الثلاثاء 18/فبراير/2025

استقالات قيادة جيش الاحتلال .. زلزال يفضح إخفاقات عميقة في مواجهة طوفان الأقصى

استقالات قيادة جيش الاحتلال .. زلزال يفضح إخفاقات عميقة في مواجهة طوفان الأقصى

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام

تتوالى العواصف السياسية والعسكرية داخل كيان الاحتلال الإسرائيلي منذ عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها كتائب القسام في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. هزة عنيفة أحدثتها هذه التطورات في هيكل القيادة العسكرية لإسرائيلية، تمثلت في استقالات متلاحقة لقادة عسكريين بارزين، على رأسهم رئيس هيئة الأركان، هرتسي هاليفي.

يتفق الخبراء أن هذا الحدث ليس مجرد تغيير إداري، بل يعكس أزمة هيكلية عميقة ضربت جذور المؤسسة العسكرية الإسرائيلية وعلاقتها المتوترة مع حكومة بنيامين نتنياهو.

أعلن رئيس الأركان هرتسي هاليفي استقالته رسميًا، على أن تدخل حيز التنفيذ في 6 مارس/آذار المقبل. جاءت هذه الاستقالة عقب فشل جيش الاحتلال الإسرائيلي في منع العبور الكبير الذي استهدف مستوطنات “غلاف غزة”، وترك بصماته المريرة على المشهد الأمني والسياسي داخل كيان الاحتلال.

وتزامنت الاستقالة مع توقف إطلاق النار في غزة، بعد أكثر من 15 عامًا من الإبادة الجماعية التي جوبهت بصمود واستبسال فريد؛ ما كشف الستار عن صراعات داخلية حادة بين القيادة العسكرية والسياسية في إسرائيل.

استقالة هاليفي حفزت موجة جديدة من الاستقالات في المؤسسة العسكرية، أبرزها قائد القيادة الجنوبية يارون فينكلمان، والمسؤولة عن النيابة العسكرية اللواء يفعات يروشلمي. كما سبق ذلك استقالة رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، الذي تحمل مسؤولية الإخفاق الأمني في أحداث 7 أكتوبر.

أظهرت هذه الاستقالات توترًا متصاعدًا بين المؤسسة العسكرية وحكومة بنيامين نتنياهو، خاصة مع التدخل السياسي الواضح في شؤون الجيش.

وخلال الحرب، تكررت الانتقادات الموجهة إلى رئيس الوزراء ووزير الجيش يسرائيل كاتس، بسبب تدخلاتهما في القرارات العسكرية، وتعمدهما تأخير التحقيقات في إخفاقات الجيش، فضلًا عن فرضهما تعيينات مثيرة للجدل في المناصب العليا.

المحللون العسكريون الإسرائيليون يرون أن استقالة هاليفي لم تكن بسبب الإخفاق الأمني فقط، بل جاءت أيضًا نتيجة ضغوط سياسية، ما يعكس عمق الأزمة داخل الجيش. يشير عاموس هرئيل، المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس”، إلى أن هذه الاستقالات ستترك الجيش غارقًا في أزمة قيادة، وسط استنزاف للموارد البشرية وصراعات سياسية متفاقمة.

منذ اللحظات الأولى لهجوم طوفان الأقصى، واجه جيش الاحتلال الإسرائيلي اتهامات بالجهوزية المتدنية والارتباك في اتخاذ القرارات. يقول عميحاي أتالي، مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت”، إن الجيش كان “فوضويًا”، منغمسًا في عقيدة عسكرية منفصلة عن الواقع. فبعد 15 شهرًا من الحرب، لم تحقق إسرائيل أهدافها العسكرية، ولم تتمكن من تحرير رهائنها إلا ضمن صفقات تبادل.

تتفق التحليلات على أن استقالة هاليفي ستفتح الباب أمام تداعيات خطيرة، أبرزها رحيل مزيد من القادة العسكريين واهتزاز الثقة بين القيادة السياسية والعسكرية. يصف الباحث عوفر شيلح هذا التطور بأنه “أزمة ثقة” تهدد بتقويض الروح المعنوية داخل الجيش الإسرائيلي. كما يحذر من أن التدخل السياسي المتزايد قد يؤدي إلى ما يشبه “ثورة الجنرالات”، التي سبق أن شهدها الجيش الإسرائيلي في لحظات تاريخية فارقة.

ويرى المحلل السياسي والخبير في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن توقيت الاستقالة يأتي لإحراج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته، مشيرًا إلى أن هاليفي باستقالته يعترف بفشل الجيش في أداء مهامه، محملا نفسه المسؤولية في ظل لجنة التحقيق والضغوط العامة.

ويؤكد جبارين أن الفشل لا يقتصر على المستوى العسكري، بل يمتد إلى المستوى السياسي الذي كتب السيناريوهات وأدار الحرب بشكل سيئ، مقدرًا أن الاستقالة تضغط على نتنياهو الذي يواجه تحديا كبيرا لإقناع الحلفاء الدوليين -مثل الولايات المتحدة- بقدرة حكومته على إدارة المرحلة المقبلة بعد 15 شهرا من الفشل العسكري والسياسي.

وأوضح جبارين أن استقالة هاليفي في هذا التوقيت تعني أن إسرائيل بدأت مرحلة جديدة من المحاسبة الداخلية، مشيرا إلى أن الحرب على غزة وضعت أوزارها، لكن “الحرب السياسية داخل تل أبيب بدأت الآن”، وفق ما نقلته الجزيرة.

وأشار جبارين إلى أن استقالة هاليفي تمثل فرصة للمستوى السياسي لتعيين قيادة عسكرية أكثر انسجاما مع توجهات الحكومة الحالية، مما قد يعمق الأزمة بين الحكومة والمؤسسة العسكرية، لكنه تساءل عن قدرة “الدولة العميقة” في إسرائيل على التصدي لهذه المحاولات وحماية الجيش من الانحياز السياسي.

ويذهب الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إلى أن استقالة هاليفي تحمل في طياتها أبعادا أخرى، أبرزها تأكيد فشل المنظومة العسكرية والسياسية في إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأوضح أن الفشل كان “استخباراتيا وعسكريا بامتياز”، مشيرا إلى استقالة مسؤول الاستخبارات العسكرية قبل أشهر، مما يعكس انهيارا في الثقة بين القيادتين السياسية والعسكرية.

وأضاف حنا أن العلاقة بين وزير الجيش ورئيس الأركان شهدت توترا، إذ كان هناك ضغط لإعداد خطط عسكرية لاستعادة الهيمنة في غزة، لكن الحرب الممتدة وفشلها المزدوج زادا الأعباء على هاليفي الذي أصبح “كبش فداء” لتحميل المسؤولية العسكرية، في حين تهرّب نتنياهو من المسؤولية السياسية، حسب ما نقلته الجزيرة.

وأشار الخبير العسكري إلى أن استقالة هاليفي ستفتح الباب أمام تداعيات طويلة الأمد، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضا على المستويين السياسي والاقتصادي، خاصة أن الحرب خلفت خسائر فادحة بالأرواح وندوبا عميقة لدى المجتمع الإسرائيلي.

تبقى استقالة هاليفي حلقة جديدة في سلسلة الأزمات التي تواجه إسرائيل، ولا تقتصر على المؤسسة العسكرية، بل تمتد إلى النظام السياسي برمته. ومع غياب استراتيجية واضحة، تترك هذه الأوضاع آثارًا طويلة الأمد على قدرة إسرائيل على التعامل مع التحديات الأمنية في المستقبل، وسط تساؤلات عن قدرة قيادة الاحتلال الحالية على إعادة بناء الثقة وإعادة الجيش إلى مساره.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

8 خروقات إسرائيلية لهدنة لبنان خلال 24 ساعة

8 خروقات إسرائيلية لهدنة لبنان خلال 24 ساعة

بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال الـ 24 ساعة الماضية، 8 انتهاكات جديدة لـ "الهدنة" ووقف إطلاق النار مع لبنان...