السبت 20/أبريل/2024

هل تقف إسرائيل على أبواب حرب شاملة؟

هل تقف إسرائيل على أبواب حرب شاملة؟

رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام

أصدر مركز القدس تقدير موقف حول سيناريوهات اندلاع حرب شاملة للباحث والخبير في الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد.

وخلاص إلى أن احتمالية أن تجد الأطراف نفسها في مواجه واسعة وارد وإن كان مستبعداً مرحلياً، مبينًا أنّ خروج ردّات الفعل عن السياق الضابط لإيقاع قواعد الاشتباك مؤخراً، سيدفع باتجاه المزيد من التصعيد وصولاً إلى مواجهة أكبر.

كما أنّ الأمر -وفق أبو عواد- منوط كذلك بقدرة الفلسطينيين على استمرار مواجهة صلف الاحتلال من خلال سلسلة العمليات المتواصلة منذ عامين، حيث إنّ استمرارها سيدفع غزة وبقية الجبهات للمزيد من الدعم دون خوض المواجهة بشكل علني، وتراجعها سيلزم غزة التحرّك ما دامت “إسرائيل” تُضاعف من تنكيلها وتهويدها.

فيما يلي نص تقدير الموقف:

الناظر إلى الواقع في الضفة الغربية ومنذ ما يزيد عن ثمانية سنوات فإنّ التصعيد كان المشهد الدائم المُسيطر، حيث خلت السنوات كلّها منذ حرب العصف المأكول 2014 وحتى يومنا هذا من أيّ ملامح لهدوء أو احتمالية الوصول إلى تهدئة، فقد تتابعت الهبات وتخللها سلسلة طويلة من العمليات، وسط ثلاث سمات كانت تتعمق مع مرور الوقت، الأولى استمرار انزياح الفلسطينيين وتحديداً الجيل الشاب باتجاه المقاومة وتبنيها فكرياً، والثانية استمرار العمل الإسرائيلي على اضعاف السلطة التي باتت أقرب لجسم إداري يخلو من أيّ ابعاد سياسية، والثالثة تعاظم حالة التهويد والاستيطان تترافق مع ارتفاع منسوب التطرف في “إسرائيل”.

عوامل استمرار التصعيد كثيرة ومتنوعة، الأمر الذي يجعل التساؤل هل سينتهي التصعيد الحالي -بما اكتسبه من سمات خلال السنوات الأخيرة- تساؤلاً غير منطقي، حيث التفاعلات على الأرض والتي تدفع نحو استمراره تترسخ بكل أكثر عمقا كلّما مرّ الوقت، جزء منها مرتبط بسلوك الاحتلال، الذي بات يؤمن بضرورة الوصول إلى حسم الصراع في ظل المعادلات الإقليمية، الدولية والداخلية، ما يولد استمرار حالة مرتفعة من المقاومة، وأخرى ترتبط بالواقع الفلسطيني الداخلي، الذي بات يفقد البوصلة الأمر الذي يدفع باتجاه مواجهة الاحتلال على مزيد من صبّ الزيت على النار داخلياً.

في ظل الواقع المُعاش منذ سنوات، دائما ما يُطرح التساؤل، هل نحن على أبواب حرب شاملة أم تصعيد أعلى، خاصة مع رياح التصعيد والتهديد، وما قامت به المقاومة مؤخراً من استهداف لإسرائيل من الأراضي اللبنانية، وتبعها تصدٍ واستهداف له من قطاع غزة، وسط سلسلة غير متوقفة من العمليات، ومؤشرات أعلى من قبل الاحتلال حول احتمالية ارتفاع منسوب العمليات ضد الاحتلال ومستوطنيه سواء في الضفة أو الداخل المحتل.

للوقوف على السناريو الأكثر ترجيحاً خلال الفترة القصيرة المقبلة، لا بدّ في البداية من التأكيد على أنّ الحرب الشاملة هي نهاية هذه التفاعلات، فالسؤال الدائم ليس هل هناك حرب، بل متى ستكون هذه الحرب التي من الواضح أنّها ستكون أعلى درجة وأكثر قسوة من الحروب السابقة على قطاع غزة، وستكون أكثر شمولية بحيث تتفاعل انعكاساتها في أكثر من مكان وربما على أكثر من جبهة.

هذه الورقة تُرجح أنّ سيناريو التصعيد هو الذي سيبقى سائداً خلال الفترة المقبلة، على ألّا تصل الأمور إلى مواجهة شاملة، وذلك انطلاقاً من مجموعة من الأسباب سواءً تلك المرتبطة بالاحتلال أو الأخرى ذات الصلة بالمقاومة.

“إسرائيل” وعوامل كبح جماح الحرب مرحلياً:

المطّلع على التقارير مؤخراً والتي كان آخرها تقرير شعبة الاستخبارات العسكرية والذي أكّد على جملة من النقاط أهمها، تآكل قوّة الردع الإسرائيلية وهذا ما سبق وتحدث عنه نتنياهو قبل يومين من صدور ذات التقرير، وكذلك أنّ التصعيد سيستمر إلى ما بعد رمضان، وهو ما قد يقود إلى مواجهة شاملة مع الفصائل الفلسطينية، يُدرك تماماً أنّ “إسرائيل” بحاجة ماسة إلى تحسين صورتها الردعية من جانب، وقتل جزء من هذه التهديدات من الجانب الآخر، ولكن ذلك يصطدم بعراقيل مهمّة:

الأزمة الداخلية الإسرائيلية على خلفية الإجراءات القضائية:

دائما ما تمحور النقاش حول أنّ نتنياهو ربما يسعى لتصدير أزمته الداخلية بالذهاب إلى مواجهة عسكرية وتصدير للأزمة، وربما كان هذا الاتجاه صحيحاً لو كانت “إسرائيل” تُعاني من أزمة قابلة للحل، ويُمكن التغلّب عليها من خلال تصديرها، لكن الواقع يُشير إلى أنّ الأزمة الداخلية باتت تدفع الأطراف كافة إلى التمترس حول مواقفها، حيث أصبحت الأزمة بنيوية وعابرة إلى عُمق المكونات المختلفة، وبدأت تأخذ منحنيات انقسام طائفي واضح المعالم.

كما أنّ سير الاحتجاجات في “إسرائيل” سيعود في اليوم التالي لانتهاء أي تصعيد بوتيرة أكثر ضراوة وقوّة، حيث يُمكن اعتبار أنّ الدولة العميقة التي يقودها الشق الغربي في “إسرائيل” والتي تحتمي بمحكمة العدل العليا، وبغالبية المؤسسات في الدولة، مصرّة على اسقاط ليس فحسب التعديلات القضائية، إنّما أيضا تتجه لرفع سقف مطالبها حرصا منها على شكل الدولة التي أسستها، ومنعا لانزلاقها لرؤى دينية قومية وحريدية لم تُقدم شيء في سبيل الدولة من وجهة نظرهم، أو أن تأخذ طابع اليهود الشرقيين الذين يجب ان يبقوا مواطنين من الدرجة الثانية، ما بات يقود إلى حالة من كسر العظم بين الطرفين، وانقسام غير قابل للحل ضمن الأجندة التي يريدها نتنياهو والصهيونية الدينية، الأمر الذي يعني أنّ انشغال نتنياهو بهذه القضية الداخلية أولى من أي تصعيد، والأهم أنّ أي تصدير للأزمة قد يكون سلبياً في حال لم تنجح “إسرائيل” في تحقيق أهدافها العسكرية، أو تعرضت لضربات تفوق حدود ما ألفته.

عدم استقرار الحكومة الإسرائيلية

على الجانب الآخر من الحلبة السياسية، وفي ظل وحدة المعارضة الإسرائيلية رغم الفوارق الكبيرة بينها، فإنّ حكومة بنيامين نتنياهو التي تُعتبر حكومة يمين صرفة، تُعاني من إشكاليات وأزمات داخلية تكشف عُمق الأزمة بين مكوناتها، والتي تتمحور اساساً حول عدم قدرتها على تنفيذ جزء كبير من وعودها للناخبين، واتضاح أنّ الشعارات الكبيرة التي رفعتها تصطدم بواقعٍ ليس بالسهل، الأمر الذي لا يزال يخلق أجواء مستمرة من التوتر بين مكوناتها.

ذلك لا يعني أنّ حكومة نتنياهو على وشك السقوط السريع، لكن أيضاً استمرار عجلة الأوضاع بماهيتها الحالية تنبئ أنّ قدرتها على الصمود ربما لن يتجاوز حدود نهاية هذا العام، في ظل استطلاعات رأي تُعطيهم نتائج سيئة، ما قد يدفعهم إلى التماسك والاستمرار قدر الإمكان، لكن حراك الشارع الإسرائيلي ووجود حراك خفي داخل الليكود، قد يُعجل من تفكك الائتلاف في ظل بدء ارهاصات الانعكاسات السلبية لهذه الحكومة على الواقع الاقتصادي والسياسي لإسرائيل.

الخوف من المغامرة غير محسومة النتائج

لا تمتلك “إسرائيل” جواباً شافياً حول نتائج الحرب، وما هي النتائج التي ستترتب عليها أو على أي تصعيد قد يطول، وهل سيؤسس لمرحلة أكثر خطورة على “إسرائيل” مثل وجود أكثر من جبهة، وهل ستكون “إسرائيل” قادرة على إدارة المواجهة إن تعددت الجبهات بكفاءة عالية.

التساؤلات هذه تجعل من ذهاب حكومة نتنياهو لأي مواجهة مغامرة غير محسومة النتائج، فإن لم تؤد المواجهة إلى نصر إسرائيلي واضح ستكون بمثابة ضربة جديدة سترفع من مساحة النقد الداخلي، والسيناريو الأسود بالنسبة لها إن كانت النتائج لصالح المقاومة، ولصالح مواجهة قد تمتد إلى داخل المدن المحتلة، الأمر الذي سيُعقد حسابات “إسرائيل” بشكل كبير.

الخلاف بين المستوى السياسي والعسكري

تعيش الحكومة الإسرائيلية الحالية في ظل تشوش العلاقات ما بين المستوى السياسي والعسكري، وليس الموضوع مرتبط فقط بطبيعة التوتر الذي حدث ولا زالت اصداؤه بين نتنياهو كرئيس للوزراء ويوئاف جالنت وزير الجيش وابن ذات الحزب، ولكن أوضحت التطورات الأخيرة كذلك وجود تباعد وتوتر مرتبط بطبيعة تشكيل الحكومة، في ظل وزراء كسموتريتش وبن جفير لا يحظون بدعم كبير في أوساط المؤسسة الأمنية، والتي ترى بهما وبفكرهما هدّاماً للقيم التي تأسس عليها الجيش.

النفور هذا قاد إلى وجود حالة من العصيان والتمرد في المؤسسة العسكرية ضد الحكومة المنتخبة، وبغض النظر عن سياق هذا العصيان الذي بُرّر على أنّه دفاعاً عن قيم الدولة العبرية، لكنّه لم يكن ليتبلور بهذه الصورة لولا الشعور العام بأنّ هذه الحكومة تصهر في داخلها تركيب منافٍ لتوجه الغالبية العظمى. هذا الأمر بات يؤسس لمزيد من توسيع دائرة الشك بين توجهات الساسة والحاجات الأمنية، ما يجعل توجهات نتنياهو الأمنية دائما مرتبطة بمصلحته السياسية وفق رجالات الأمن المتأثرين بتوجهات قيادتهم الحالية والتاريخية المناوئة لنتنياهو، الأمر الذي ولّد كوابح لقدرة نتنياهو على استغلال هذه الزاوية من جانب، وعلى محاولة الأمن تحقيق أهدافه من خلال ضبط إيقاع التفاعلات الأمنية في اتجاه منع الوصول إلى حالة التصعيد الشامل على الأقل مرحلياً.

غياب أهداف واضحة المعالم

صحيح أنّ “إسرائيل” تسعى لهدف استراتيجي ينتهي بالقضاء على المقاومة الفلسطينية بكافة اشكالها، لكن تفاعلات الأحداث في المنطقة بما في ذلك الإقليم، جعلت من الهدف الاستراتيجي لإسرائيل صعب المنال، وأنتج حالة من ضبابية الأهداف الإسرائيلية، فلا هي أعادت المسار السياسي مع السلطة وبالتالي ضمنت حالة من الهدوء ولو التكتيكي في الضفة، ولا استطاعت حسم المعركة مقابل قوى المقاومة في غزة، رغم الحصار وحالة التضييق.

وكلّما وضع الساسة الإسرائيليون هدفاً كبيراً تحت عنوان حسم الصراع، وجدت نفسها “إسرائيل” في دائرة أكبر منه، لتعيد نفسها مرّة أخرى إلى محاولة إدارة الصراع، ما يجعل ضبابية الأهداف الإسرائيلية بعيدة المدى غير قابلة التحقق، خاصة مع ما يرافقها من تباين داخلي حولها أو على الأقل حول الأسلوب الأمثل لتحقيقها، ما جعل سياسة “إسرائيل” مؤخراً، هي محاولة منع الوصول إلى حرب شاملة ومنع وجود ارتدادات مقاومة في الضفة الغربية، هدف تكتيكي لم تستطع تحقيقه منذ سنوات، وبات يحول بينها وبين قدرتها على الذهاب في اتجاه تحقيق أهداف أبعد من ذلك.

المقاومة واستراتيجية الاستنزاف:

الضربة الأولى وكذلك الختامية خلال حرب أيار 2021 كانت للمقاومة الفلسطينية، التي سجلت تقدماً ملحوظاً في هذه المواجهة، دفعت الكثير من النقاد والكتاب الإسرائيليين إلى جانب جزء من المستوى السياسي والأمني على قناعة أنّ معادلة الردع تغيرت بشكل كبير، ولم تعد “إسرائيل” تتفوق في هذه المساحة، بل أصبح لكلّ طرف خاصية من الردع تجاه الطرف الآخر، حققت نوعاً من التوازن رغم فارق الإمكانيات المهول بينهما، إلّا أنّ ذلك أسس لمرحلة جديدة في فكر المقاومة الفلسطينية، يدفعها لتأجيل الحرب والمواجهة قدر الإمكان.

استراتيجية الاستنزاف وطول النفس:

منذ حرب أيّار 2021 لم تشهد الأراضي الفلسطينية تحديداً الضفة الغربية وبما في ذلك القدس فترة ولو قصيرة من الهدوء، مئات الشهداء، عشرات العمليات الفلسطينية المؤثرة، بروز تشكيلات مقاومة، وانزياح فكري فلسطيني كبير نحو المقاومة، ما بات يدفع شريحة كبيرة من الجيل الفلسطيني الجديد نحو المشاركة الفعّالة في الانتفاضة الخاصة التي يخوضها الشعب الفلسطيني، وسط حالة استنزاف لإسرائيل رغم ما تُحدثه الأخيرة من مساحة ألم وتنكيل تجاه الفلسطينيين.

طول النفس كاستراتيجية يتخللها مراكمة القوّة أضحت تؤسس لمرحلة جديدة من المقاومة تعتمد على التغلّب على إجراءات الاحتلال، وبناء بذور للمقاومة في مناطق جغرافية متعددة، تؤدي إلى تشتيت قدرات الاحتلال وتُعقد حساباته فيما يتعلق بالقدرة على اتخاذ قرار حرب شاملة، وتدفع إلى توسيع القاعدة المقاومة وتنويع وسائلها، ما يمنع من الاحتلال القدرة على الاستفراد بمنطقة دون الأخرى، في ظل اختلال موازين القوى التي تميل لصالحه بشكل واضح.

المواجهة الأوسع تؤدي إلى إحباط جبهات أخرى:

سياق المواجهات السابقة ما بين الأعوام 2008 وصولاً للعام 2021، كان لها أثراً سلبياً على المواجهة في بقية الساحات وتحديداً ساحة الضفة الغربية، وصحيح أنّ حرب أيّار 2021 شهدت مشاركة متنوعة وشكلت وحدة ساحات فلسطينية بشكل غير مسبوق، لكن على مستوى العمل المقاوم المؤثر فقد شهد تراجعاً ملحوظاً، ولعلّ ذلك مرتبط بالركون لما تبليه غزة خلال المواجهة والاكتفاء بمساحة استهدافها للمناطق المحتلة، وسط حالة من الدعم المعنوي لها في ميادين الضفة العامة، وردّة فعل خجولة تجاه الاحتلال.

وإن كان سياق ما يحدث في الضفة الغربية منذ بداية العام 2022 انعكاس طبيعي لما حققته غزة خلال حرب 2021، فإنّ المنطق يُشير إلى ضرورة زج المزيد من الروح لهذه الحالة ورعايتها في اتجاه المزيد من التمكين لها، خاصة أنّها دون شك الأكثر تأثيراً على الاحتلال، بُحكم ما توقعه من خسائر، وإلى جانب أنّها غير متوقعة لا من حيث زمان ولا مكان التنفيذ، وسط مساحة من الاحتكاك الكبير بين الفلسطينيين والمستوطنين، يجعل الوصول للهدف أكثر سهولة، وأكثر ضغطاً على الاحتلال كونه غير مسقوف بزمن له بداية ونهاية، كما هو الحال في الحروب التي تُشنّها “إسرائيل” ضد قطاع غزة.

الواقع الصعب في قطاع غزة:

غزة التي تُعاني من حصار مطبق، وحروب أربع كانت في غضون أقل من عقد ونصف فاقمت من معاناة السكان، ليس من السهل أن تخوض حرباً أخرى دون أن يكون لها ارتدادات إيجابية على القضية عموماً وعلى الظروف الحياتية والسياسية للسكان، خاصة أنّ بناء ما تم هدمه خلال تلك الحرب لم يُستكمل إلى اليوم، في ظل ازدياد مساحة الفقر والضيق عموماً للشريحة الأكبر من السكان هناك.

عدم نضوج الظروف الإقليمية:

الظروف الدولية والإقليمية هي الأخرى لاعب محوري وحيوي وتؤثر على مسار القضية الفلسطينية، وليس سرّاً أنّ الحالة الإقليمية العربية ابتعدت كثيراً عن القضية الفلسطينية، ورغم أنّ هناك محاولات للتأثير الإيجابي من بعض الأطراف في ظل تغيّر بعض المعادلات الدولية، لكنّها إلى الآن لم تصل إلى مرحلة النضوج باتجاه التأثير الإيجابي، ما يتطلب المزيد من التريث ومحاولة كسب المزيد من المؤثرين في مسار القضية الفلسطينية، وضمان استمرار تراجع قدرة “إسرائيل” على نسج علاقات تطبيعية جديدة مع الدول العربية.

كما أنّ محور المقاومة بقيادة إيران، من المبكر الحكم عليه في اتجاه إمكانية الوحدة في أيّ مواجهة قادمة مع الاحتلال، معادلات حزب الله وإيران أكثر تعقيداً من قدرتهم على الذهاب باتجاه الوقوف كجبهة واحدة ضد الاحتلال، ويبقى السيناريو الأرجح إلى الآن أنّه في حال تجدد الحرب مع قطاع غزة، فإنّها ستجد نفسها وحيدة دون الجبهة الشمالية، وهذا يدفع باتجاه المزيد من التريث لنضوج توجهات حقيقية عملية تقف في وجه الصلف الإسرائيلي.

استمرار حالة الاستعداد ومراكمة القوّة:

اعتمدت “إسرائيل” في تعاملها مع المقاومة الفلسطينية على نظرية جزّ العشب، تقليم أظافر المقاومة كلّما نبتت في ظل قناعتها بعدم القدرة على القضاء عليها، وبالتالي فإنّ الحروب المتكررة وعلى مدى قصير غير متباعد يعني الوقوع تحت مصيدة جزّ العشب، وبالنظر لأداء المقاومة الفلسطينية المُتقدم في العام 2021، كان نتيجة التباعد الزمني عن حرب 2014، وبالتالي إمكانية مراكمة القوّة والمزيد منها، وكذلك الاستعداد النفسي والعملي لها.

ما تراكمه غزة من قوّة لا يخفى على “إسرائيل” التي تُدرك أنّ المعادلة تجاه القطاع معقدة، وغزة التي انهت حرب 2012 بقصف تل ابيب، بدأت حرب 2014 باستهداف تل ابيب، وحرب 2021 باستهداف القدس، وأي حرب قادمة بالتأكيد ستتجاوز حدود تل أبيب وصولاً إلى أبعد من ذلك، في إطار التطور الطبيعي لأداء المقاومة التي تُعد أيضاً في مساحات أخرى أهمها التصدي لطيران الاحتلال، ومضاعفة قدراتها القتالية البرية، من أجل تحقيق نتائج أفضل في أي مواجهة مقبلة، وهذا يتطلب المزيد من الصبر والانتظار والمراكمة، مع الحفاظ على معادلة الردع التي تم تثبيتها.

خلاصة الأمر تبقى هذه العوامل الكابحة السيناريو الأرجح لكن ليس الوحيد، فاحتمالية أن تجد الأطراف نفسها في مواجه واسعة وارد وإن كان مستبعداً مرحلياً، حيث إنّ خروج ردّات الفعل عن السياق الضابط لإيقاع قواعد الاشتباك مؤخراً، سيدفع باتجاه المزيد من التصعيد وصولاً إلى مواجهة أكبر، كما أنّ الأمر منوط كذلك بقدرة الفلسطينيين على استمرار مواجهة صلف الاحتلال من خلال سلسلة العمليات المتواصلة منذ عامين، حيث إنّ استمرارها سيدفع غزة وبقية الجبهات للمزيد من الدعم دون خوض المواجهة بشكل علني، وتراجعها سيلزم غزة التحرّك ما دامت “إسرائيل” تُضاعف من تنكيلها وتهويدها.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات