بعد عام على الطوفان.. هكذا أدار الفلسطينيون معركة السرديات مع الاحتلال؟
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
شكلت حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة مرحلة انتقالية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى الرغم من الأرقام الصادمة لأثر الحرب الإنساني على الصعيد الاجتماعي، إلا أن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وظهور متحدثين بارعين في سرد الرواية الفلسطينية، جعل من المعركة الإعلامية في ساحة أوسع للصراع على ساحة الرأي العام الدولي.
وبالرغم من الدعاية الإسرائيلية المفبركة حول أحداث 7 أكتوبر 2023، والمحاولات المتعددة لتضليل الرأي العام العالمي، فقد تمكن إعلام المقاومة من دحض السرديات الإسرائيلية المبنية على الأكاذيب كقتل الرضع واغتصاب النساء، وأظهر إعلام المقاومة براعته في تفنيد تلك الأكاذيب عمليا ببث مشاهد المقاتلين داخل المستوطنات يطعمون الأطفال ويهدئون من روعهم، مما انعكس في مظاهرات دولية وإقليمية وانتفاضات شعبية عالمية، حيث تحولت ساحات الجامعات الأمريكية والأوروبية إلى منصات داعمة للقضية الفلسطينية، وإظهار انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني.
وظهرت براعة المقاومة في إدارة معركة الصورة عبر توثيق العسكري الميداني لعمليات قنص الجنود والكمائن داخل المنازل، وتدمير الآليات العسكرية، وبثت تسجيلات تخاطب المجتمع الإسرائيلي وتنفد كذب حكومته بلسان الأسرى الإسرائيليين لديها، ومواصلة ضخ تلك الصور عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل، إلى جانب انهيار السرديات الإسرائيلية باستخدام المنشآت المدنية كالمستشفيات والمدارس كمخابئ عسكرية أو وجود أنفاق أسفل منها.
كما استطاع الفلسطينيين كسب المعركة الإعلامية بغياب كثير من المتحدثين التقليديين غير المقبولين جماهيريا وغير المقتدرين على مخاطبة الرأي العام العالمي لصالح متحدثين محترفين من أمثال السفير حسام زملط والدكتورة حنان عشراوي والدكتور مصطفى البرغوثي.
رسائل ضغط ربحتها المقاومة
وتقول د. نادين الكحيل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، إن المعركة الإعلامية بين الاحتلال وكتائب القسام عبر تبادل الرسائل والضغط النفسي ربحتها المقاومة، فجميع رسائلها أدت إلى فوران الشارع الإسرائيلي وخروج مظاهرات في تل أبيب تطالب بوقف الحرب وإنجاز صفقة تبادل الأسرى، وتطور الموقف بعد اعتداء رجال الشرطة على المتظاهرين إلى المطالبة بإقالة نتنياهو وتشكيل حكومة جديدة.
وبشأن تأثير وسائل الإعلام في مسار الحرب على غزة، تلفت الكحيل إلى أن لإسرائيل فكرة ثابتة تقضي بتحويل الإعلام إلى نوع من القوة الضاربة سواء في المجال المالي أو المجال السياسي، وعلى الرغم من القوة والنفوذ اللتان تمتلكهما وكل محاولات التعتيم والتضليل الإعلامي عبر إقفال بعض المحطات كالجزيرة والميادين واستهداف الصحافيين والإعلاميين، إلا أن صفحات وسائل التواصل الاجتماعي والناشطين استطاعوا نقل حقيقة المجازر والمذابح التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي بالصورة والصوت.
وتؤكد الكحيل أن المقاومة الفلسطينية أجادت في عملية طوفان الأقصى، توظيف الإعلام لمخاطبة الجماهير والرأي العام وزيادة الضغط على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، في الوقت الذي فشلت فيه ماكينة الإعلام الحربي الإسرائيلي فشلاً ذريعاً بخروجها بفيديوهات تصور المدنيين العزل على أنهم مقاومون قد ألقوا السلاح واستسلموا، وفبركة بعض الفيديوهات والصور المزيفة، الأمر الذي اضطر البيت الأبيض للتراجع عن السرديات غير المثبتة لقتل الأطفال أو الاغتصاب.
وتقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات اللبنانية، إن حماس تفوقت حماس في توظيف أبرز أدوات الحرب النفسية، المتمثل في الإنتاج الإعلامي المتنوع لعملياتها التي تستهدف جنود الاحتلال وآلياته، إذ أظهرت المقاومة تفوقاً في دحض الصورة النمطية التي روَّجتها إسرائيل بامتلاكها جيش لا يُقهر ومركبات عسكرية عصية على التدمير”.
تأثيرات حاد للرواية
وبشأن التعاطي إعلام المقاومة مع الأسرى الإسرائيليين، تضيف الكحيل أن فيديوهات روايات الأسرى المفرج عنهم وعمليات التبادل وثقت نجاح المقاومة في الأبعاد الإنسانية والأخلاقية، وهو ما أثبتته شهادات الأسيرات اللواتي أفرجت عنهم المقاومة في الصفقة الأولى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.
وتضيف أن تصريحات الناطق العسكري باسم كتائب القسام “أبو عبيدة” جردت رواية الجيش أمام الجمهور الإسرائيلي في كثير من محطات حرب الإبادة، الأمر الذي أثار توترات واضطرابات ومظاهرات في الشارع الإسرائيلي من قبل أهالي الأسرى للمطالبة بالإفراج عنهم وإتمام صفقة تبادل الأسرى، خاصة بعدما ساهمت وسائل الإعلام بنقل صور قتل جيش الاحتلال لبعض الجنود عن طريق الخطأ أو قتل الأسرى عند محاولات تحريرها بالقوة النارية.
وتلفت الكحيل إلى أن المساعي الإسرائيلي لتصوير حرب الإبادة على أنها صراع بين الحضارة والتوحّش، إلى جانب توظيف مفاهيم الإسلاموفوبيا والإرهاب عن المجتمع الفلسطيني أمام الرأي العام العالمي، أسقطتها نخب إعلامية غربية اعترضت على السياقات الإعلامية الغربية لتقديم الصراع، إلى جانب الصور والمشاهد التي تناقلها منصات التواصل الاجتماعي، والتي مثلت نوافذ مهمة للتغطية البديلة وسمحت للعالم أجمع بمشاهدة معاناة الشعب الفلسطيني اليومية، ما لم يكن ممكناً من خلال الإعلام الغربي التقليدي، وساعد ذلك في إثارة الغضب شعبي شديد لاسيما في قطاع الشباب الأمريكي والأوروبي.
ومضى بالقول: “شكلت سيادة وسائل الإعلام تأثيراً حاداً في إدارة الحرب في غزة، عبر ضخ جميع الوثائق والصور التي تؤكد جرائم الابادة الإسرائيلية بحق أطفال ونساء وشباب وشيوخ غزة، على الرغم من سيطرة اللوبي الصهيوني على معظم وسائل الإعلام، إلا أنها لم تستطع إخفاء الحقيقة بالرغم من استخدام الذكاء الاصطناعي لاختلاق الصور وتزييف الحقائق”.
توثيقات أسقطت الأكاذيب
وفي الإطار يقول عماد الأصفر، مدير مشاريع في مركز بيرزيت لتطوير الإعلام، إن سلطات الاحتلال اعتمدت على التضليل والأكاذيب التي أطلقتها مواقع رسمية وغير رسمية وشخصيات إسرائيلية من غلاة اليمين المتطرف، تلقفتها ونشرتها دون تدقيق وسائل إعلام غربية، سامحة لجيوش إلكترونية كثيرة العدد متعددة اللغات بتكرار نشرها على مختلف المنصات.
وساق الأصفر في مقال “طوفان الحرب والإعلام” العديد من الأمثلة، حيث زعم رئيس دولة الاحتلال اسحق هيرتسوغ في مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية العثور على جمجمة الفنانة الألمانية الشابة شاني نيكول لوك، التي كانت تشارك في مهرجان هاجمه مقاتلو حماس، وقال للصحيفة: “لقد تم العثور على جمجمتها، وهذا يعني ان هذه الحيوانات البربرية السادية قطعت رأسها”. كما نشرت صحيفة “ذا ميرور” البريطانية تقريرا عن قيام “إرهابيين” من حماس بقتل الفنانة شاني لوك. وذكرت ان “الإرهابيين” استعرضوا وجثتها على مقدمة شاحنة في المكان.
ولاحقًا، نقلت صحيفة “الإندبندنت” خبرا يفيد بأن “والدة فنانة الوشم المفقودة بعد هجمات حماس تقول إن ابنتها على قيد الحياة في مستشفى بغزة”. وبعد ذلك قال والدها ان ابنته ماتت جراء اصابتها برصاصة في الرأس. وفي إطار تلك الأكاذيب التي روّج لها الإعلام الغربي، أكد مسؤول إسرائيلي تعرّض نساء للاغتصاب خلال هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة.
ويلفت الأصفر إلى أن إعلام المقاومة أظهر براءتها من هذه الادعاءات بشكل عملي حيث بث مشاهد لمقاتلين يطعمون الأطفال المحتجزين، كما قامت حماس بإطلاق سراح محتجزتين مسنتين ظهرت إحداهما وهي يوخباد ليفشيتس في مؤتمر صحافي وقالت: “لقد تعاملوا معنا بود وعناية، ووفروا لنا الطعام والدواء، وأحضروا لنا طبيبا لفحصنا، وكذلك مضمد لمتابعة وضعنا الصحي ومعالجة من أصيب منا بجراح”.
ويلفت إلى أن هذه التصريحات أثارت ضجة إعلامية كبرى حيث اعتبر مكتب رئيس حكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، و”هيئة المخطوفين والمفقودين”، التصريحات التي أدلت بها المسنة الإسرائيلية “مفاجأة صادمة تعود بالضرر على صورة إسرائيل وتسهم كذلك في إضعاف وتقويض جهود الدعاية الإسرائيلية”.
متحدثين بارعين
ويقول الأصفر إن “ظهور متحدثين فلسطينيين بارعين أمثال السفير زملط والبرغوثي، وقدرتهم على تجاوز لازمة السؤال الابتدائي في كل مقابلة “هل تدينون ما قامت به حماس؟!”، أفقد وسائل الإعلام الغربية جزءا كبيرا من احترامها ومصداقيتها وقد ظهر ذلك علنا في رسائل استقالة وفي رسائل توبيخ وفي شعارات كثيرة حملها المتظاهرون الذين قدر عددهم بمئات الآلاف في كبريات العواصم الغريبة”.
ويضيف أنه وبرغم انحياز منصات التواصل الاجتماعي فإن مضمون ما تم نشره تأييدا لفلسطين وغزة وحماس والمقاومة وضد همجية ووحشية الاحتلال كان أضعاف ما تم نشره من مضمون مؤيد للاحتلال، مؤكداً أن “هذا النجاح لا يستند إلى المهارة الإعلامية فقط بقدر ما يستند إلى الحدث البطولي بحد ذاته وإلى حجم الوحشية الإسرائيلية المستخدمة في الهجوم على غزة”.
وأخيرا اعتقد ان صور الضحية لوحدها لا تكفي فالعالم يتعاطف مع الضحية ثم يحاول جهده لكي ينساها، يجب مزاوجة صورة الضحية مع صورة البطل الذي يرفض ويقاوم، فالعالم يحترم من لا يسكتون على الظلم والطغيان ويسعى الى نشر قصتهم والى التشبه بهم.
ويشدد الأصفر على أن صور الضحية لوحدها لا تكفي “فالعالم يتعاطف مع الضحية ثم يحاول جهده لكي ينساها، إذ يجب مزاوجة صورة الضحية مع صورة البطل الذي يرفض ويقاوم، لأن العالم يحترم من لا يسكتون على الظلم والطغيان ويسعى إلى نشر قصتهم وإلى التشبه بهم”.
صراع السرديات
وفي الإطار ذاته، يقول محمد فوزي، الباحث المساعد في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن الصورة ظهرت في حرب الإبادة على غزة كواحدة من أدوات “صراع السرديات”، بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، فضلاً عن لعبها دوراً محورياً في رسم وتشكيل نظرة شعوب المنطقة والعالم للحرب الدائرة.
ويوضح في مقالة بحثية “كيف تم توظيف الصورة كسلاح في حرب غزة؟، أن توظيف “الصورة” يعكس جملة من الدلالات المهمة، ففي الوقت الذي حاولت فيه إسرائيل حشد جهودها الإعلامية عبر جملة من الادعاءات والجمل المرسلة كجزء من صناعة السردية الإسرائيلية لتحقيق بعض الأهداف الرئيسية وعلى رأسها “شيطنة” الفصائل الفلسطينية، والتوثيق لبعض “الانتصارات” العسكرية في قطاع غزة، نجحت المقاربة الإعلامية للفصائل الفلسطينية في الرد على الآلة الدعائية الإسرائيلية، وخدمة الأجندة السياسية والعسكرية الفلسطينية، بإبراز المقاربة السياسية الخاصة ببعض الملفات، وتفنيد الادعاءات الإسرائيلية والرد عليها.
ومثلت الصورة، وفق فوزي، إحدى الأدوات العملياتية والتكتيكية وتجسد ذلك في بعدين رئيسيين: الأول، استعراض تطور القدرات التسليحية للمقاومة، والثاني، في التوظيف المتمكن للصورة وللآلة الإعلامية بما يخدم الحرب المعنوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإبراز الانتصارات الميدانية التي تتم في مواجهة القوات الإسرائيلية وحجم الخسائر التي تتكبدها هذه القوات، من خلال التركيز على الاشتباكات التي تتم من المسافة صفر.
ويلفت إلى أن هذه المقاربة نجحت “بشكل نسبي كبير” في إبراز الانتصارات الميدانية التي تتحقق على الأرض، كما ساهمت في دفع الاحتلال الإسرائيلي لرفع السرية عن خسائره في قطاع غزة بشكل تدريجي، في خطوة بدت أنها محاولة لتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لتقبل أرقام كبيرة في أعداد القتلى بصفوف مقاتلي الجيش.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
نعيم قاسم: طوفان الأقصى بداية تغيير وجه الشرق الأوسط
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام قال نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني إن طوفان الأقصى حدث استثنائي وبداية تغيير وجه الشرق الأوسط....
حزب الله يدك حيفا بـ 100 صاروخ
بيروت - المركز الفلسطيني للإعلام وجه حزب الله اللبناني، اليوم الثلاثاء، ضربة صاروخية كبيرة على مدينة حيفا والكريوت، ضمن سلسلة عمليات دعماً لشعبنا...
في واقعة خطيرة.. لباس “كهنة الهيكل” في المسجد الأفصى
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام في واقعة خطيرة، اقتحم مستوطن برفقة عشرات آخرين المسجد الأقصى المبارك مرتديا زي الكهنة أثناء تقديم ما يسمى...
تفجير آليتين والإجهاز على جندي صهيوني في كمائن للقسام شمال غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الثلاثاء، عن تنفيذ سلسلة عمليات وكمائن لقوات الاحتلال الصهيوني خلال...
نيويورك تايمز: إسرائيل دولة منكمشة تغرق في أزمة وجودية
نيويورك - المركز الفلسطيني للإعلام رأت كبيرة محللي الشؤون الإسرائيلية في مجموعة الأزمات الدولية، أن إسرائيل تغرق في أزمة وجودية بعد عام على حرب...
65% من المؤسسات الصحية بغزة خرجت عن الخدمة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام قالت وزارة الصحة في غزة، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي استهدف 65% من المؤسسات الصحية في القطاع، وتعمد حرمان آلاف المرضى...
هاكرز يخترقون مواقع رياضية إسرائيلية ويضعون صورة أبو عبيدة
الناصرة - المركز الفلسطيني للإعلم تمكن مجهولون من اختراق مواقع رياضية إسرائيلية وعرض صورة أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام الجناح العسكري لحركة...