علمية وواقعية وسياسية وموضوعية لوجدنا أن فلسطين كجغرافيا منذ أمد التاريخ لم تقم فيها دولة قوية وذلك لصغر البقعة الجغرافية وقلة عدد السكان وندرة الموارد بل كانت تحكمها احد دولتين كبيرتين مجاورتين إما مصر أو سوريا وهي منطقة نفوذ لإحدى الدولتين ولم تكن يوما مستقلة في قرارها . هذه حقيقة جيوسياسية والشواهد التاريخية تؤكد على صدق ما أقول.

ثم كيف لشعب صغير محاصر لا يزرع القمح الذي يأكله وليس له موارد تقيه شر الضغوط الخارجية أن يكون له قرار مستقل؟. هل من يتلقى الدعم من أعدائه السياسيين والعقائديين ليدفع مرتبات وأجور موظفيه ويطعم شعبه يمكن أن يكون له قرار فلسطيني مستقل؟ أين كانت استقلاليتهم عندما تخلوا عن ميثاقهم أمام الرئيس الأمريكي كلينتون فجمعوا  له المجلس الوطني الفلسطيني لهذه الغاية ولم يجتمع بعدها أبدا رغم حدوث مآسٍ كثيرة . أتعجب جدا من هذا الكذب الصفيق لأنه استغلال واستحمار لعقول العامة وأفهامهم ومفاهيمهم. وإنني أتساءل هل تم التخلي عن فلسطين التاريخية كما يسمونها بقرار فلسطيني مستقل؟ إن كان الأمر كذلك فهي نكبة والله وهل تخلي عبد ربه وزمرته عن حق العودة في وثيقة جنيف مفرطين بقرار الجمعية العمومية الذي يقرر حق الفلسطينيين في العودة والتعويض كان قراراً فلسطينياً مستقلا؟

ما أريد أن أقوله بوضوح تام أن أصغر دولة في الدول العربية تستطيع الضغط علينا حتى الإمارات وقطر وهما دول صغيرة تستطيع التأثير على القرار الفلسطيني . والأردن الذي لا يملك قوت يومه هو كذلك يؤثر في القرار الوطني ولطالما تدخل في شئوننا الداخلية.

وإذا انتقلنا إلى العالم الخارجي نراه محكوما بسياسة القطب الواحد فأمريكا هي التي تقرر والآخرون لا يملكون إلا قليل في التأثير في قرارات واشنطن. حتى ما يسمى بالدول العظمى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن لا تستطيع مخالفة رغبات واشنطن وأورد مثالا صغيرا للتذكير بحجم تأثير أمريكا في قرارات جميع دول العالم وهي حادثة تعيين بلير مبعوثا للرباعية في الشرق الأوسط . لقد تم تعيينه في واشنطن واعترضت روسيا ودول أخرى ولكن سرعان ما تخلت عن هذا الاعتراض.

لماذا كتبت هذا المقال؟.

حقيقة لقد أغاظني الاستخدام السيئ والخبيث والمشبوه لشعار الدفاع عن القرار الفلسطيني المستقل الذي لم يكن مستقلا في يوم من الأيام عندما تحكم هؤلاء في القرار الفلسطيني لأنهم هم الذين ارتهنوه للآخرين وقايضوا عليه وعلى مصائر الأمة والوطن واستخدموا هذا الشعار لإيذاء الآخرين والتشكيك في وطنيتهم وولائهم لقضيتهم ومسحا لتاريخ خصمهم النضالي.

هل من دفع حياته ثمنا للدفاع عن فلسطين وتهشمت عظامه وتناثرت أشلاؤه يمكن أن يقال عنه هكذا كلام من أناس يحملون كارت VIP ويتنقلون بكل حرية بين الضفة وغزة؟

ألا ساء ما يقولون.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات