السلطة الفلسطينية تناور في الوقت الضائع
اختارت السلطة الفلسطينية بوعي وإصرار أن تطلق النار على المقاومين في الضفة الغربية، وأن تلاحقهم وتعذبهم وتغتال البعض منهم، معتبرة إياهم “خارجين على القانون”. تقوم بذلك في هذه الظروف السيئة غير المسبوقة التي يمر بها الشعب الفلسطيني، الذي يتعرض للإبادة الجماعية من قبل عصابة صهيونية متمردة على مختلف الأعراف والتشريعات الدولية. وتعتبر هذه السلطة أن ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي “اضطرت” لاستعماله ضد مواطنيها المؤمنين بأن الجهاد هو الطريق المتبقي أمامهم من أجل الدفاع عن الأرض والعرض في ظل هذا الجنون الإسرائيلي.
ما أقدمت عليه السلطة يؤكد بوضوح المأزق الكبير الذي انتهت إليه عملية “أوسلو” التي رغم موتها وتحنيطها، لا يزال هناك من يعتقد بإمكانية إحيائها من جديد. لقد تغيرت قواعد اللعبة تماما، وانتهى دور محمود عباس ومن بقي معه وفيّا لنهجه. هؤلاء لم يعد يُحسب لهم أي حساب في المعادلات السياسية، وفي مختلف التوقعات الافتراضية.
ففي السيناريوهات المستقبلية لا يوجد كيان يحمل صفة “السلطة”، كما لا يوجد طرف لا يزال يراهن على الفريق الراهن الذي يعمل على إثبات وجوده من خلال استعراض القوة داخل بعض المخيمات. الجميع، إقليميا ودوليا، مشغولون بالمشهد الذي سيتجلى بعد التوصل إلى تسوية ما بين حماس وحكومة نتنياهو، ولا أحد يعرف بالتحديد متى تنتهي هذه التسوية لتعود الحرب من جديد. فالخارطة الحالية بمختلف تضاريسها باتت مؤقتة ومهددة في كل لحظة، نتيجة المتغيرات التي حصلت والتي ستحصل خلال المرحلة القادمة. وبالتالي فإن ما تقوم به السلطة وأعوانها لن يكون له أي تأثير على مجرى الأحداث، سوى تعميق عزلتها ومزيد التشكيك في دورها خلال هذه المرحلة التاريخية الحاسمة.
رغم احتجاج العديد من الشخصيات الاعتبارية الفلسطينية، بمن فيهم كوادر وازنة داخل حركة فتح ومنظمة التحرير، والتي اعترضت بوضوح على هذا النهج الذي اختاره الرئيس عباس، لكنه لم يغير ذلك شيئا من سياسته، وهي سياسة انتحارية لا تتناسب مع سن الرجل وتجربته السياسية الطويلة. حتى القيادة الإسرائيلية الحالية تدرك جيدا بأن السلطة تجاوزتها الأحداث، ولم تعد قادرة على فرض اختياراتها على عموم الفلسطينيين الذين وإن اختلفوا مع حماس، وشعروا بحجم الضريبة التي دفعوها الى حد الآن، إلا أنهم لم يقتنعوا بوجود اختيار آخر يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل، ويفتح المجال أمام مستقبل مغاير للفلسطينيين. وما إقبال الشباب على الانخراط بكثافة في صفوف حماس مما مكنها من تعويض الآلاف من شهدائها إلا دليل على ذلك.
صحيح هناك دعوات لتقييم هذه الحرب غير المسبوقة التي فجرتها خطة “طوفان الأقصى” يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، وهي مسألة مشروعة وضرورية، من أجل استخلاص الدروس وتحديد المكاسب إلى جانب الخسائر والتحديات، لكن ذلك سيكون سابقا لأوانه نظرا لاستمرار المواجهة العسكرية، وصعوبة التكهن بنتائجها على المدى القريب والبعيد.
لقد خلقت هذه الحرب لأول مرة في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي حالة مفتوحة على أكثر من احتمال، ولا يمكن أن تستند عملية التقييم عند الخسائر الضخمة التي مني بها الفلسطينيون على صعيد الأرواح والبنية التحتية وغيرها، وهي رهيبة في حجمها ومخيفة في دلالاتها حيث تجاوزت كل التوقعات، فذلك بعد من أبعاد المعركة. لكن في المقابل هناك أبعاد أخرى استراتيجية على غاية الأهمية، وبالتالي لا يصح الوقوف عند السلبيات وهي عديدة، والعمل على تضخيمها من أجل تبرئة الذمة، وتحميل الآخرين كل المسؤولية وتبعاتها. فالوقوف عند هذا الجانب فقط سيكون دليلا إضافيا على عجز هذه الأطراف وعدم قدرتها على تجاوز الجراح وأسلوب المناكفات، وهي أعجز من أن تضع استراتيجيات جديدة لشعب لم يستسلم ولن يستسلم.
إسرائيل في مأزق كبير فلا تساعدوها على تجاوز مأزقها من خلال تقديم الأعذار لها والمبررات التي تمكنها من الاستمرار في عنجيتها. فهي في نظر العالم دولة مارقة، وهي في نظر اليهود من غير الصهاينة كيان يهدد العقيدة اليهودية، ويعرّض اليهود إلى مخاطر حقيقية. ومهما حاولت التوسع يمينا ويسارا ستبقى فاقدة للشرعية، ومهددة باستمرار في أمنها ووجودها، ولن يقبل هذا الجيل بظلمها وظلم حلفائها من أمريكان وغيرهم. فالمعركة ستبقى مفتوحة جيلا بعد جيل إلى تتغير المعطيات، ويعود الحق لأصحابه.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
أنصار الله: قصفنا يافا بصاروخ باليستي و4 مسيَّرات
صنعاء- المركز الفلسطيني للإعلام أعلن المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة اليمنية "أنصار الله"، يحيى سريع، مساء الإثنين، استهداف موقع إسرائيلي حيوي...
حماس وتركيا تناقشان مفاوضات الصفقة
اسطنبول- المركز الفلسطيني للإعلام ناقش مسؤولون بالمكتب السياسي لحماس، الإثنين، مع وزير المخابرات التركي إبراهيم كالين، التقدم المُحرز في مفاوضات...
13 عملاً مقاوماً في الضفة خلال الـ 24 ساعة الماضية
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام رصد مركز معلومات فلسطين "معطي" 13 عملاً مقاوماً خلال الـ24 ساعة الماضية في الضفة الغربية، ضمن معركة "طوفان...
ارتقاء شهداء وعشرات الإصابات باستهداف مربع سكني بغزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام ارتكبت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الاثنين، مجزرة جديدة ضد المدنيين والنازحين في مدينة غزة، عقب استهدافها...
أمير قطر يستقبل وفد حماس لمفاوضات وقف إطلاق النار
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن الديوان الأميري القطري، الاثنين، أن أمير قطر استقبل وفدا من حركة "حماس"، من أجل مفاوضات وقف إطلاق النار في...
دعوات للإفراج عن أبو صفية والكوادر الطبية من سجون الاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام طالب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، اليوم الإثنين، المجتمع الدولي والمنظمات الأممية بإنقاذ حياة الدكتور حسام أبو صفية...
القسام: أوقعنا قوة صهيونية من 25 جنديًا قتلى وجرحى بكمينٍ مركبٍ وسط رفح
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكدت كتائب القسام أنّ مجاهديها استهدفوا قوة صهيونية من 25 جنديا تحصنت بمبنى بالنجيلي وسط رفح وأوقعوا أفرادها بين قتيل...