عاجل

الإثنين 12/مايو/2025

تركيا تعيش آلام فلسطين

تركيا تعيش آلام فلسطين

صحيفة الخليج الإماراتية

قلة من الرجال فقط ظهروا على الصعيد الدبلوماسي خلال الحرب على غزة، وللأسف لم يكن بينهم عربي واحد. فالاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لم يخرج بشيء كما كان متوقعاً له. ولم نشهد إبداء التضامن الحقيقي من جانب ممثلي الحكومات العربية إلا في حالات نادرة.

وفي تناقض صارخ مع حالة الشلل الدبلوماسي المؤسف على الجانب العربي، برز الموقف التركي إزاء ما يجري في غزة واضحاً ومباشراً لا لبس فيه. فمنذ بداية الهجمة “الإسرائيلية” على غزة انطلق رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في جولة أخذته إلى السعودية ومصر والأردن وسوريا في محاولة نشطة منه للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. بل إنه أنهى دور الوساطة الذي كانت تقوم به تركيا بين سوريا و”إسرائيل”.

ويستحق منا أردوغان تحية إكبار على موقفه الواضح الذي عبر عنه تجاه “إسرائيل”، وهي حليف قديم لبلاده، وهو الذي قال في 4 يناير/كانون الثاني: “إن الله سيعاقب عاجلاً أو آجلاً أولئك الذين اعتدوا على حقوق الأبرياء”.

وأضاف متهماً “إسرائيل” بالتسبب في مأساة إنسانية باستخدامها المفرط للقوة: “اللعنة ستلاحق “إسرائيل” على الأطفال والنسوة البائسات الذين ماتوا تحت القصف. اللعنة ستلاحق “إسرائيل” على دموع الأمهات”.

وحين اتهمت “إسرائيل” أردوغان بأنه كان مفرطاً في العاطفية، رد أردوغان قائلاً: “لا، أنا لست عاطفياً. أنا أتحدث بناء على ما أعرفه وما جربته. أطلب من وزير الدفاع إيهود باراك ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني أن يتركا جانباً الانتخابات المقبلة في فبراير/شباط. التاريخ سيلطخهم بالإساءة للإنسانية. أي سبب يمكن له أن يبرر هذه الوحشية؟”.

وأضاف: “لا يمكن أن نقبل من شعب تعرض لآلام كبيرة خلال تاريخه فعل مثل هذا الشيء. كان يجب عليهم إظهار احترام أكبر لحياة البشر من أي شعب آخر في العالم”.

أعتقد أن هذه الكلمات الشجاعة قد ترددت في ذهن وقلب كل عربي مثلما فعلت في ذهني وقلبي. وإني لأقف له تحية على إشاراته إلى ماضي تركيا العثماني حينما قال: “إننا أحفاد الإمبراطورية العثمانية التي آوت واستقبلت اليهود الهاربين من فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والمجر الذين قدموا إلينا باحثين عن ملاذ آمن ووجدوا لدينا ما أرادوه. أما ما يحدث الآن فهو أن أهالي غزة لا يجدون مكاناً يهربون إليه حيث لا توجد دولة مستعدة لأن توفر لهم ملاذاً آمناً مؤقتاً”.

وعلى عكس هذا الموقف التركي، لم تفعل بعض الحكومات العربية لدى بدء تنفيذ “إسرائيل” لعدوانها سوى توجيه اللوم إلى حماس على القصف “الإسرائيلي”. وبدلاً من أن يقف قادتنا موحدين ضد دولة تقتل وتضطهد إخوة عرباً لنا وتحتل أرضهم، وجدناهم يجلدون الضحايا أو يتجاهلونهم.

وكأن قادتنا العرب لم يسمعوا نحيب ذلك الرجل الذي يقطع نياط القلوب بعد أن فقد أمه وأباه وزوجته وكل أبنائه في هجمة واحدة، أو كأنهم لم يشاهدوا صورة آخر محاطاً بأشلاء أبنائه الأربعة الصغار.

وكأن قادتنا لم يعرفوا بأمر استهداف “إسرائيل” لسيارات الإسعاف وقصفها لمدرسة تابعة للأمم المتحدة بعد أن لجأت إليها العائلات الهاربة من القصف على بيوتها. إن استهداف سيارات الإسعاف وهي تحمل إشارات واضحة تميزها وقصف المدرسة بعد أن تم إعلام “إسرائيل” بإحداثياتها، كما أكدت الأمم المتحدة فإن هذه الهجمات تشكل جرائم حرب.

مادس جيلبرت، أحد الطبيبين النرويجيين اللذين تطوعا لمساعدة أهل غزة ويعمل حالياً مع مجموعة من زملائه الفلسطينيين كتب هذه الرسالة النصية القصيرة: “إننا نخوض بأقدامنا بين الموت والدم والأشلاء المقطعة، الكثير من الأطفال وامرأة حامل. لم يسبق أن رأيت شيئاً مثل هذا أبداً… افعلوا شيئاً! افعلوا المزيد!”

يجب ألا ندخر جهداً الآن لتوفير المساعدات الإنسانية للقطاع ونحن نرى الدليل بالصوت والصورة على ما تعانيه المستشفيات هناك من نقص في المعدات والكوادر في مواجهة هذا الدفق الهائل من الجرحى والشهداء والمحتضرين.

الآن وبعد أن بلغت المجزرة حداً ما عادت آلة الدعاية العدوانية “الإسرائيلية” قادرة على التعمية عليه، بدأت العملية الدبلوماسية بالتقدم. وشعرت “إسرائيل” بالإحراج ما دفعها لتوفير ممر آمن للإغاثة لمدة ثلاث ساعات يومياً فقط.

الأمم المتحدة في الحقيقة نادراً ما اتخذت قراراً يحمي الفلسطينيين بموجب الفصل السابع وعليه فإن ما أتوقعه هو أن تتم صياغة أي قرار دولي بحيث يكون شديد الانحياز لمصلحة “إسرائيل”. والقرار المأمول يجب ألا يمنح “إسرائيل” أي نصر لا تستحقه لتعوض عن فشلها العسكري خلال هجومها على لبنان في 2006 أو لتعزيز موقع حزب كاديما “الإسرائيلي” الحاكم في الانتخابات المقبلة.

وأعبر هنا عن موافقتي التامة على ما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل من أن الصمت القاتل من جانب مجلس الأمن يضع علامة استفهام كبيرة على مصداقيته ومصداقية “مجمل نظام الأمن العالمي”.

وإذا ما واصلت الأمم المتحدة سجل إخفاقاتها في فرض مبادئها المنصوص عليها في ميثاقها يتعين حينها منح استقلالية تامة للجامعة العربية ودعمها للدفاع عن مصالح أعضائها بالحوار والمفاوضات. كما يتعين تمكينها من اللجوء إلى الخيار الأخير وهو استخدام القوة العسكرية. إن لم نعد قادرين على الاعتماد على حياد الأمم المتحدة، يجب عندها إذاً أن نسعى لتعزيز الجامعة العربية باعتبارها المظلة الإقليمية لنا جميعاً.

لن يخرج أحد منا منتصراً جراء ما يحدث. لقد مزقت “إسرائيل” القناع عن وجهها القبيح ولن يستفيد من ذلك سوى أعداء السامية في كل أرجاء العالم. كما أن العنف ليس الوسيلة لتسوية النزاعات ولن يفلح سوى في إفراز المزيد من الأحقاد. لقد علمنا التاريخ مراراً وتكراراً أن الحوار هو السبيل الوحيد إذا ما أريد إحلال سلام عادل ودائم في منطقتنا. فمتى سنتعلم هذا الدرس؟

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات