السبت 20/أبريل/2024

تل الزعتر.. المجزرة الأفظع في الذاكرة الفلسطينية

تل الزعتر.. المجزرة الأفظع في الذاكرة الفلسطينية

هي واحدة من أبشع الفظائع في العصر الحديث، وأشدها فتكًا وإرهابًا بحق الأبرياء، يصفها مؤرخون بأنها “أشد الفظائع في التاريخ الفلسطيني”، وهي واحدة من أسوأ صفحات الحرب الأهلية اللبنانية.

مخيم “تل الزعتر” -أحد المخيمات الاثني عشر في لبنان- كان مسرحًا لمجزرة بشعة عام 1976م، اقترفتها مليشيات لبنانية يمينية منها حزب الكتائب، ونمور الأحرار، وحراس الأرز، أسفرت عن 4280 شهيدًا غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، وآلاف من الجرحى والمفقودين.

وشهد المخيم قصصا مرعبة لعمليات الذبح الجماعية لضحايا قتلتهم العصابات من 12 إلى 14 آب من عام 1976م، وآخرين قتلوا خلال حصار المخيم ومعارك سبقت اقتحامه بأشهر طويلة.

ذاكرة عميقة وأليمة

ياسر علي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، قال: إن مجزرة تل الزعتر في الذاكرة الفلسطينية عميقة جدًّا، وهي جرح نازف ولا يزال حتى يومنا هذا.


 ياسر علي، عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج

وأضاف علي لمراسل “المركز الفلسطيني للإعلام” أن هناك ترددات لهذه المجزرة؛ أبرزها أن هناك مفقودين كثرًا لم يعلن عن مصيرهم بعد، علما أن كل ما نعرفه أنهم دفنوا في مناطق نائية.

وتابع: علمتنا تل الزعتر أن لا نثق بعدوٍّ أبدًاـ لا في تل الزعتر ولا في شاتيلا، وأن الخيار الأهم هو المواجهة والمقاومة والصمود، وأن أي انكسار يستغله العدو بارتكاب مجزرة كبيرة، وفي غزة وجنين تعلّم الرجال أن المقاومة هي الحل.

وأكد أنه عندما تدخَّل العمل السياسي لإبرام اتفاق لخروج المدنيين، وعند خروجنا من المخيم؛ أطلقت النار علينا وحدثت المجزرة. المجزرة قتل فيها داخل المخيم 2000، ويوم الخروج أكثر من 2200.

يقول علي، والذي كان شاهدًا على المجزرة: علمتنا تل الزعتر أن الرجال مواقف، وأن المخلصين كانوا على المحاور، وليس من كانوا في الملاجئ ثم خرجوا للتفاوض على دمائنا. أمي كانت تخبز وتعجن في فرن الثورة، ووالدي كان يساهم في قضايا أخرى، وشقيقي كان يعمل في الإمدادات.

“نحن الأطفال كنا نصنع الشموع لإرسالها لمشفى الهلال الأحمر في المخيم. علمنا تل الزعتر أنه يجب محاسبة المقصرين والخونة، الذين قصروا في تل الزعتر أصبحوا قادةً كبارًا في منظمة التحرير”، يقول علي.

وأشار إلى أن الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر ورغم المجزرة ما زالوا يسجلون الإنجازات والنجاحات في هذا العالم، يقول: “كنا محاصرين في المخيم وعيننا على فلسطين”.

يقول: تعد المجزرة من أفظع الجرائم؛ لأنها لم تترك جيلا من الأجيال إلا وأصابته في مقتل، سواء بالقتل أو الإصابة أو الإعدام، وبعض العائلات أبيدت تمامًا، ولم تخلّف أحدًا، ولا نظن أن عائلة واحدة قد نجت من هذه الجريمة.

يتابع: والدي أصيب في ساقه وخرج من المخيم مع قوافل الصليب الأحمر، وشقيقي (16 عاما) اختطف 27 يومًا، وخرج شائب الرأس.

وأشار إلى أن عدد شهداء المجزرة يفوق عدد شهداء المجازر التي حدثت في داخل فلسطين في تلك الأوقات؛ حيث قتل في المجزرة 4200 فلسطيني من أصل 17 ألفا يسكنون المخيم من ضمنهم 6 آلاف لبناني وسوري.

وبهذا تكون المليشيات قد قتلت ثلث الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر، وفق ياسر علي.

ومن الفظاعات، أنهم كانوا ينتزعون الطفل من حضن أمه، أو يقتلون الأم التي تحتضن رضيعها، ويختطفون البنات لاغتصابهن، ويعدمون الرجال على الجدران، وقتلوا الممرضات والأطباء رغم ارتدائهم الثوب الأبيض.

ومن أشد المشاهد هي أن يربَط الرجل بسيارتين، وتسيران في اتجاهين مختلفين، إلى أن يشق نصفين، وفق شهادة علي لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“.

يقول: بنت عمي عمرها 12 عامًا، ومن “حلاوة الروح” أمسك بقدمها أحد الجرحى وهي تظنه ميّتًا، حتى بدأت بالصراخ بجنون، وبنت عمي الأخرى تشدها من يدها.

وهناك قضية مهمة، تحدث عنها علي في شهادته لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أن المخيم كان يعمل على صنبور مياه واحد، كان في منطقة مكشوفة، ووضع الفدائيون حوله الحرامات والبطانيات، وكان القناص يطلق النار عشوائيا، وذهب ضحية هذا عشرات الناس وهم يملؤون الماء من الصنبور.

“يومها خرج شعار كوب الماء بكوب الدم”، يقول ياسر علي: وبقي المخيم صامدًا حتى قطعت المياه من هذا الصنبور، ويبدو أنّ قرارًا سياسيًّا كان وراء ذلك.



شهادات مؤلمة

اللاجئ محمد عبد الرحمن (70 عامًا) يقول لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “مهما تحدثت، ومهما وصفت، لن أصف ذرة مما حدث في هذه المجزرة”.

يضيف قائلًا: “حاصروا المخيم لمدَدٍ طويلة، حتى مات بعض الناس جوعًا، وضربوه بآلاف القذائف لاحقًا، وحرقوا المنازل وسكانها بداخلها”.

يتنهد الحاج وهو يتحدث عن تفاصيل المجزرة، يقول: نجوت بأعجوبة، رأيت بأم عيني مئات الجثث في الشوارع. المليشيات لم تترك محرّمًا إلا وفعلته.

وعندما دخلت المليشيات إلى المخيم، يؤكد الحاج عبد الرحمن، أنها كانت تختطف الفتيات، ومن ثم تغتصبهن، وتذبحهن، وكانوا يبقرون بطون الحوامل، ويعتقلون الرجال والشبان، ومن ثم يعدمونهم بدمٍ بارد.

شاهد عيان آخر يروي مشهدًا مرعبًا يقول: رأيت شخصًا ربطوا إحدى رجليه في سيارة، والأخرى في سيارة ثانية، وسارت السيارتان في اتجاهين مختلفين حتى شق الرجل نصفين، ما يؤكد شهادة الباحث ياسر عليّ.

يضيف أنه رأى كذلك شبانا يُربطون بشاحنات نقل وتسير فيهم بسرعات عالية؛ “يعذبون الشبان ويقتلونهم بصور لا تخطر على بال بشر”.


تسلسل المجزرة
 في بداية عام 1976م اقتحمت مليشيات مسيحية منطقة “الكارنتينا” الواقعة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية بتاريخ 18 كانون الآخِر، وقتلت حينها نحو 1500 من سكان المنطقة التي يسكنها أكراد وفلسطينيون وسوريون.

وبعد ذلك، فرضت الميليشيا اللبنانية الحصار على مخيم تل الزعتر، الذي تأسس عام 1949 (بعد عام على نكبة 1948)، ويقع في القسم الشرقي لمدينة بيروت؛ المنطقة التي كانت تسيطر عليها الأطراف المسيحية إبان الحرب الأهلية، ومساحته كيلومتر مربع واحد.

وشنت المليشيات هجومًا عنيفا بالصواريخ على مخيمي تل الزعتر وجسر الباشا وحي النبعة، استمر نحو 52 يومًا متتالية، قدرت عدد القذائف والصواريخ بـ55 ألفًا، وتمكن عناصر المليشيات من اقتحام مخيم جسر الباشا وحي النبعة في نهاية تموز 1976، وارتكبوا جرائم إبادة وقتل لا توصف.

وبعد ذلك، أبرم اتفاق يقضي بمغادرة سكان تل الزعتر مخيمهم، إلا أن المليشيات وفي السابع من آب 1976م قامت بعملية غدر، وفتحت النار على جميع السكان وهم يغادرون المخيم عزلًا من السلاح، فقتلوا المئات.

وبعد عملية الغدر هذه، دخلت مجموعة من الكتائب اللبنانية إلى داخل المخيم، وهم يطلقون النار على كل من يصادفونه، في حين أوقفت مجموعة أخرى الناقلات التي تراكم فيها الناجون على الحواجز المنصوبة على الطرقات، وقتلوا من بداخلها بطرق بوحشية، أو اقتادوهم إلى جهات مجهولة.

يتحدث مؤرخون عن أهوال المجزرة، يقولون: إن ميليشيات القوات اللبنانية كانت تفرز النساء الكبيرات في السن عن الصبايا، وفجأة تختفي الصبايا ولا نعود نراهن، وكانت أعمارهن تتراوح من 17 إلى 25 وربما أكبر.

أولئك البنات أُخذن إلى جهة مجهولة لتعذيبهن، وفي تلك المجزرة مات عدد من الناس جوعاً، ولم تعد هناك إمكانية للمقاومة بعد حصار المخيم، وحتى الجريح لم يكن باستطاعة أهل المخيم علاجه، فكانوا يكتفون بوضع الماء والملح على الجرح، ومن كان يصاب بقدمه أو بيده كانت تبتر خوفاً من تسمم جسده.

في 12 آب، سقط مخيم تل الزعتر، فدخلته الكتائب اللبنانية، وارتكبت فيه عملية إبادة، وبقر لبطون الحوامل، وهتك للأعراض، عدا عن ذبح الأطفال والنساء والشيوخ، وحدث الشيء نفسه في مخيم جسر الباشا ومنطقة “الكارنتينا”.

وبعد المجزرة سوَّت الجرافات التابعة للميليشيا اللبنانية المخيم بالأرض، وما يزال الدمار قائماً إلى اليوم.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات