البرد.. قاتل إضافي يستخدمه الاحتلال لمواصلة الإبادة في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
هل حقا كان الشتاء باردا هكذا من قبل؟.. هل كنا نرتجف هكذا في كل شتاء؟.. هل كنا نحتاج إلى كل هذه الأغطية الشتوية ولا نشعر بالدفء كما هو الحال الآن؟.. هذه كانت جزءًا من تساؤلات طرحت في جلسة ليلية بإحدى ليالي الشتاء الباردة التي جمعت عدداً من الشبان في مخيم للنزوح وسط قطاع غزة.
تمر ليالي “أربعينية الشتاء” قاسية جدا على مخيمات النزوح في قطاع غزة، فالليالي التي ربما تكون الأبرد منذ 10 أعوام على الأقل، وفق خبراء الأرصاد الجوية، أصبحت كابوساً إضافياً مرعباً للعائلات والأهالي، وخاصة أولئك الذين لديهم أطفال.
فالأطفال لا تحتمل أجسادهم هذا البرد، رغم محاولات الأهالي حمايتهم بكثير من الأغطية الشتوية، إلا أن البرد الذي لا يقف في وجهه سوى قطعة من النايلون، يجد نفسه حراً في نهش أجساد الجميع وخاصة الأطفال، في ظل نقص حاد لدى العائلات في الأغطية الشتوية وارتفاع أسعارها في الأسواق إن وجدت.
البرد.. قتل فوق قتل
“أبو محمد” وهو أب لثلاثة أطفال، استيقظ بعد منتصف الليل قبل عدة أيام، فوجد ابنه قد انكشف عنه الغطاء بفعل تقلبه أثناء النوم، وعندما هم بإعادة تغطيته بشكل جيد، وجد أن جسده قد برد كثيرا جدا وخاصة أطرافه، حينها اشتعل الخوف في قلبه واستذكر الأطفال الذين قتلهم البرد.
وقتل البرد، وفق معطيات حكومية وأممية حتى اليوم الاثنين 8 أطفال على الأقل، وسط توقعات بارتفاع العدد مع دخول أربعينية الشتاء، واستمرار الحرب والحالة الإنسانية الصعبة التي يعيشها النازحون.
“لم يأت على بالي سوى الموت تجمدا بسبب البرد، فسارعت إلى إيقاظ ابني وتحريكه وتغطيته بشكل جيد، ولم أعد للنوم إلى بعد أن عاد الدفء إلى أطرافه وجسده بشكل عام، ومنذ ذلك اليوم، وأنا أستيقظ في الليل عدة مرات أنا وزوجتي للتأكد من دفء الأولاد وأن الأغطية مفرودة عليهم بشكل جيد”، يقول أبو محمد.
لا دفء ولا أغطية
الأمر ذلته يحدث مع “أبو عدي” الذي لديه ثمانية من الأبناء في أعمار سنية مختلفة، لكنه لا يملك لهم أغطية كافية، تذهب عنهم قسوة البرد.
“كان في منزلنا يكفينا غطاء واحد لكل شخص في العائلة وكان يتوفر لدينا عدد كبير من الأغطية تفيض عن حاجتنا، قبل الحرب الصهيونية الغاشمة على قطاع غزة، ويوجد في منزلنا أنواع مختلفة من المدافئ، التي تعمل على الغاز أو الكاز وحتى الكهرباء”، يقول “أبو عدي”.
الحال اليوم أن بيت أبو عدي في مخيم الشاطئ للاجئين دمره الاحتلال، بعد أن أجبر أبو عدي وعائلته على المغادرة قسرياً تحت نيران القصف المكثف والنزوح إلى وسط قطاع غزة.
واليوم لا يجد في خيمته المكونة من النايلون وبعض الأقمشة، إلا غطاء واحداً لأبنائه، ولا تتوفر أي من أدوات التدفئة، حتى إشعال النار ليس ممكناً لضيق الخيمة وعدم مناسبتها لهذا الأمر.
ويقول “أبو عدي”: “حصلت على بعض الأغطية من مؤسسات ومبادرات إنسانية، لكنها لم تكن كافية فعدد أفراد أسرتي كبير، وعندما ذهبت للشراء من السوق وجدت أن سعر الغطاء الواحد تضاعف إلى قرابة 10 أضعاف، وخو ما لم يمكنني إلا من شراء عدد قليل”.
ويرى “أبو محمد” و”أبو علي” أن المؤسسات الدولية وهيئات الإغاثة العالمية مقصرة بشكل كبير في توفير متطلبات العائلات الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة تلك التي تعيش ظروفا صعبة في مخيمات النزوح، في ظل هذا البرد القارس، رافضين أي مبررات يمكن أن تقدمها تلك المؤسسات.
تحذيرات أممية
المنظمة الدولية للهجرة أعربت عن قلقها العميق إزاء التأثير المدمر للأمطار الشتوية ودرجات الحرارة المتجمدة على النازحين الفلسطينيين في غزة، والتي تضاف إلى الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يشهدها القطاع.
وقالت المديرة العامة للمنظمة “إيمي بوب”، في بيان صدر الجمعة: إن النازحين في غزة يتعرضون للخطر، بما في ذلك سبعة أطفال رضع على الأقل لقوا حتفهم بسبب انخفاض حرارة أجسامها، وهذه الوفيات المأساوية تؤكد الحاجة الملحة لوصول سكان غزة إلى المأوى وغيره من المساعدات على الفور.
ووفقا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، فإن القيود المنهجية المفروضة على وصول المساعدات أعاقت بشدة توصيلها، حيث لم يتلق سوى 285 ألف شخص دعم المأوى منذ أيلول/ سبتمبر الماضي.
وقدرت مجموعة المأوى، وهي مجموعة تنسيقية للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، أنه حتى منتصف الشهر الماضي، لا يزال ما لا يقل عن 945 ألفا من سكان غزة في حاجة ماسة إلى مساعدات لمواجهة فصل الشتاء، بما في ذلك الملابس الحرارية والبطانيات والأقمشة المشمعة لعزل الملاجئ عن المطر والبرد.
وشددت المنظمة الدولية للهجرة أن الوفيات بسبب الشتاء يمكن تفاديها، وقالت إنها سلمت ما يقرب من 180 ألف عنصر من عناصر المأوى الطارئ للشركاء داخل غزة منذ منتصف تشرين الأول/نوفمبر .
وبينت أن لديها أكثر من 1.5 مليون وحدة من الإمدادات الشتوية الأخرى، بما في ذلك مجموعات العزل والخيام ومجموعات الفراش، جاهزة في المستودعات ونقاط الدخول، لكن القيود الشديدة على الوصول التي تفرضها دولة الاحتلال تمنعها من الوصول إلى المحتاجين.
من جهتها أصدرت المنظمة الأممية المعنية بشؤون الأطفال “يونيسف”، في وقت سابق، تحذيرا شديدا من التأثير غير المتناسب للحرب على أطفال غزة، وخاصة خلال فصل الشتاء.
وقالت روزاليا بولين، المتحدثة باسم “يونيسيف”، خلال مؤتمر صحفي في جنيف: “لقد حل الشتاء الآن على غزة، الأطفال يشعرون بالبرد والرطوبة وحفاة الأقدام، لا يزال العديد منهم يرتدون ملابس الصيف، ومع نفاد غاز الطهي، يبحث الكثيرون بين الأنقاض عن قطع بلاستيكية لحرقها”.
أما إدوارد بيجبيدر، المدير الإقليمي لـ”يونيسف” في الشرق الأوسط، فقد بيّن في تصريحات سابقة، أن الإصابات الناجمة عن البرد مثل قضمة الصقيع وانخفاض حرارة الجسم، تشكل مخاطر جسيمة على الأطفال الصغار في الخيام والملاجئ المؤقتة الأخرى غير المجهزة للطقس البارد.
وقال إنه مع توقع انخفاض درجات الحرارة بشكل أكبر، فمن المتوقع أن يفقد المزيد من الأطفال أرواحهم بسبب الظروف اللاإنسانية التي يعيشون فيها، والتي لا توفر أي حماية من البرد.
وذكر “بيجبيدر” أن قدرة عمال الإغاثة على توفير الحماية الأساسية من برد فصل الشتاء مثل البطانيات والملابس الدافئة وغيرها من إمدادات الطوارئ مقيدة بشدة بسبب المساعدات الإنسانية المحدودة التي يسمح الاحتلال بدخولها إلى غزة.
شهادات عالمية
ولم تستطع الصحف الغربية، وخاصة الأمريكية منها، إخفاء الواقع الإنساني الصعب في غزة، وخاصة مع بدء وفاة عدد من الأطفال بسبب البرد القارس في خيام النزوح، فقد قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، إن القتل والجوع والبرد ثالوث يقتل النازحين في قطاع غزة مع تواصل الحرب للعام الثاني.
وبينت الصحيفة أن معظم النازحين في غزة استقبلوا العام الجديد وهم يرتجفون من البرد في مخيمات الخيام أو في المدارس التي تحولت إلى ملاجئ.
ولم يختلف الأمر كثيرا عند شبكة NBC NEW الأمريكية، التي قالت إن أطفال غزة يولدون في الحرب ويموتون في البرد، ويجبرون على الكفاح للتكيف مع درجات الحرارة المنخفضة.
ونبهت الشبكة إلى أنه مع حلول فصل الشتاء القارس، لا يتمكن غالبية الفلسطينيين النازحين الذين يعيشون في الخيام من إيجاد سبل للبقاء دافئين في البرد والرياح والأمطار.
ومع كل ما يحدث في غزة، ورغم الكلام الكثير والتحذيرات المتتالية لا يزال الضمير العالمي عاجزاً عن تغيير الواقع ووقف الإبادة الجماعية التي باتت تستخدم كل أنواع القتل ضد الشعب الفلسطيني المظلوم المعذب في قطاع غزة، وهذا ما يسمح للاحتلال بالاستمرار في تجنيد كل أساليب القتل والتي أصبح البرد واحداً منها، في انتظار عدالة سماوية تنصف الفلسطينيين بعد أن عجزت الأرض كلها عن إنصافهم أو لنقل لم ترغب بذلك.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
الإعلامي الحكومي يحذر من الغدر الإسرائيلي ويطلق توجيهات للمواطنين
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام حذر المكتب الإعلامي الحكومي من غدر الاحتلال "الإسرائيلي" وسط الأحاديث المتزايدة عن إمكانية الإعلان عن وقف إطلاق...
صحيفة بريطانية: أمن السلطة أكثر جنوناً ووحشية من الجيش الإسرائيلي
لندن - المركز الفلسطيني للإعلام قالت صحيفة "آي نيوز" البريطانية، إن مواطني الضفة الغربية المحتلة يتعرضون لهجوم متواصل من قوات أمن السلطة في...
الأنصاري: وصلنا إلى مراحل نهائية من اتفاق ينهي الحرب في غزة
الدوحة - المركز الفلسطيني للإعلام قال المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، إنّ مفاوضات وقف حرب الإبادة على قطاع غزة "وصلت إلى...
الصحة: 46645 حصيلة الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة، اليوم الثلاثاء، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 46,645، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء...
حماس تطلع قادة الفصائل على مسار التقدم بمفاوضات وقف الحرب
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية حماس، إنها أطلعت قادة الفصائل الفلسطينية على مسار التقدم في مفاوضات وقف حرب الإبادة على...
مسؤول إسرائيلي يؤكد وجود 94 أسيرا لدى المقاومة.. بينهم 34 جثة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلام أكدت حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لا تزال تحتجز 94 أسيراً من بينهم 34 جثة، وذلك...
استشهاد الصحفي محمد التلمس يرفع عدد الشهداء الصحفيين إلى 204
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت مصادر طبية، صباح اليوم الثلاثاء، استشهاد المحرر الصحفي محمد بشير التلمس متأثرًا بجراح أصيب بها جراء قصف...