الجمعة 27/سبتمبر/2024

انتخابات 2006.. حماس إذ صححت المسار وعززت المقاومة

انتخابات 2006.. حماس إذ صححت المسار وعززت المقاومة

لم يكن فوز حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية عام 2006م تغييراً عاديًّا في المشهد السياسي الفلسطيني؛ فتمثيل حماس لأصوات أغلبية الفلسطينيين في المجلس التشريعي أدى لتغييرات ميدانية وسياسية أعادت تذكير العالم بحق الفلسطيني في مقاومة محتله وتقرير مصيره.

وحمل فوز حركة حماس بأغلبية في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني عام 2006م عدة دلالات وشكل الفوز انعطافة تاريخية في القضية الفلسطينية بعد أن قرر الشعب الفلسطيني منح المقاومة ثقته لإدارة شؤونه العامة بأغلبية.

وفازت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بنتائج الانتخابات التشريعية بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد المجلس التشريعي البالغة 132 في حين حصلت حركة فتح على 43 مقعدا وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات حوالي 77%.

ودخلت غزة التي تتولى حماس إدارة شؤونها منذ لحظة الانقسام عام 2007م والتي تعد قاعدة ثابتة لفصائل المقاومة في حصار طويل ومشدد وتعرضت لعدوان إسرائيلي متكرر؛ لأنها ترفض التسليم بواقع الاحتلال واتفاقياته المجحفة المنكرة للثوابت وعدالة القضية الفلسطينية.

فلسطين للواجهة مجدداً

لم تفلح كل محاولات الاحتلال الذي تتناغم إستراتيجيته الأمنية والسياسية مع القوى الكبرى في المجتمع الدولي في تطويع وتدجين برامج حماس السياسية والمقاومة والتي ترفض علانيةً نهج عملية التسوية التي اعترفت بـ”إسرائيل” وأسقطت كثيرًا من الحقوق الفلسطينية.

رغم اعتراف الجهات الرقابية المحلية والدولية كافة بنزاهة الانتخابات عام 2006م إلا أن “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي رفضوا الاعتراف بنتائج الانتخابات ورفضت حركة فتح وبقية الفصائل المشاركة في الحكومة التي شكلتها حماس برئاسة إسماعيل هنية عام 2006م تحت ذريعة “عدم الاتفاق على البرنامج السياسي”.

ويؤكد د. محمود العجرمي -المحلل السياسي- أن نتائج الانتخابات حددت موقفاً شعبيًّا يرفض اتفاق “أوسلو” الذي أضاع الثوابت الوطنية الفلسطينية وحوّل السلطة الفلسطينية إلى سلطة تتقاسم مع الاحتلال دوراً وظيفيًّا في مواجهة المقاومة الفلسطينية. الفوز كان موقف رفض الأغلبية للاعتراف بـ”إسرائيل” وسياسة التخابر الأمني بين السلطة والاحتلال.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “الفوز كشف موقفاً جمعيًّا لإسناد المقاومة التي أكدت في معارك الصراع أنها قادرة على تحرير الأرض والإنسان والعمل بجديّة في مشروع إقامة دولة مستقلة مستقبلاً النتائج أكدت حق عودة اللاجئين وحق الفلسطيني في فلسطين من البحر إلى النهر”.

وتنازل اتفاق “أوسلو” عن 78% من أرض فلسطين التاريخية ولم تنجح عملية التسوية التي أُطلقت بين منظمة التحرير الفلسطينية و”إسرائيل” برعاية أمريكية في إقامة كيان فلسطيني مستقل فوق أقل من 22% من الأرض بفعل الاستيطان وتنكر الاحتلال لحقوق الفلسطينيين في القدس والاتفاقات الموقّعة كافة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف أن 25 يناير 2006م لم يكن يوماً عاديًّا في قضية ومستقبل الشعب الفلسطيني؛ فقد شهد المجتمع الدولي ومؤسساته بنزاهة الانتخابات التي شكلت لحماس انطلاقة نوعية أكدت حب وإيمان الشعب بالمقاومة والتحرير.

ويتابع لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن “حماس سجلت موقفاً في بداية مرحلة جديدة أعادت فيها القضية الفلسطينية للواجهة السياسية وأصبح العالم كله يعرف بعد الانتخابات قضية شعب مقاوم يريد التحرير وتحديد مستقبله والتخلص من الاحتلال”.

المعاناة المتصاعدة بغزة من لحظة فوز حماس في انتخابات عام 2006م لم تكن بسبب فوز حماس في الانتخابات بل لأن الاحتلال أدرك أن الشعب وحماس مع قوى المقاومة يعيدون إنتاج مشروع التحرير ويرفعون المقاومة بكل أشكالها لطرد الاحتلال.

ويشير المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو أن الانتخابات كانت استحقاقًا قانونيًّا ووطنيًّا وديمقراطيًّا أثبت فيها الشعب الفلسطيني أنه قادر على تولي أموره وتقرير مصيره دون وصاية خارجية.

ويضيف لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “نتائج الانتخابات لم تتواءم مع مخطط عام للقضية الفلسطينية في أن تبقى تحت الوصاية الأمريكية والإسرائيلية والدولية. أرادت تلك القوى إبقاء الشعب مرتبطا بمصالح تلك الأطراف فحدث تصادم معها وتلاه انقسام فلسطيني طويل”.

واشترط المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في العالم على حماس القبول بشروط الرباعية الدولية لقبول نتائج فوزها في الانتخابات وعلى رأس شروطهم كان الاعتراف بكيان الاحتلال والتخلي عن المقاومة المسلحة في التصدي للاحتلال.

مستقبل المقاومة

انتقلت المقاومة الفلسطينية بعد انتخابات عام 2006م من خانة الدفاع الإستراتيجي إلى موقع الهجوم الإستراتيجي وقد ألمح كثير من قادة ومفكري الاحتلال أن شمولية المقاومة لكل أرض فلسطين تبشّر بقرب انهيار كيانهم الذي لن يبلغ 80 سنة من العمر.

ونجحت حماس منذ فوزها في انتخابات عام 2006م في تطوير قدرات جناحها المسلح كتائب القسام وتصدت لأقوى جيوش المنطقة وأسرت جنود الاحتلال وأبرمت صفقة “وفاء الأحرار” التي تعد من أهم صفقات التبادل مع “إسرائيل” في عمر الصراع.

ويؤكد المحلل العجرمي أن المدّة التالية لفوز حماس في انتخابات 2006م كشفت أن منظمة التحرير الفلسطينية بتركيبتها الحالية مع قيادة السلطة الفلسطينية هوت بالقضية لانحدار رفضته القاعدة الشعبية حين عارضت شكل التسوية المضرّ بالثوابت.

ويتابع: “شهدنا عام 2006م أسر الجندي الإسرائيلي شاليط ثم معارك وعدوان عام 2008-2012-2014-2018-2021 وراكمت المقاومة نقاط القوة وأدت لتآكل قوة الردع الإسرائيلية وأضافت توازناً في الردع وأكدت معركة سيف القدس عام 2021م أن الشعب في كل فلسطين والشتات خلف برنامج المقاومة بشكل منسّق بين الضفة وغزة وأرض 48”.

ومن أهم النتائج الإيجابية لانتخابات 2006م أنها أوقفت تدهور القضية الفلسطينية بشكل تلاه تصاعد للمقاومة التي أثبتت نفسها على الأرض وحالت دون شطبها من الخريطة السياسية ضمن محور فاعل يمتد -حسب رؤية المحلل العجرمي- من طهران إلى بغداد ودمشق ثم بيروت وغزة.

وتعطّل رئاسة السلطة إجراء الانتخابات الفلسطينية في المجلس التشريعي والرئاسة بعد إجراء تعديلات مخالفة للقانون على مؤسسات منظمة التحرير التي ترفض دخول حركات وقوى فلسطينية فيها على رأسها حركتا حماس والجهاد الإسلامي.

وجددت حماس -حسب رؤية المحلل الصواف- المشروع الوطني الفلسطيني بعد تخلي منظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها رئاسة السلطة الفلسطينية لبرنامج المقاومة وقد أثبت نهج حماس في التصدي ومقاومة الاحتلال أنها ماضية في التحرير حتى النهاية.

ويرى المحلل سويرجو أن مرور عقد ونصف على انتخابات 2006م أظهر نجاح المقاومة في تجاوز كل الخطوط الحمراء ومنع تصفية القضية لحساب الاحتلال بل وأدى لفتح آفاق جديدة تجاوزت سقف اتفاق “أوسلو” حين ظهر الشعب ومقاومته رقما صعبا وظهيرا للقضية في غزة ممتدا للضفة والقدس المحتلة.

ورغم مرور 17 عاماً على انتخابات 2006م التي قدّمت حماس للمشاركة في المؤسسات الرسمية الفلسطينية إلا أن شيطنة المقاومة التي تحملها قوى المقاومة وحصار غزة وتكرار العدوان لم يغير من برنامج حماس السياسي الذي يعرف المقاومة شعاراً يتخذ من تحرير الأرض والمقدسات والإنسان نهجاً يستحق التضحية الآن ومستقبلاً.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات