الأربعاء 27/مارس/2024

محمد زكريا.. نموذج للإرادة الفلسطينية

محمد زكريا.. نموذج للإرادة الفلسطينية

لم يرَ فلسطين يومًا، إلا أنها الأحب إلى قلبه، في محطات حياته ونجاحه ومعاناته دومًا كانت فلسطين أمام عينه، يقول: “عندما أكون في مخيم البص، فإني أشم رائحة فلسطين”.

الدكتور الفلسطيني محمد محمود زكريا المولود في 1972م من طيرة حيفا المحتلة، واللاجئ في مخيم البص جنوب لبنان، يسجل إنجازات عظيمة؛ فهو من أكثر عشر أشخاص على مستوى العالم في الحصول على الدرجات العلمية في تخصصات مختلفة، في إرادة تحدٍّ كبيرة للفلسطيني أينما وجد.

“المركز الفلسطيني للإعلام” حاور الدكتور الفلسطيني، وغاص معه في تفاصيل حياته بدءًا من الحياة في زقاق مخيم البص على مدخل مدينة صور جنوب لبنان، إلى أن انتهى به الحال في السويد.

حديث النكبة
يقول زكريا: أجداده هجّرتهم العصابات الصهيونية إبان النكبة عام 1948م، من بلدة الطيرة قضاء حيفا، وخرجوا بالشاحنات إلى جنوب لبنان، وبقوا في مدينة صور شهورًا عدة، وبعدها استقر بهم الحال في مخيم البص.

يضيف: “جدي كان يعمل في الكسارة، ومياومًا بأونروا بالإعاشة، وكانوا يعملون في بيع المشاتل والخضروات، كي يستطيعوا تربية أبنائهم”.

يؤكد أن الأهالي في مخيمات لبنان يهتمون بشدة بالتعليم، وأنه رغم الصعاب الجليلة، فإن الأهالي يعلمون أبناءهم للوصول لأرقى الدرجات.

محمد زكريا الحاصل على الجنسية السويدية يشير إلى أن الفلسطيني يهتم بالعلم أكثر من المواطن السويدي، وهذا ما لمسه أثناء وجوده في الدولة.

يتحدث زكريا: والداي كانا يعملان في مدراس أونروا في مخيمات لبنان، وأصبح والدي مديرًا لإحدى المدراس، وكانا يهتمان بالعلم، والصعاب التي تعرض لها والدي كانت محفزًا لهما لتدريسي وإيصالي لمراتب عالية.

التعليم
يكمل: “درست أغلب الصفوف في مدارس خاصة، لم أدرس سوى عامين في مدارس ومعاهد أونروا فقط، حيث كنا من ذوي المستوى المعيشي المتوسط”.

“كنت في مرحلة الحضانة والابتدائية قد تعلمت في المدرسة الإنجيلية اللبنانية في مدينة صور، وكانت من أفضل مدراس منطقة صور، وأهلي رغبوا في ان اتعلم فيها، ومن الطرائف أننا كنا كل اول ايام الاسبوعالدراسي  نبدأ الدراسة يةم الاثنين صباحا في “دار الصلاة”، ويأتي أحد المبشّرين (المنصّرين) ويتحدث إلينا، ويقول لنا أغلقوا أعينكم وافعلوا الصلاة والدعاء، وكنت أقرأ الفاتحة، لم يؤثروا عليّ فيها من الناحية العقائدية، يقول زكريا.

يتابع: “كل مدّة طفولتي قضيتها في مخيم البص، وكان أكثر مكان أحبه المخيم؛ كنت عندما أدخله أشعر أني في فلسطين”.

يتحدث بإسهاب: منذ عام 1975 وحتى عام 1991 (عندما خرجت من لبنان للدراسة في دولة لاتفيا)، شهدت الحرب الأهلية، والحروب على المخيمات الفلسطينية في لبنان، كانت من الفترات الصعبة للغاية علي وعلى الشعب الفلسطيني في مخيمات لبنان.  وقبل ذلك عندما شنت “إسرائيل” الحرب على لبنان واحتلت اجزاء كبيرة منه عام  1982 اعتقل والدي وقضى عامًا ونصفًا في معتقل أنصار، قبل أن يخرج في صفقة تبادل للأسرى.

يتذكر الدكتور زكريا حرب المخيمات، يقول: “كنت في المرحلة المتوسطة من دراستي، وكنت أدرس في احدى مدارس مدينة صيدا جنوب لبنان، وفي احد الايام أرسل لي أهلي رسالة مع احد الاشخاص أن لا أعود يومها إلى مخيم البص، خوفًا على حياتي لان عدوانا على المخيمات في منطقة صور قد بدا، وذهبت للعيش عند أقرباء زوجة خالي في صيدا، وكان عمري اقل من 14 عامًا، وبقيت عندهم 4 أشهر ولم أكن أعرفهم حتى ذلك الحين. شعرت بالمعاناة الشديدة جراء البعد عن الاهل في ذلك الوقت “.

السفر إلى لاتفيا
وعن قصة سفره إلى لاتفيا، يقول: “عندما أنهيت الثانوية العامة في لبنان وكذلك دورة التدريب المهني التابه لاونروا لمدة عام في مخيم البص ، بدات دراسة الصحة العامة في مركز سبلين التابع لأونروا لمدة شهرين، لكن أهلي نصحوني بأن أفكر بالمستقبل الأفضل والسفر لدراسة الطب في لاتفيا، وسافرت”.

“كان والداي يقولان لي انه لا يوجد مستقبل لنا في لبنان، وذهبت لدراسة الطب في لاتفيا، وكانت القسط الجامعي ليس عاليًا جدا في نهاية 1991م”.

وعندما وصل الدكتور زكريا إلى لاتفيا، كان ذلك في أوائل الأشهر التي تلت انفصالها عن الاتحاد السوفييتي سابقا، يقول: كنا نقف بالطابور لساعات لشراء  الخبز تحت البرد والثلج الشديد، وفي بعض المرات لا نحظى بذلك.

يضيف أنه بدأ بدراسة اللغة الروسية (واحدة من اللغتين الرسميتين في لاتفيا حتى 1992)، “وأنا وصلت متأخرًا للدراسة، وكن ذلك في شهر 12، والعام الدراسي في الجامعات هناك يبدأ في اول شهر 9، وبدأت باستثمار الوقت في دراسة اللغة الروسية. كانت دراسة اللغة صعبة جدًّا، ولم أكن أعرف عنها شيئا”.

درست الطب لعامين، ولم أوفق فيه، ورسبت في مادة الكيمياء الحيوية مرتين، ولكني صنعت من الفشل نجاحا ولم أستسلم، وذهبت لدراسة الهندسة الطبية والفيزياء الطبية في جامعة ريغا التقنية في دولة لاتفيا، حيث أنهيت البكالوريس والماجستير،. ولأني فلسطنيي ولا يوجد عمل لي في لبنان ولا حتى في لاتفيا، هنا قررت البدء بدراسة الدكتوراه في الهندسة ريثما ابحث عن دولة أخرى للسفر إليها من أجل العمل، يقول الدكتور الفلسطيني.

قصة الذهاب إلى السويد

يكمل: “حضرت مؤتمرًا في جامعة ريغا التقنية، برعاية هيئة الطاقة الذرية الدولية، وقدمت فيه عرضًا عن نتائج بحثي الخاص برسالة الماجستير، وكان هناك في المؤتمر برفيسور من السويد، فتحدثت معه عن فرص إكمال الدكتوراه أو أن أسافر هناك لاجراء بحوث علمية في السويد، ونصحني بالتقديم على منحة من المعهد السويدي لتغطية تكاليف الحياة في السويد، وفي الوقت نفسه كان هناك ايضا في المؤتمر بروفيسور  آخر من ألمانيا،  وتحدثت معه أيضا ونصحني كذلك بان اقدم للحصول على منحة”.

 “لذا قدمت على منح في كلا البلدين وفي اتجاهات متعددة، ولكي أستطيع التقديم عليهما كان يجب الحصول على دعوة لعمل بحوث عندهم من  الجامعة. وفي نفس الوقت  قدمت طلب لدراسة علوم البيئة والاستدامة في جامعة لوند جنوب السويد وهي واحدة من افضل مئة جامعة من جامعات العالم”.

يقول: “كل الجهات التي قدمت لها، جاءني منها قبول، في ألمانيا والسويد”.

يضيف أن أحد أبرز الأسباب لتركه دولة لاتفيا والبحث عن منحة كان ارتفاع مصاريف العيش فيها عام 1999م، وعدم قدرة الأهل في مخيم البص على  إرسال الأموال لتغطية مصاريف الحياةةوالدراسة المتزايدة خصوصا أنهم يعلمون 3 إخوة غيره، ولذا كان من المستحيل أن أزاول دراسة الدكتوراه هناك وأن أدفع مصاريف دراسة الدكتوراه في لاتفيا.

وشاءت الأقدار أن تتكفل هيئة الإغاثة الإسلامية في السويد بدفع تكاليف سنة واحدة من قسط الجامعة لدراسة الدكتوراه،. نصحني برفيسور ممن استشرتهم أن أختار دراسة ماجستير في تخصص علم البيئة والاستدامة في السويد وأن أكمل دراسة الدكتوراه في الهندسة التي كنت قد بدأت بها بذات الوقت 50% اي دراسة بنصف دوام.  وكان ذلك كذلك، ولذا أنهيت دراسة الدكتوراه في الهندسة في جامعة ريغا التقنية في لاتفيا في شهر 9 عام 2007.

وعندما أنهيت دراسة المجستير في البيئة، عملت في أحد مشاريع البحوث في جامعة لوند لمدة عامين، ولكن مدة عقد العمل انتهت ولكي أبقى في السويد بطريقة شرعية كان يجب علي ان اجد عمل، ولم أجد بدأت بدراسة العلاقات الدولية ودراسات الحرب والسلام وكذلك دراة علوم الاظارة والاقتصاد  ومددت الإقامة عن طريق دراستي، ووجدت عملا في جامعة لوند.

“ولأني عملت 4 سنوات مع إقامة عمل، قدمت على إقامة دائمة في السويد، وبظا رفضوا في دائرة الهجرة استلام طلب الاقامة الدائمة ولكني أصريت على تقديم الأوراق، وقدمت كل أوراق شهاداتي وخبراتي وكذلك اوراق دعم لطلبي من الذين عملت تحت اشرافهم في جامعة لوند ، وبعد 3 أشهر جاءت لي رسالة بالموافقة”. يقول الدكتور محمد زكريا.

“لم أصدّق من الفرح، وبلغت أهلي أن معي إقامة دائمة، وكانت أول إقامة دائمة لي في الحياة. كنت بلبنان مجرد لاجئ”.

“ولأني كنت بلا جنسية لكوني فلسطينيًّا مهجرًا إلى لبنان، كان يجب الانتظار 4 سنوات إضافية للحصول على الجنسية بظلا من الخمس سنوات، وخلال ذلك الوقت أكملت الدراسة في تخصصات أخرى، وحتى 2012 حصلت على الجنسية السويدية”.

فلسطين في عقلي
يؤكد: “لا أنسى فلسطين، فلسطين بعقلي وقلبي، كان حصولي على الجنسية السويدية مهما لاننا نحن فلسطينيي لبنان مشتتون ولا عمل ولا فرص لدينا في لبنان وحتى لا حق لنا في التملك، فلهذا كان حصولي على الجنسية السويدية مهمًّا”.

يقول الدكتور زكريا: “نحن نبقى غرباء في كل بقاع الدنيا إلا في فلسطين، لم أرى فلسطين في حياتي، أتمنى زيارتها، أنا كسويدي أستطيع زيارتها ولكن لن أفعل حاليا، لأنها تحت الاحتلال، ومن الصعب ان أرى بلدي تحكمه بندقية محتلة”.

ويقول الدكتور زكريا: “إن العودة حق، وسنعود لها، ونحن في الشتات سنبقى فلسطينيين، وأنا أربي ابنتي على حب فلسطين واتكلم عن قضية فلسطين، وأقول لها أنها من طيرة الكرمل، وأحدثها عن النكبة وأصف لها الطيرة كما أخبرني عنها أبي وأجدادي، وأن فلسطين محتلة، ومهما طال الاحتلال هو إلى زوال”.

يختم قائلا: ولله الحمد في نهاية رحلتي الدراسية المحصلة هي  شهادة دكتوراه في الهندسة الطبية والفيزياء الطبية، و10 شهادات ماجستير 9 منهم من جامعات  السويد وواحدة من جامعة ريغا التقنية في لاتفيا، و3 شهادات بكالوريس، وشهادة من المعهد الفني التقني في لبنان (أول شهادة قبل السفر).

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة

الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة في الضفة

الضفة الغربية – المركز الفلسطيني للإعلام شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة الماضية وفجر اليوم الأربعاء، حملة دهم واعتقالات في مناطق متفرقة من...