الثلاثاء 16/أبريل/2024

الحرية لوليد دقة وجميع أسرى الحرية

سليمان أبو ارشيد

الأسير وليد دقة هو تجسيد حي لحالتنا نحن فلسطينيي 48، فقد كان من طلائع شباب الداخل الذين رأوا الحلم وامتشقوا السلاح والتحقوا بالمقاومة السائرة نحو التحرير، وممن كسروا القيود وحطموا الحدود واندفعوا مع التيار الهادر الذي لملم شمل بقايا وشراذم الشعب الفلسطيني ووحد شتات تجمعاته تحت راية العودة والتحرير.

وليد قاتل في صفوف فصائل المقاومة في معركة شعبه العادلة ضد أبشع استعمار استيطاني عرفه العهد الحديث، حيث جرى اقتلاع أبناء شعب كامل من وطنهم وإجلائهم عن أرضهم وقراهم ومدنهم وإحلال مهاجرين من خلف البحار في مدنهم وبيوتهم التي أُخرجوا منها، وعلى أراضي قراهم التي هجروا عنها وجرى هدم بيوتها، وصولا إلى إقامة كيان سياسي استعماري على خرائب الكيان الفلسطيني.

مئات المقاتلين من الداخل الفلسطيني انضموا إلى فصائل المقاومة المسلحة في السبعينيات والثمانينيات محطمين كل القيود والحدود التي حاولت إسرائيل حبسنا داخلها، وبضمنها قيود “المواطنة الإسرائيلية” المزعومة التي منحتنا إياها إسرائيل تحت ضغط القرارات الدولية المرتبطة بالاعتراف بكيانها كعضو في الأسرة الدولية، والتي لم تغير كثيرا من وضعيتنا كمواطنين درجة ثانية ورعايا في الدولة اليهودية.

لقد ترافق هذا المد الوطني الفلسطيني مع بروز واشتداد عود التيار الوطني في الداخل، ممثلا بحركة أبناء البلد ونشوء لجان الطلاب العرب ولجنة الدفاع عن الأراضي وغيرها من المنظمات الشعبية، والتي شكلت بمجموعها حاضنة شعبية التحمت مع الحالة الفلسطينية العامة وتوحدت تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية وشعاراتها الموحدة.

للحظة لم يعتقد وليد دقة، الذي كان وما زال قائدا فلسطينيًّا وممثلا معترفا به للأسرى أمام إدارة السجون الإسرائيلية، أن إسرائيل ستواصل تكبيله بالمواطنة الإسرائيلية وتعمل على استعمالها لتقليص فلسطينيته واغتيال حقه في الإفراج استنادا إلى الاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية التي قاتل في صفوفها وينتمي إلى إحدى فصائلها.

لقد علّق وليد دقة وعشرات الأسرى من الداخل الفلسطيني في الشرك الذي وقعت فيه منظمة التحرير الفلسطينية، عندما وافقت في أوسلو على الاعتراف بإسرائيل قبل أن تحصل على حقوق الحد الأدنى الفلسطينية وبضمنها تحرير كافة الأسرى الفلسطينيين ومن مختلف المواقع، الذين قاتلوا في الحرب التي دارت بين الطرفين وانتهت بتوقيع اتفاق السلام، إذا جاز التعبير، وهو ما فتح الباب للتأويلات والتصنيفات الإسرائيلية للأسرى استنادا إلى مفتاح فصائلي أو مناطقي وبضمنه اعتبار أسرى 48 “مواطنين إسرائيليين” لا ينطبق عليهم ما ينطبق على سائر الأسرى الفلسطينيين.

وغداة توقيع اتفاقيات أوسلو تواجد في السجون الإسرائيلية 112 أسيرا من مناطق 48، بينهم 29 أسيرا يقضون أحكاما عالية، معظمهم مؤبدات، هؤلاء رفضت إسرائيل إدراجهم في قائمة الإفراجات التي ترتبت على اتفاق أوسلو بادعاء أنهم يحملون الهوية الإسرائيلية، وأنهم خانوا دولتهم إسرائيل وانضموا للقتال في صفوف “العدو”.

كما حاولت إسرائيل تحت هذا الادعاء إعاقة إدراج أسرى الداخل في أي صفقة تبادل مع الفصائل الفلسطينية المعارضة أيضا، باستثناء صفقة شاليط التي نفذتها مع حماس عام 2011 وسابقا صفقة تبادل الأسرى مع الجبهة الشعبية – القيادة العامة، بقيادة أحمد جبريل عام 1985، وكما هو معروف فإن النبضة الرابعة في اتفاق تحرير الأسرى الذي عقد مع السلطة الفلسطينية عشية تجديد المفاوضات عام 2013 وكان من المفترض أن يشمل الأسرى القدامى وبضمنهم أسرى الداخل قد جرى إحباطها.

وبمقابل حرمان أسرى الداخل من حقهم بالإفراج الذي يستمد من كونهم فلسطينيون قاتلوا في صفوف الفصائل الفلسطينية لأنهم يحملون الهوية الإسرائيلية، فإنها حرمتهم أيضا من معاملة المواطنين الإسرائيليين، حيث حرمتهم من المشاركة في المناسبات العائلية والزواج والإنجاب داخل السجن أسوة بالسجناء اليهود، والاستثناء من المحاكم العسكرية وتحديد مدة المؤبد وتخفيض فترة السجن.

فقد حرمت الكثير منهم من وداع آبائهم وأمهاتهم الذين قضوا خلال سجنهم، ومنعتهم من الزواج الفعلي والإنجاب كما حدث مع وليد دقة الذي ولدت طفلته ميلاد من خلال نطفة مهربة، كما امتنعت عن تحديد فترة المؤبد عندما “تكرم رئيس دولة إسرائيل” أخيرا بتحديد فترة المؤبد، في عهد شمعون بيرس، اختار الأخير لهم المدة الأقصى 35- 40 عاما، أما بخصوص عدم تطبيق تخفيض فترة السجن فإن الإصرار على رفض الإفراج عن وليد دقة بعد 37 عاما، رغم إصابته بمرض مهلك ووضعه الحرج هو خير شاهد على ذلك.

والحال كذلك فقد خرج الأسيران كريم وماهر يونس مؤخرا من السجن بعد أن أمضيا محكوميتهما البالغة 40 عاما بالتمام والكمال، كما أنهى وليد دقة محكوميته البالغة 37 بالتمام والكمال أيضا، قبل أن يضاف إليها سنتين على تهمة أخرى أدين بارتكابها وهو داخل السجن، وسجل أسرى الداخل أرقاما قياسية في السجون حيث اعتبروا أقدم سجناء في العالم، وما زال بعضهم، مثل وليد دقة يعاني المرض والألم وخطر الموت خلف القضبان.

وعندما نقول إن وليد دقة يعكس حالتنا نحن فلسطينيي 48 نقصد التهميش المزدوج في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، فلو اعتبر فلسطينيا لخرج تحت مظلة اتفاقيات أوسلو منذ زمن ولو اعتبر إسرائيليا لخرج منذ زمن أيضا بعد تخفيض ثلث مدة محكوميته وقبل أن يلم به المرض ويتهدده خطر الموت خلف القضبان… الحرية للمناضل من أجل الحرية وليد دقة ولكافة أسرانا البواسل.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات