حرب من نسل حروب إسرائيل السابقة
يحلو لكثيرين من أصحاب المواقف الليبرالية في إسرائيل أن يُرجعوا التوحّش الذي يفوق أي خيال في جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزّة وفي لبنان إلى سبب واحد ووحيد، انتشار الأصولية الدينية، ومثابرتها على إرسال أذرعها إلى جميع أجزاء المجتمع بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنيّة.
ولدى سبر التفاصيل يمكن العثور على شبه إجماع بين هؤلاء على أن هذا الانتشار بدأ جليًّا أكثر على أعتاب خطة فك الارتباط مع قطاع غزة التي جرى تنفيذها عام 2005، عندما قال أحد الحاخامين (أبراهام شابيرا)، في كانون الأول/ ديسمبر 2004، لجنود الجيش الإسرائيلي “إن رئيس الحكومة ليس ربّ البيت، بل إن ربّ البيت هو الله جلّ جلاله”.
وبلغ إحدى ذُراه في كانون الأول/ ديسمبر 2019 عندما دعا وزير القضاء الإسرائيلي في ذلك الوقت، يعقوب نئمان، إلى فرض قوانين الشريعة اليهودية رويداً رويداً على الحياة العامة في إسرائيل. وقبلهما، إبان انفجار الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، أعلن الحاخام إلياكيم لفانون، وهو أحد أبرز “حاخامي يهودا والسامرة” (الضفة الغربية)، أنه “آن الأوان لأخذ الصولجان، والعودة إلى فترة الملك داود ومعرفة أن الحاخامين ليس عملهم تدريس التوراة فقط بل أيضاً إقامة قيادة تكون بمنزلة الحكومة الحقيقية لشعب إسرائيل”!
في الواقع، ما يقف وراء هذه الرؤية، سواء تنطوي على عمى أو على تعامٍ، هو سعي من يصفها الباحث والأكاديمي الإسرائيلي يغيل ليفي بـ “الطبقة البيضاء العلمانية” لتطهير نفسها من المسؤولية عن النتائج الأخلاقية والاستراتيجية للحرب الراهنة، والتي سبق لها أن وضعت أسسها. وبصفته باحثاً متخصّصاً في الفكر العسكري، يؤكد ليفي أن هذه الحرب ليست نتاج تغلغل الأصولية الدينية في معظم شرايين المجتمع الإسرائيلي، وأنه بالرغم من أن دوافع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو السياسية تتجلّى فيها، إلا أنه لا يجوز اعتبار تلك الدوافع المحرّك الرئيسي لها، لكونها حربًا مزروعة عميقًا في الثقافة السياسية الإسرائيلية العلمانية، حتى لو ازداد تطرُّفها بعد السابع من أكتوبر (2023).
كما أنه يفيد بأن طواقم سلاح الجو والاستخبارات، وكذلك العناصر الذين يقومون بتطبيقات برامج الذكاء الاصطناعي، ليسوا من تيارات الأصولية الدينية، وطبعاً ليسوا من داعمي نتنياهو، بل هم من ناحية اجتماعية جزء من النواة الصلبة لما يعرف بمعسكر الوسط – يسار. ويجب القول إنهم كذلك المسؤولون عن القتل غير المسبوق للمدنيين في غزّة خلال الأسابيع الأولى من الحرب. ولدى بعضهم الشغف والرغبة في الانتقام، بحسب ما كشفت أبحاث وتحقيقات صحافيّة عديدة.
ينسحب ما يقوله هذا الباحث بالنسبة إلى القبيلة البيضاء العلمانية على رموزها في المعارضة الإسرائيلية الحالية، فمثلاً زعيم حزب “المعسكر الرسمي” بني غانتس يتصرّف بصفته قائدا عسكريا، وما عاد سرّاً أنه خلال مشاركته في حكومة الطوارئ كان من أشدّ الداعين إلى أن تكون الحرب في غزّة ولبنان أكثر صداماً وهجوماً، وإلى أنه كان من الأفضل برأيه احتلال رفح منذ فبراير/ شباط وليس في مايو/ أيار2024 كما حدث بالفعل.
والدعوة إلى هذا النهج الحربيّ الهجومي هو أيضاً ديدن يئير غولان، زعيم حزب “الديمقراطيون” الذي أعلن عن تأسيسه خلال الحرب في سبيل توحيد صفوف اليسار الصهيوني، ونجم عن تحالف حزبي العمل وميرتس.
ففي مقال نشره غولان، وهو جنرال سابق، مع خبير عسكري إسرائيلي آخر، في صحيفة هآرتس، في مناسبة مرور عام على الحرب، أكّد أن من الضروري إعادة تقييم الافتراضات الأساسية الكامنة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والمكونات الأساسية في مفهوم الأمن القومي. وجزم بأن من الواضح فعلًا أنه ستكون هناك حاجة إلى جيش وميزانية أمنية أكبر، وإلى نهج أكثر هجوماً. وعلى إسرائيل أن تحافظ على وجود قوة برّية ضاربة، لأن مثل هذه القوة تحسم الحروب!
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
رئيس جنوب إفريقيا يدعو إلى وقف الإبادة الجماعية في غزة
جوهانسبرغ - المركز الفلسطيني للإعلام دعا رئيس جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، إلى وقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب...
غوتيريش: الكارثة في غزة تمثل انهيارا تاما للإنسانية
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن "الكارثة" التي حلت في قطاع غزة تمثل "انهيارا تاما لإنسانيتنا...
وفد من حماس يبحث مع بوغدانوف سبل الوصول لوقف إطلاق نار دائم بغزة
الدوحة – المركز الفلسطيني للإعلام بحث وفد من حركة حماس مع ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، الجمعة، سبل الوصول إلى وقف...
حماس: تدعو لتبني برنامج وطني جامع لمواجهة خطط ضم الضفة
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام دعت حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى تبني برنامج وطني جامع، لمواجهة مخططات الاحتلال الإسرائيلي لضم الضفة...
22 عملا مقاوما في الضفة خلال 24 ساعة
الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام نفذت المقاومة الفلسطينية 22 عملا مقاوما متنوعا في الضفة الغربية، خلال الساعات الـ24 الأخيرة، ضمن معركة...
الأمم المتحدة: قصف إسرائيل للنازحين في غزة يرقى لجريمة حرب
إسطنبول – المركز الفلسطيني للإعلام قال مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، الجمعة، إن استهداف إسرائيل لأماكن النزوح في...
لافروف: ما يحدث بغزة كارثة تتنافى مع المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية
موسكو – المركز الفلسطيني للإعلام قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن العملية العسكرية الإسرائيلية المستمرة في قطاع غزة تتعارض مع القانون...