الخميس 07/نوفمبر/2024

الإعلام الفلسطيني المقاوم وتأثيره على الرأي العام الدولي

الصحفي ماهر حجازي

مما لا شك فيه أن الإعلام لا يقل أهمية عن السلاح في أية معركة، ولا نخطئ حينما نقول إن الإعلام أشد فتكا من الحسام المهند، فهو القادر على إحداث التغيرات وتحريك المياه الراكدة وصولا إلى الانتصار وتحقيق الرسالة التي تريد جهة ما سواء كانت فردا أو مجموعة إيصالها إلى المجتمع المحلي أو الدولي، للتأثير به وجذب هذا المجتمع إلى قضية هذا الفرد أو تلك المجموعة.

فمن خلال الإعلام نستطيع حشد الرأي العام وتوجيه بوصلته نحو قضية ما، بالتضامن معها ومناصرتها، أو بالعكس من خلال تحذير الرأي العام من هذه القضية وإثارة الشكوك حولها لنجعل الجميع يبتعد عنها أو يدينها.

وفي كلتا الحالتين لابد من خطاب إعلامي متوازن يمتلك الأدلة والحقائق المقنعة للرأي العام، وفي أغلب الأحيان تكون مواضيع تتعلق بالجانب الإنساني التي يمكن من خلالها إثارة المشاعر لدى الجمهور المتمثل هنا بالرأي العام، ودفعه باتجاه المربع الذي يراد له أن يكون فيه، المتضامن مع قضية الفرد أو المجموعة.

كذلك يحتاج الخطاب الإعلامي إلى قدرات فكرية وفنية لإيصال رسالته، تتنوع بحسب وسائل الإعلام (القنوات الفضائية – الإذاعات – الصحف – وسائل التواصل الاجتماعي)، حيث تلعب الصورة (الفيديو) التأثير الأكبر على الرأي العام مع مراعاة قوانين النشر الصحفي والتي في أيامنا هذه لا نجد التزاما فعليا بها من قبل وسائل الإعلام في ظل الأزمات في المنطقة، حيث نرى مثلا مشاهد مؤلمة لأجساد مقطعة تظهر على الفضائيات قد يكون لها أثر سلبي ومعاكس لرسالة نشرها لدى الرأي العام العالمي، فهي تظهر وحشية العرب أكثر من استعطاف الآخرين.

كذلك ما ينشره تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من مشاهد الإعدام وقطع الرؤوس، وتنخرط في ذلك فضائيات عربية، هي لا تستجدي تعاطف الرأي العام مع المسلمين الذي يرفضون تنظيم داعش، وإنما هذه المنهجية تستعدي الرأي العام ضد الإسلام بدلا من التعاطف مع الضحية المسلمة، والأمثلة كثيرة على ذلك.

إذا لابد من إدارة الإعلام بصورة جيدة وخطة محنكة لإيصال الرسالة والتأثير في الرأي العام، والتي نجح الإعلام الفلسطيني المقاوم فيها متخطيا العقبات التي واجهته ولا زالت، من منع بث قناة الأقصى وحجب المواقع الإلكترونية وإغلاق صفحات التواصل الاجتماعي، كل هذه العقبات المسيسة لصالح الاحتلال الصهيوني، وكذلك تعرض الإعلاميين والصحفيين الفلسطينيين المحسوبين على تيار المقاومة، تعرضهم للاعتقال في سجون الاحتلال الصهيوني، وأيضا استهداف العدو الصهيوني لمقرات العديد من وسائل الإعلام الفلسطينية التي فضحت انتهاكاته بحق الشعب الفلسطيني والتي خلقت حالة من التأييد العالمي تجاه قضية فلسطين العادلة بكافة ملفاتها (حصار غزة – المقاومة – الأسرى – القدس والأقصى – انتفاضة القدس).

بالإضافة إلى أن وسائل الإعلام الفلسطينية المقاومة سجلت حضورها على قوائم الشهداء، مقدمة بذلك ثلة من شهداء العمل الإعلامي الذين استشهدوا أثناء نقلهم للأحداث وجرائم الاحتلال وعدوانه على الشعب الفلسطيني.
الإعلام الفلسطيني المقاوم وتأثيره في الرأي العام

في حديثنا عن الإعلام الفلسطيني وتأثيره في الرأي العام، لا بد أن نعرف أنه من الطبيعي أن تكون هناك حملة مضادة لعمل الإعلام المقاوم، ومن المؤكد وجود فاتورة وضريبة للإعلام المقاوم في سبيل إيصال رسالته إلى الرأي العام، في ظل معركة شرسة يخوضها الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 مع عدو يمتلك القدرات المادية والفنية والسياسية، وتربطه علاقات مع القوى العظمى في العالم، ويسعى دائما إلى مواجهة الإعلام الفلسطيني بالدعاية الصهيونية والبدعة المسماة (معاداة السامية)، من هذا المنطلق تكون المهمة صعبة والمعركة محتدمة أمام الإعلام الفلسطيني المقاوم الذي استطاع حشد الرأي العام العالمي لبعض القضايا الفلسطينية الإنسانية خاصة كالعدوان الصهيوني على قطاع غزة، وملف الحصار وقضية القدس والأسرى، وصولا إلى المقاومة الفلسطينية وإيصالها إلى العالم على أنها مقاومة محقة ودفاع عن النفس وليست عملا إرهابيا، وأثبتت للعالم إنسانية هذه المقاومة، وأنها تقاتل دفاعا عن النفس وليس تعطشا وحبا للدماء.

سنتطرق في الحديث عن دور الإعلام الفلسطيني المقاوم وتأثيره في الرأي العام، من خلال ثلاث عينات، ولا يختزل الإعلام المقاوم بها، وإنما يذخر الإعلام الفلسطيني المقاوم بالعديد من وسائل الإعلام التي نجحت في التأثير بالرأي العام وجذبه إلى مربع الشعب الفلسطيني.

أولا: قناة الأقصى الفضائية: –
منذ تأسيس قناة الأقصى الفضائية وحتى اليوم، لا زال القناة تؤدي رسالتها في ما يخدم الحقوق الفلسطينية ويوصل رسالة الشعب المقهور إلى العالم لحشد الرأي العام تجاه القضية الفلسطينية، واتبعت القناة سياسة تعرية الاحتلال الصهيوني وممارساته بحق الشعب الفلسطيني، وأوصلت قضية حصار غزة وكذلك دورها البارز في تغطية ثلاثة حروب عدوانية ضد القطاع المحاصر، وعملت في ظروف صعبة خلال فترة الحرب؛ حيث تعرضت للقصف واستشهد العديد من إعلاميي القناة خلال تغطيتهم للعدوان، بالإضافة إلى محاربتها بوقف بثها الفضائي أكثر من مرة، ولتعود مرة أخرى إلى أداء رسالتها الإعلامية في تحد واضح للممارسات الصهيونية التي ترى في قناة الأقصى مرآة فاضحة للاحتلال ولابد من إسكات هذا الصوت، الذي أثر بشكل فعلي في الرأي العام وجعله يخرج متضامنا مع قطاع غزة خلال العدوان، وكذلك كان سببا في انطلاق حملات وسفن كسر الحصار عن غزة.

مشاهد الحرب والضحايا والدمار التي عملت الأقصى على متابعة بثها للعالم، حشدت مساحات واسعة من الرأي العام للتضامن مع الشعب الفلسطيني، حيث عمت المظاهرات المنددة بالعدوان الصهيوني على القطاع دول العالم، وأيضا دفعت مؤسسات دولية كالأمم المتحدة إلى إدانة قصف الاحتلال لقطاع غزة وتحديدا مدارس وكالة الأونروا.

نجحت فضائية الأقصى في إظهار جذوة انتفاضة القدس المباركة، ونقلت الانتفاضة إلى الرأي العام، على أنها خيار الشعب الفلسطيني والرد المناسب على انتهاكات الاحتلال الصهيوني بحق القدس والمسجد الأقصى، وما رافق ذلك من اعتصامات ومظاهرات تضامنية مع انتفاضة القدس عمت المدن حول العالم، وعلى الرغم من محاولات سلطة أوسلو شريكة الاحتلال في اسكات صوت القناة في الضفة المحتلة، وإغلاق مكاتبها واعتقال مراسليها.

كذلك التوجه الجديد لدى القناة بإخراج المسلسلات والأفلام مثل: (الروح ، الفدائي بجزئيه الأول والثاني) وغيرها، التي تنقل التجارب الفلسطينية فيما يتعلق بالمقاومة والأسرى خاصة، في دلالة واضحة على إنسانية المقاومة وعدالة القضية وتجريم الاحتلال الصهيوني في مشاهد تمثيلية بتقنيات بسيطة ذات محتوى هام تسهم في حشد الرأي العام تجاه فلسطين، وتزيد من المعرفة بحيثيات المقاومة وقضية الأسرى الإنسانية وما يتعرضون له من انتهاكات جسيمة على أيدي السجان الصهيوني.

بالتالي يمكننا القول بأن قناة الأقصى الفضائية تخوض حربا ضروسا في مواجهة الدعاية الصهيونية مع الفارق الكبير في الإمكانيات المادية والفنية بين الطرفين، إلا أن القناة نجحت في خرق الجدار تجاه الرأي العام العالمي، وحشده تجاه القضايا التي ذكرت أنفا.

ثانيا: المكتب الإعلامي لكتائب القسام: –
يخوض المكتب الإعلامي لكتائب القسام حرب أدمغة مع إعلام العدو الصهيوني، نجح أيضا إعلام القسام في تحقيق انتصارات عدة أقرت بها حكومات الاحتلال وكذلك المجتمع الصهيوني، الذي أدرك في أكثر من مناسبة أكاذيب حكومته والتي عرتها حقائق المكتب الإعلامي للقسام.

عاما بعد أخر يثبت إعلام القسام قدرته على المناورة والمبادرة في وجه وسائل الإعلام الصهيونية فيما يتعلق بالشأن الداخلي الصهيوني، إلا أن ابداعات القسام لم تتوقف عند رسائله إلى الجمهور الصهيوني، بلا تعدتها إلى الرأي العام العالمي.

لذا نجحت كتائب القسام في بلورة صيغة لدى الرأي العام بأنها مقاومة فلسطينية تدافع عن الشعب والأرض وليست هاوية سفك الدماء كما يحدث مع تنظيم داعش.

في ملف اعتقال الجندي الصهيوني جلعاد شاليط، أثبتت المشاهد التي أفرجت عنها القسام مؤخرا لشاليط وهو يشوي اللحم على شاطئ غزة ويبتسم، ويعيش حياة طبيعية بخلاف ما تحدثت عن وسائل الاعلام الصهيونية بأن شاليط يعيش في الأنفاق، وفي صورة معاكسة تماما لما يعيشه الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال الصهيوني وما يمارس ضدهم.

هذه المشاهد أكدت مصداقية كتائب القسام ودليلا على إنسانيتها، بخلاف الصورة الحقيقية للاحتلال الصهيوني ومعاملته للأسرى، فهذه الخطوة تضاف إلى رصيد كتائب القسام في مخاطبة الرأي العام، بأنهم ليسوا هواة دماء وقتل.

ثالثا: صفحات التواصل الإجتماعي: –
ساهمت صفحات التواصل الاجتماعي في نقل القضية الفلسطينية إلى فضاءات جديدة، تتميز بسرعة الانتشار والوصول إلى مساحات جغرافية واسعة وشرائح مجتمعية كبيرة ومتنوعة وذات لغات مختلفة.

ونتحدث هنا عن حملات التضامن عبر الفيس بوك والتويتر وغيرها، والتي تتبنى قضية ما ثم تروج لها عبر التواصل الاجتماعي بهدف حشد الرأي العام تجاهها، وتحقيق خرق في هذه القضية.

من هذه الحملات مؤخرا تلك التي أطلقت للتضامن مع الزميل الصحفي الأسير المحرر محمد القيق الذي خاض إضرابا مفتوحا عن الطعام في سجون الاحتلال لأكثر من ثلاثة أشهر متواصلة بهدف وقف اعتقاله الإداري، وانتهى الإضراب بانتصار القيق على السجان والإفراج عنه في شهر أيار.

هذا الانتصار جاء نتيجة ثبات وصمود القيق مدعوما بالحملة الإعلامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حيث وصلت قضية إضرابه إلى مساحات جغرافية كبيرة، تضامن معه الآلاف من الناس الذين ينتمون إلى بلدان ولغات مختلفة حول العالم، والذين أحسوا بعدالة قضية القيق، مدركين أنه لابد من دعم إضرابه حتى يتحرر من قيد السجان.

كذلك كان لزوجته الإعلامية فيحاء شلش دور كبير في إذكاء هذه الحملات من خلال المثابرة في تنظيم الاعتصامات، وإدارة صفحة الفيس الخاصة بالقيق، والتواصل المستمر مع وسائل الإعلام العالمية للحديث عن إضراب زوجها ومطالبه، حيث وصلت قضيته إلى قادة وحكومات العديد من الدول.

وأيضا ساهمت المشاهد المسربة للقيق والتي تظهر تدهور وضعه الصحي في تطور الحملات التضامنية لتأخذ بعدا آخر، وتزيد من جذوة التضامن مع محمد القيق.

لذلك فإن صفحات التواصل الاجتماعي للإعلام الفلسطيني المقاوم نجدها من أكثر الصفحات تعرضا للتبليغات من قبل الصهاينة لما لها من دور مؤثر في الرأي العام العالمي؛ حيث تنقل وحشية هذه الاحتلال إلى العالم بضغطة زر، لتحشد الرأي العام والأمثلة كثيرة هنا في هذا الباب.

توصيات:
إن أردنا الحديث عن سياسة إعلامية فلسطينية مقاومة ناجحة في زيادة التأثير في الرأي العام الدولي وجذبه إلى المربع الفلسطيني، وإبعاده عن المربع الصهيوني، لابد من أخذ النقاط التالية بعين الاعتبار:

أولا: التركيز والاهتمام بالجانب الإنساني في القضية الفلسطينية، والتي تجرم الاحتلال الصهيوني وتفضحه أمام الرأي العام، وتجعل الرأي العام ينحاز إلى الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة.

ثانيا: توسيع العلاقات الإعلامية حول العالم بغرض الوصول إلى أوسع مساحة جغرافية، وتوطيد العلاقات مع وسائل الإعلام العالمية، لتكون بوابة للتواصل مع الرأي العام في تلك البلدان، وتشكيل لوبي إعلامي يخدم القضية الفلسطينية.

ثالثا: الاهتمام في نوعية وجودة المادة الإعلامية المقدمة إلى الرأي العام، بحيث تنجح في إيصال رسالة الشعب الفلسطيني وعنوانها عدالة القضية الفلسطينية، والاعتماد على الصوت والصورة لما لها من تأثير على الآخرين.

رابعا: ترجمة المواد الإعلامية الفلسطينية إلى اللغات الأخرى لسهولة إيصالها إلى الرأي العام العالمي، وبناء ال

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات