الأمطار والبرد والجوع.. ثالوث يفتك بالنازحين تحت نار الإبادة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
“المياه جرفت خيامنا، وأتلفت ملابسنا وفراشنا، والبرد ذبحنا، وفوق هذا، الجوع يفتك بنا”، بهذه الكلمات تصف النازحة ميساء رضوان حالًا بالغ القسوة يحل بمليوني نازح يتكدسون في مناطق وسط وجنوب قطاع غزة.
تعيش رضوان في خيمة بالية لا تقوى أمام الرياح وغزارة الأمطار، ومد البحر الذي يزداد في فصل الشتاء، وتقول إن الظروف التي نعيش وجيرانها النازحين من حولها “مؤلمة وسوداوية، والعالم الظالم يصمت أمام ما يجري لنا”.
نزحت الأربعينية رضوان رفقة عائلتها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 من منزلها في مخيم الشاطئ إلى منطقة مواصي خان يونس غرب المحافظة، متسائلة عن الذنب الذي اقترفه أطفالها، ليعيشوا تحت وطأة هذه الظروف، فلا ملابس كافية تقيهم تدفء أجسادهم الصغيرة ولا مأوى يرد عنهم الأمطار، “احنا الكبار مش متحملين البرد، فما بالكم بالأطفال؟!!”.
وتناشد رضوان تناشد أحرار العالم بالتدخل لإنقاذ آلاف المواطنين من نار الحرب ومأساوية واقع لا تصفه الكلمات، ومعاناة تتفاقم يوما بعد آخر.
وتضيف أن المأساة التي يعيشونها مع هطول الأمطار في كل مرة تترافق مع شح في الغذاء والدواء، “فالطحين والخضار مفقودين في الأسواق، وبالكاد نوفر للأطفال ما يسد جوع بطونهم، وكثير من الأيام ينامون ببكائهم من الجوع”.
وتعصف أزمة إنسانية ومعيشية خانقة في وسط وجنوبي قطاع غزة، نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي تمرير المساعدات وإدخال البضائع، وانتشار لصوص وعصابات في طريق الشاحنات القليلة التي يسمح الاحتلال بإدخالها عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، فيما لا يزال معبر رفح مغلقاً منذ أكثر من ستة أشهر، ما أدى إلى تعميق الأزمة وسط ظهور ملامح مجاعة حقيقية نتيجة غياب المستلزمات الأساسية من الأسواق.
لا حياة هنا..
وتتأثر الأراضي الفلسطينية بمنخفض جوي مصحوب بكتلة هوائية باردة، مصحوب بزخات مطرية ورياح، وحذرت الأرصاد الجوية من خطر الانخفاض الحاد في درجات الحرارة وشدة سرعة الرياح. ورجحت أن تستمر حالة الطقس السيئ هذه أيامًا أخرى.
وتعرّضت خيام النازحين لأضرار جسيمة من جرّاء الأمطار وغرقت في مياهها. وأظهرت صوراً ومشاهد فيديو بثها نازحون ونشطاء على شبكات التواصل حجم المأساة التي يعيشها الأطفال والنساء وكبار السن بفعل دخول مياه الأمطار، والمد البحري إلى الخيام.
وفي حين أن شهر الشتاء يبدأ في قطاع غزة رسميًّا في 21 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، إلا بواعثه المبكرة تلقي بمخاوف كبيرة في نفوس مئات آلاف النازحين الذي يعيشون في خيام بالية، لا تحميهم حر الصيف ولا برد الشتاء.
ويقول محمود الباز وهو أب لخمسة أطفال، يعيش في خيمة في منطقة المشاعلة في دير البلح وسط قطاع غزة، إن المطر زاد من معاناة الأسرة التي لا تملك حتى البساط كي تُغطي بها أرضية الخيمة.
ويوضح أن الخيمة التي يسكنها تهالكت وتمزق قماشها بفعل حراة الصيف، ما تسبب بتسرب مياه الأمطار إلى أمتعتهم، “العيشة هنا قاسية جدًا، لا حياة هنا، لا هدوء، لا راحة، وفوق ذلك نعيش الخوف والقصف كل ثانية”.
ويشاطر حرب أبو عودة النازح من بيت حانون شمالي القطاع إلى وسطه، معاناة الباز ورضوان، مبديا تشاؤمه حيال صمود خيمته في وجه الرياح، مضيفا “هذه الخيمة لا يمكن أن تصمد.. المنخفض لا يزال في بدايته، لا نعرف ماذا نفعل؟”.
ويضيف: “نحاول تثبيتها، لكن لا إمكانيات لدينا، ولم تصلنا أي مساعدات لتقوية الخيام.. حينما تشتد الرياح، كل شخص يمسك زاوية من الخيمة حتى لا تطير”.
دعوة للتدخل السريع
ويقول محمد الميدنة مدير الإعلام والعلاقات العامة في جهاز الدفاع المدني بقطاع غزة، إنّ الأمطار التي تساقطت في اليومين الماضيين تسبّبت في أضرار جسيمة بالخيام التي تؤوي آلاف النازحين، إذ إن المياه تدفقت إلى داخلها، الأمر الذي أدى إلى تلف الأمتعة والفرش فيها، مشيرا إلى أن الأمر “لا يُبشّر بالخير مع اقتراب فصل الشتاء الذي تكثر فيه الأمطار الغزيرة”.
ويعرب الميدنة عن خشيته من غرق الخيام المقامة في المناطق المنخفضة التي عادة ما تحدث فيها سيول مع هطول الأمطار العزيرة. وتساءل عن الوضع في حال استمرّ تساقط الأمطار بغزارة، علماً أنّ “خيام النازحين بالكاد صمدت أمام الأمطار الخفيفة”. ورأى أنّ “الوضع الراهن ينذر بكارثة إنسانية حقيقية إذا لم يُسجَّل تدخّل عاجل”.
وحث النازحين المقيمين في الخيام ومراكز الإيواء على ضرورة أخذ التدابير الوقائية ما أمكن لتجنب أضرار المنخفض الجوي، وتثبيت الخيام ووضع سواتر رملية في محيطها لمنع تدفق مياه الأمطار.
ووسط تدهور الأوضاع مع تغيّر الأحوال الجوية، دعا الميدنة المجتمع الدولي والأمم المتحدة إلى التدخّل سريعاً لإنقاذ النازحين، مطالباً بتوفير خيام بديلة أو كرفانات (مقطورات) إيواء لمساعدتهم في تفادي الأضرار التي قد تلحق بهم في موسم الشتاء.
جوع وبرد
وتشير بيانات الأونروا إلى نزوح 1.9 مليون فلسطيني منذ بداية حرب الإبادة الأمر الذي يعني نحو 90% من إجمالي عدد سكان القطاع البالغ نحو 2.3 مليون نسمة. وبحسب أونروا، فإنّ ثمّة مهجّرين في قطاع غزة نزحوا عشر مرّات أو أكثر، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وحذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، من أن أكثر من مليوني نازح في قطاع غزة يحاصرهم الجوع والعطش والمرض، مؤكدة أن الحصول على وجبات الطعام أصبح مهمة مستحيلة بالنسبة للعائلات في القطاع.
وتوضح الأونروا أن ما يسمح الاحتلال الإسرائيلي بإدخاله عبر المعابر، من الدقيق والمواد الغذائية، لا يلبي 6% من حاجة السكان في قطاع غزة، مشيرة إلى أزمة حادة يشهدها القطاع بسبب الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال، حيث تسبب ذلك في صعوبات جمة للحصول على الخبز، بعد إغلاق معظم المخابز جنوب القطاع.
ووصفت الوكالة الأممية أوضاع النازحين في خيام النزوح ومراكز الإيواء بـ”المأساوية، في ظل الجوع والبرد، وعدم قدرة المنظمات الدولية على تلبية حاجات النازحين، إثر شح الطعام والغذاء”.
وطالبت بفتح كامل للمعابر، وإدخال ما يحتاجه السكان للحد من المجاعة التي فاقمت حالات سوء التغذية والأمراض المختلفة في قطاع غزة.
وتتركز الأزمة الغذائية في غياب الطحين ما أدى إلى ارتفاع سعره. فقبل شهر ونصف الشهر، لم يزد سعر الكيس بوزن 25 كيلوغراما عن 20 شيكلا. أما في الوقت الحالي، فيصل سعره إلى ما بين 100 و150 شيكلاً، فيضطر الناس للاصطفاف في طوابير طويلة على المخابز تستمر لعدة ساعات للحصول على ربطة خبز، أو الاعتماد على البدائل كالأرز والمعكرونة والعدس.
ويتزامن شح الدقيق مع الارتفاع الكبير في أسعار الخضار، وقد بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من البصل ما بين 50 و60 شيكلاً، ومثله الطماطم، فيما بلغ سعر كيلو الخيار 20 شيكلاً، ومثله الباذنجان، بينما اختفت البطاطاس من الأسواق. كذلك ترتفع أسعار الملابس الشتوية بمستويات لم يعتد الناس عليها في القطاع، خصوصاً مع فصل الشتاء وحاجتهم للتدفئة.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي حرب الإبادة على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر عام 2023، متسبباً في مجازر مروعة وجرائم حرب أزهقت أرواح الآلاف بين شهيد وجريح ومفقود، متجاهلا قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
إصابة طفل برصاص الاحتلال شرق جنين
جنين – المركز الفلسطيني للإعلام أُصيب طفل فلسطيني، مساء اليوم الأربعاء بشظايا رصاص الاحتلال في قرية فقوعة الواقعة شرق مدينة جنين شمالي الضفة...
الصليب الأحمر: الوضع الإنساني في غزة لا يُحتمل
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام وصفت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم الأربعاء، الوضع الإنساني في قطاع غزة بأنه "لا يزال مأساويًا"، رغم التوصل إلى...
26 عملًا مقاومًا ضد الاحتلال بالضفة والقدس خلال 24 ساعة
القدس – المركز الفلسطيني للإعلام وثق مركز معلومات فلسطين "معطى"، 26 عملا مقاوما ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية ومدينة...
خبير عسكري يعدد تحديات ومعوقات اتفاق وقف إطلاق النار بلبنان
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام قال الخبير العسكري العقيد المتقاعد حاتم كريم الفلاحي إن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل يحتاج تفسيرات...
أبو صفية: محيط كمال عدوان يتعرض لأعنف عدوان منذ بدء الاجتياح
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام قال مدير مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة حسام أبوصفية، مساء اليوم الأربعاء، إن المنطقة المحيطة بالمستشفى تشهد أعنف...
الاحتلال يخرق الهدنة ويعتقل 4 لبنانيين.. والجيش اللبناني يعلق
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام سجل جيش الاحتلال أول خرق لوقف إطلاق النار في مع لبنان، بعد أن اعتقل 4 لبنانيين، بزعم الاقتراب من قواته في القرى...
حماس تطالب بتحرك عاجل لوقف المذابح والتجويع في بيت لاهيا وجباليا
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام طالبت حركة المقاومة الإسلامية(حماس)، بالتحرك العاجل والفوري لوقف ما تتعرض له مدينة بيت لاهيا وجباليا من مذابح وتجويع....