الجمعة 24/مايو/2024

القدس الكبرى في 2021.. واقع يتمدد

القدس الكبرى في 2021.. واقع يتمدد

لا يمكن الحديث عن القدس في 2021، دون أن يكون حي الشيخ جراح في الصدارة حيث تصدر الواجهات الإعلامية ورسَّخ نمطا جديدا من الصمود في الوقت الذي يخوض فيه المقدسيون صراع وجود حقيقي على كل شبر في القدس.

وتعدُّ السيطرة على حي الشيخ جراح بوابة السيطرة الكاملة لتحقيق التواصل الاستيطاني المحيط بالبلدة القديمة في القدس، والاستفراد بالمسجد الأقصى بعد ذلك ضمن مخططات جماعات الهيكل، حيث قدم الثنائي منى ومحمد الكرد، خلال العام الجاري باسم أهالي الشيخ الجراح، نموذجا فريدا لدور الشباب في تقديم منظور مختلف للتعامل مع القضية على المستوى الدولي.

وجسد المقدسيون أمثلة رائعة في رفض عروض بملايين الدولارات لبيع منازلهم للجمعيات الاستيطانية، ومنها ما تم الشهر الماضي مع المواطن عبد الفتاح سكافي من حي الشيخ جراح، والذي رفض مبلغ خمسة ملايين دولار لبيع منزله.

يقول حول ذلك المحامي دانيال سيدمان، والذي يتابع قضايا وملفات للمقدسيين في محاكم الاحتلال: “يحاول المستوطنون التوغل في البلدة القديمة منذ سنوات، لكنهم لم يحققوا نجاحات في السنوات الأخيرة داخل البلدة القديمة، وإنما في المناطق المحيطة بها…هم يذهبون إلى صاحب العقار الفلسطيني، ويقولون سندفع لك 5 أو 6 أضعاف ثمن عقارك، وقد نجح ذلك أحيانا قليلة….يمكنني القول إن أغلبية ساحقة من الفلسطينيين في الحيَّين الإسلامي والمسيحي رفضوا هذه العروض، ولكنها متواصلة”.

ولا تُخفي الجماعات اليمينية الصهيونية، رغبتها العلنية بالسيطرة على كامل البلدة القديمة بالقدس، وخاصة الأحياء القريبة من المسجد الأقصى، وهي الإسلامي والمسيحي والأرمني، إضافة إلى ما يطلق عليه “الحي اليهودي” وهو مقام على أراضي الحي الإسلامي، حيث تنشط جمعية “عطيرات كوهانيم” الاستيطانية من أجل “وضع اليد” على أكبر عدد ممكن من عقارات البلدة القديمة.

ووفق تقرير لمنظمة “هيومان رايتس ووتش”  في أيار 2021 تعقيبا على أحداث الشيخ جراح فإن “ما يدور في القدس، وبشأنها، ليس سوى صراع وجود بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين، تغذيه أطماع اليمين الإسرائيلي بحسم المعركة الديموغرافية والجغرافية لصالح الإسرائيليين”، لكن المعركة، في كل زاوية وحي وساحة في شرقي القدس لم تحسم بعد، على الرغم من وضع “تل أبيب” قانونين في المدينة، الأول للإسرائيليين يشجعهم على الإقامة والبناء فيها، والثاني للفلسطينيين يجبرهم على الرحيل عنها في شكل هجرة طوعية ناعمة”.

وقال رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل تفكجي لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام“: إن هدف المشروع الصهيوني في القدس هو تهويدها ولا شيء آخر، وهو هدف علني محدد بوضوح من طرفهم، يسنون له القوانين تباعا، والتي تعمل باستمرار لقضم الأراضي والمنازل.

وأضاف أن قانوني سلب الأراضي للمصلحة العامة، وقانون تنظيم البناء، ساهما في سلب نحو 87% من مساحة القدس الكاملة.

وأردف أن مخططات السيطرة على حي الشيخ جراح وبطن الهوى جزء من هذا المخطط الواسع الذي له غاية محددة، وهي جعل اليهود يشكلون 88% من سكان القدس مقابل 12% للعرب.

أحداث باب العامود

شكلت أحداث باب العامود في القدس في إبريل 2021 أحد حلقات الصراع الهامة في مواجهة مخططات تهويد البلدة القديمة في القدس والتي بدأت بمنع الفلسطينيين من استخدام الحيز العام لباب العامود، في الوقت الذي شكلت وقفة الشباب المقدسي حالة من المقاومة التي أجبرت الاحتلال على التراجع عن مخططاته وإزالة الحواجز الحديدية التي وضعها.

وطيلة شهر رمضان كان باب العامود مركز حشد ومواجهات مقدسية في مقابل محاولات المستوطنين فرض سيطرة على المكان من خلال جمعية لاهافا الاستيطانية، وهي إحدى جماعات الهيكل، انتهت بانتصار إرادة المقدسيين، سيما بعد تهديدات المقاومة وما تلا ذلك من تسلسل أحداث في المسجد الأقصى انتهاءً بمعركة سيف القدس.  

القدس الكبرى… واقع يتمدد

وبعد أن كان المقدسيون يملكون غالبية الأراضي عام 1967، أصبحوا حتى العام الجاري لا يملكون إلا 14% من الأراضي في شرقي القدس، وسط تغلغل في البلدة القديمة على الرغم من أن مخططاتهم فيها لا تسير كما يخططون بسبب رفض الأهالي بيع منازلهم.

ووفقا لمعطيات مركز القدس الإسرائيلي لبحث السياسات، يقيم في القدس الآن  نحو 345 ألف فلسطيني، و227 ألف مستوطن.

وقد أجرت “إسرائيل” منذ احتلالها لشرقي القدس تغييرات كثيرة في طبيعة المدينة وتركيبتها السكانية، فسلبت أكثر من 18 ألف دونم، وأقامت تسع عشرة مستوطنة تزيد مساحاتها على 13 ألف دونم، تضم حوالي 57 ألف وحدة سكنية، ويقيم فيها أكثر من 152 ألف مستوطن.

يعدًّ الباحث فراس علي القواسمي في دراسة له أن أخطر مشاريع التهويد في القدس هو مشروع القدس الكبرى الذي يسيطر على 10% من أراضي الضفة الغربية، ويفصل بين شقيها الشمالي والجنوبي، وكذلك مشروع جدار الفصل العنصري الذي عزل حوالي 150 ألف فلسطيني خارج حدود بلدية القدس، وضم ثلاث  كتل استيطانية إلى حدود القدس، وهي: معاليه أدوميم، وجفعات زئيف، وغوش عتصيون.

وقد وصل عدد المستوطنات في شرقي القدس 23 مستوطنة، يعيش فيها 313 ألف مستوطن، وبإضافة كتلة عتصيون الواقعة ضمن حدود محافظة بيت لحم، ولكن ضمن حدود مشروع القدس الكبرى، يصبح  عدد المستوطنين 397 ألف مستوطن.

ومن أخطر المشاريع الاستيطانية مشروع E1، الذي يمنع أي تواصل جغرافي بين التجمعات الفلسطينية في شرق القدس.

المسجد الأقصى وجماعات الهيكل

برز خلال عام 2021 دور أكبر لجماعات الهيكل التي تدعو لإزالة المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم، حيث تزخر مواقعهم الإلكترونية بمخططات الهدم وصور الهيكل مكان الأقصى، وتعد جمعية “عطيراتكوهانيم” أحد تلك الجمعيات البارزة التي كتبت على موقعها الإلكتروني إن انتصار “إسرائيل” على العرب عام 1967 واحتلالها الضفة الغربية بما فيها القدس، “سهّل بناء حي يهودي جميل (في البلدة القديمة) على 13 بالمائة من مساحتها”.

وتستدرك: “لكننا ما زلنا أقلية في قدسنا”، “لقد عدنا إلى الوطن، ولكن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به، نعود ببطء ولكن بثبات إلى جميع أجزاء قدسنا”.

يؤكد الباحث في شؤون الاستيطان والقدس أحمد صب لبن لمراسلنا أن العام الجاري شهد استمرارا لعديد مشاريع تهويدية ومنها مشروع “مدينة داود” الاستيطاني السياحي في حي وادي حلوة جنوبي الأقصى لجذب نحو مليون سائح أجنبي وإسرائيلي سنويا.

وكذلك مشروع “الجسر الهوائي” الاستيطاني بطول 240 مترا بارتفاع 30 مترا، وسيبدأ من حي الثوري مرورا بأراضي وادي الربابة وصولا لمنطقة وقف آل الدجاني جنوب غرب المسجد الأقصى، ومشروع “نفق مسيرة الحجاج” لربط عين الماء في بلدة سلوان بمنطقة حائط البراق عبر نفق يُشيّد حاليا أسفل منازل المقدسيين في حي وادي حلوة بالبلدة.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات