لَمّة حليمة !

شغلتنا الحاجة حليمة زايد بترنيماتها الحزينة التي استدعت فيها ذكرياتها ومزجتها بحكمة مغنّاة تحتوي وصيّة تدعو للوحدة والاجتماع وشد الظهر بالظهر إذ لا شيء يدعوكم للفرقة وطارت هذه الأغنية بعد أن وضع أذكياء مختصّون بالمحتوى في منصة سما القدس إطاراً إيقاعيّاً لها ومنحوها زوايا تصوير تركّز على تجاعيد الزمان في وجهها القديم الذي يختزن خبرة السنين الطويلة.
هذه الأغنية قديمة ذات سماع قديم وألحانها أيضاً قديمة تروّد اللحن ذاته في كل مقطع مثل ترويدة “شمالي” وترويدة دابا يا دابا وترويدة “يا أم العباية حلوة عباتك”؛ وهذا اللحن مرتبط بالقالب اللحني “السامر” المنتشر في وسط فلسطين وجنوبها.
والترويدة قوالب لحنية تميل إلى التحزين وتسلية النفس وتكثر في المناسبات مثل وداع العريس في يوم الحنّاء وعند قوافل الجمال المسافرة وعند حارسات الكروم الباقيات في الخرب… كما كان الشعراء يتغنون بها في المواسم التي اندثر الاحتفال بها منذ النكبة مثل موسم النبي موسى وموسم النبي صالح وموسم النبي روبين وموسم الشيخ المنطار .
ومما أذكره مما كانوا يحيون به مناسبة حمام العرس يغنّون بروح وطنية ثائرة:
لِمّوا بعضكم !
مَحْلا فرْحتكم
يا أهل المخيم !
لمّوا بعضكم
وقد تغيّرت كلمات هذا القالب اللحني حسب المناسبات الوطنية والاجتماعية التي يعيشها الشعب الفلسطيني لكن المحتوى الرئيس في بنائها ظل باقياً مع لحنها: “شِدّوا بعضكم” أو “لِمّوا بعضكم” وكثيراً ما ينطقون الضاد في “بعضكم” بما يشبه الظاء كما هي طريقة البادية وبعض مناطق الريف.
ويحكون أن الشعراء الشعبيين في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي مع تنامي الشعور الوطني ضد الاحتلال البريطاني وانتهاء الأمل بعودة الدولة العثمانية وسلطتها للتدخّل في أزمات بلاد الشام نمّطوا هذه الأغنية في الأعراس بكلمات موشّحة بالحزن داعين إلى إعادة تقييم أوضاعهم والالتفاف حول أنفسهم وأنه لا أحد سيأتي من الخارج لإنقاذكم:
يا وْلاد العربْ!
لِمّوا بَعَظْكم!
رَحْلَتْ ترْكيّا وما ودّعتْكم
يا ولاد العرب … لمّوا بعظكم !
وتمتزج هذه الأغنية بأغنية أخرى تركّبت معها حتى صارتا أغنية واحدة تشحن في طيّاتها أيضاً معاني الحزن والرثاء الذي ينبغي توثيقه وحفظه حتى لا ينسى ولذلك تدعو الأغنية إلى كتابه فصول هذا الحزن بالحبر الصيني الأسود الذي لا ينمحي لجودة سخامه الكربوني وعمق حزنه الموروث:
بالحِبْرْ الصيني لْكْتب عالوَرَقْ
بالحبر الصيني
علّي جَرَى لِكْ يا فْلسطيني
بالحبر الصيني
هذه الأغنية المركّبة ذات المقاطع القصيرة المطربة التي جددتها الحاجة حليمة المهجرّة من قرية بيت إكسا غربي القدس استعادت ألحانها القديمة وبدأت الناس تنظم فيها ذكرياتها ومرابع طفولتها وحكايات الآباء والأجداد عنها حيث هم اليوم في مسارح اللجوء والغربة وتمزجها بذاكرة الطبيعة المسروقة المتخيّلة والظروف التي تعاقبت على هذه الذكريات؛ وتستحق هذه الأغنية العائدة أن يعيد الناس كتابتها بما يحاكي حال حاضرنا ومعها حكمتها الأولى: “لمّوا بعضكم” لتستمر الحكاية ولا تنتهي.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات

حماس: العدوان على إيران خطير ويؤكد مركزية المعركة مع الاحتلال
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إن العدوان الإسرائيلي الواسع الذي استهدف إيران فجر اليوم يمثل "تصعيدًا خطيرًا" من...

إدانات عربية ودولية للهجوم الإسرائيلي ضد إيران وتحذيرات من انفجار إقليمي
طهران – المركز الفلسطيني للإعلام توالت ردود الفعل العربية والدولية المنددة بالتصعيد العسكري الإسرائيلي ضد إيران، وسط تحذيرات من تداعيات هذه الضربة...

الأونروا: أطفال غزة يستيقظون خلال العمليات بسبب نقص التخدير
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام حذرت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، من أن نقص مواد التخدير في المستشفيات في قطاع غزة...

الاحتلال يغلق المسجد الأقصى حتى إشعار آخر
القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام أغلقت شرطة الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، المسجد الأقصى حتى إشعار آخر، فور إعلان الجبهة الداخلية...

حماس ترحب بالقرار الأممي الداعي لوقف الحرب على غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام رحبت حركة المقاومة الإسلامية حماس، والرئاسة الفلسطينية، باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، وبأغلبية...

11 عملاً مقاوماً في الضفة الغربية المحتلة خلال 24 ساعة
الضفة – المركز الفلسطيني للإعلام تواصلت أعمال المقاومة في الضفة الغربية خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، حيث وثق مركز معلومات فلسطين "معطى" 11...

حرب إسرائيل على إيران .. اغتيالات وعدوان واسع وطهران تستعد للرد
المركز الفلسطيني للإعلام بدأت إسرائيل فجر اليوم الجمعة، حربًا على إيران، بشن عشرات الغارات الجوية على العاصمة طهران ومدن أخرى، في تصعيد عدواني دموي...