الأربعاء 27/مارس/2024

تسجيل الاحتلال أراضي محيط الأقصى لليهود.. قفزة على طريق التهويد الكليّ

تسجيل الاحتلال أراضي محيط الأقصى لليهود.. قفزة على طريق التهويد الكليّ

منذ مطلع هذا العام، كثفت سلطات الاحتلال وأذرعها الاستيطانية هجماتها التهويدية الشرسة في مدينة القدس المحتلة، بهدف فرض أمر واقع جديد، يغير طابع المدينة وهويتها الحضارية العربية الإسلامية، ويشوه آثارها وتاريخها العريق، ضمن مساعيها لحسم أمر القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال.

وتُسرع سلطات الاحتلال في تنفيذ عشرات المشاريع التهويدية مثل “وادي السيليكون” و”مركز مدينة القدس الشرقية” و”مشروع الهايتك” و”الحدائق التوراتية” و”E1″ و”الحديقة القومية” و”تسوية الأراضِ” وغيرها الكثير، بهدف تهويد المدينة المقدسة، وتغيير واقعها الجغرافي والديموغرافي.

ومؤخرًا  شرعت سلطات الاحتلال عن طريق وزارة قضائها في تهويد مساحات واسعة (تبلغ 350 دونماً) من الأراضي في مدينة القدس المحتلة، من خلال تسجيل ملكية مناطق واسعة في المدينة المحتلة، تشمل مساحات في محيط البلدة القديمة والمسجد الأقصى، باسم أشخاص يهود، باستخدام ميزانية مخصصة لـ”تقليص الفجوات وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين في القدس”. 

وكشفت صحيفة “هآرتس” العبرية في تقرير لها -مساء الأحد الماضي- أن إجراءات التسجيل بدأت الأسبوع الماضي، وتشمل الأراضي الواقعة ضمن مخطط “الحديقة القومية” حول أسوار البلدة القديمة جنوب المسجد الأقصى، والتي تشمل مناطقَ في بلدتي الطور والعيساوية، وسط القدس المحتلة.

وذكر التقرير أن إجراءات التسجيل تعتمد على ميزانية كانت قد خصصتها حكومة الاحتلال لما وصفته بـ”تقليص الفجوات وتحسين نوعية حياة الفلسطينيين المقيمين في القدس”، ولكن في الواقع يُستخدم التسجيل أساسًا لتسجيل الأراضي بملكية يهودية، وأشارت إلى أن المقدسيين يتخوفون من التعاون مع المسؤولين في وزارة القضاء التابعة لحكومة الاحتلال.

وقال التقرير: إن تسجيل الأراضي التي تقع ضمن مخطط الحديقة الأثرية في القدس، قد يؤدي إلى اعتراض مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في القدس والجانبين الأردني والفلسطيني على هذا الإجراء الذي يستهدف العديد من الأراضي التي يسعى الاحتلال إلى تهويدها في القدس المحتلة.

ولفت التقرير إلى أن مسؤول تسجيل الأراضي لدى بلدية الاحتلال في القدس “دافيد روتنبرغ” شرع في إجراءات تسجيل العديد من المقاطع (المناطق التي ستمنح أولوية لتسجيلها) في القدس في العامين الماضيين، عقب صدور قرار حكومي في هذا الشأن في العام 2018.

وأوضح التقرير أن هذا الإجراء لقي معارضة واسعة من جمعيات حقوقية لكونه يستهدف أراضي بملكية يهودية أو بملكية “القيم (الوصي/ حارس) على أملاك الغائبين”، والتي تشمل مقاطع تتضمن مشاريع وأحياء استيطانية مستقبلية مخطط لها.

انتهاء التسجيل في حي الشيخ جراح

وبينت الصحيفة أن عملية التسجيل انتهت تقريبًا في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، وقالت إنه “تم تسجيل جميع الأراضي تقريبًا باسم ملّاك يهود”.

كما تستهدف أراضي في أرض السمار (منطقة التلة الفرنسية)، حيث من المخطط أن يُبنى حي استيطاني جديد يسمى “غفعات هشاكيد” في جنوب القدس.

كما تستهدف عملية التهويد منطقة تقع بين مستوطنة “هارحوما” وبلدة صور باهر، بالقرب من المستوطنة الحريدية “هار شلومو” مسجلة بملكية “حارس الأملاك”، بالإضافة إلى منطقة أخرى من المقرر أن يقام بها حي استيطاني جديد في مستوطنة “عطروت” شمالي مدينة القدس المحتلة، مسجلة كذلك باسم “حارس الأملاك”.

ميزانية ضخمة

ولفتت “هآرتس” إلى أن عملية التسجيل التهويدية للأراضي في القدس تتم بميزانية كانت تهدف في الأصل إلى “خلق مستقبل أفضل لسكان شرقي القدس”، كما جاء في منشورات وزارة شؤون القدس في حكومة الاحتلال.

وكانت حكومة الاحتلال قد صدّقت عام 2018، بحسب التقرير، على خطة خمسية لـ”تقليص الفجوات” في شرقي القدس، وجزءًا من القرار، الذي بلغت ميزانيته أكثر من ملياري شيكل، خصّصت ميزانيات لمجموعة متنوعة من الوزارات.

وبضغوطات من وزيرة القضاء حينها، ايليت شاكيد، تلقت الوزارة ميزانية لإنشاء نظام لتسجيل الأراضي شرق المدينة المحتلة.

وأوضح التقرير أن وزارة القضاء تسعى لإتمام عملية تسجيل الأراضي في حي أبو الطور ووادي ابن هنوم وغيرها من المناطق المحيطة بأسوار البلدة القديمة خلال الأسابيع المقبلة.

ومنذ احتلال المدينة المقدسة جميعها عام 1967، لم تسجل سلطات الاحتلال ملكية الأراضِي في شرقي القدس. وحتى يومنا هذا أكثر من 90% من الأراضِي في شرق القدس، غير منظمة أو مسجلة بملكية أحد في سجلات وزارة قضاء الاحتلال.

وقالت “هآرتس”: إن ذلك يعطل إجراءات الحصول على تصاريح بناء في المنطقة، كما أنه يشجع التعامل مع السوق السوداء في مجال العقارات في القدس.

حسم سيادة الاحتلال على القدس

في حديث خاص لـ”المركز الفلسطيني للإعلام” أكد الباحث المختص في شؤون القدس، فخري أبو دياب أن سلطات الاحتلال تعمل بتسارُع من أجل حسم سيادتها على القدس، باعتبارها عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، من خلال فرض وقائع جديدة على الأرض، وطمس جميع المعالم العربية والإسلامية فيها.

ويضيف أن أولوية الحكومة الحالية والحكومات القادمة، هي سلب الأراضي، وتصفية الوجود العربي في المدينة المقدسة؛ إذ يتم تفصيل القوانين والقرارات على مقاس المستوطنين، لجعل القدس مدينة طاردة للفلسطينيين، وجلب المزيد من المستوطنين إليها.

ويوضح أبو دياب أن سلطات الاحتلال تدعي بأن مشروع “تسوية الأراضي” يهدف لتحسين معيشة المقدسيين، لكن الحقيقة هي أن سلطات الاحتلال تسعى من خلال هذا المشروع للاستيلاء على هذه الأراضي وتحويلها لأراضي دولة، ليسهل تحويل ملكيتها  للجمعيات الاستيطانية، مؤكدًا أن الاحتلال يحاول دائمًا تغليف مشاريعه التهويدية بغلاف حسن لتسويقها، وتقليل الاعتراض عليها، لاسيما أنها تخالف القانون الدولي.

ويضيف بدأت هذه العملية في منطقة القصور الأموية، وحائط البراق المحيطة بالمسجد الأقصى، بهدف محاصرته، وتطبيق القرار رقم “3970” الذي صدر عام 2018 عليها، من أجل تحويلها من أراضِ وقفية تابعة للأوقاف الإسلامية، والوصاية الأردنية، لأراضٍ تابعة لدولة الاحتلال. (والقرار رقم 3970 الصادر عام 2018 هو قرار أصدرته حكومة الاحتلال، يقضي بتسوية الأراضي الموجودة في الجزء الشرقي من مدينة القدس).

ويتابع الباحث المختص في شؤن القدس: “حتى يتم قطع الطريق أمام دائرة الأوقاف الإسلامية، والسلطات الأردنية لاتخاذ أي خطوات قانونية، أو إعاقة هذه المشاريع، بدأت سلطات الاحتلال بوتيرة متسارعة في أعمال حفر وتهويد في محيط الأقصى، لاسيما منطقة القصور الأموية الملاصقة للسور الجنوبي للمسجد الأقصى، والممتدة على مساحة 17 دونمًا، وعملت على طمس للآثار العربية والإسلامية والشواهد التاريخية في هذه المنطقة؛ لأن الاحتلال يهدف لإقامة ما تسمى مرافق الهيكل المزعوم، وتدمير الإرث الحضاري للتاريخ العربي والإسلامي في هذه المنطقة، ولفتح بوابة وطريق للمستوطنين للدخول من خلالها للمسجد الأقصى”.

وأكد أن هذه الحفريات أدت لخلخلة أساسات السور الجنوبي والجنوبي الغربي للمسجد الأقصى، وتصدّع بعض الجدران وسقوط الحجارة.

ويبين أبو دياب أن مشروع “تسوية الأراضي” سيشمل العديد من المناطق، خاصة في “الحوض المقدس” الذي يمتد من الشيخ جراح شمالي البلدة القديمة، وصولاً إلى بلدة سلوان جنوبي المسجد الأقصى، على مساحة 17500 دونم.

مشروع خطير

ويوضح الباحث المختص في شؤون القدس، أن مشروع “تسوية الأراضي” من أخطر المشاريع التي تنفذها سلطات الاحتلال في القدس، تحديدًا حول المسجد الأقصى؛ فالتسوية تعني أن يذهب كل شخص يمتلك أرضًا في الجزء الشرقي من القدس إلى ما تسمى وزارة العدل الإسرائيلية لتسجيلها.

يتابع: “وهذا يعني أن كل شخص له شركاء في ملكية الأرض، ويعيشون خارج فلسطين، سيسري عليها قانون أملاك الغائبين، أي أن يشاركه الاحتلال في ملكية الأرض، ومن يمتلك أوراق طابو -وهم قلة- سيسري عليهم قانون ضريبة الأملاك، وهو ما يفوق ثمن الأرض، ومن لا يملك أي وثائق -وهم الأغلبية في القدس- سيفقد حقه في الأرض، وتذهب ملكيتها للجمعيات الاستيطانية”.

ويشير إلى أن أغلب الأراضي الخاصة في القدس، تم توارثها أبًا عن جد وليس لها أي تسجيلات رسمية، ما يرجح للاحتلال سهولة تحويلها لأراضي دولة، ثم نقل ملكيتها للجمعيات الاستيطانية.

وأوضح أن تسوية الأراضي في الجزء الشرقي من مدينة القدس كانت في مدّة الانتداب البريطاني، ثم في مدّة الوجود الأردني، لكن لم يسجل إلا ما نسبته 32٪ من الأراضي، أي أن أكثرمن ثلثي الأراضِي لم تسجَّل، ومنذ احتلال المدينة المقدسة جميعها عام 1967 لم تسجل سلطات الاحتلال ملكية الأراضي في شرقي القدس.

أساليب المواجهة

وحول أساليب المواجهة، أكد الباحث المختص في شؤون القدس أنه يجب أن لا تكون الأراضي المقدسية لقمة سائغة بيد الاحتلال، داعيًا جميع المقدسيين إلى عدم التعاطي والتعامل مطلقاً مع مشروع “تسوية الأراضي”؛ لأنه فخ لهم لسلب أراضيهم وسرقة أموالهم، وفرض وقائع تهويدية جديدة في المدينة المقدسة.

وأضاف: “يجب على الجميع أن يدرك أن إفشال هذه المخططات واجب شرعي ووطني. يجب الوقوف ضدها بفعاليات ونشاطات جماهيرية وشعبية، ورسمية وقانونية، إلى جانب الضغط السياسي من العالم العربي والإسلامي، فالأمر يمس كل أراضي القدس، لاسيما الأراضي الوقفية والمقدسات التي أصبحت في عين العاصفة”.

وتابع: الكثير من هذه لأراضي التي بدأوا بتحويلها إلى أراضي دولة هي وقفية وتتبع مباشرة للوصاية الأردنية، لذلك على الأردن التحرك لوقف هذه الممارسات، فالأردن والدول العربية تمتلك أوراق ضغط، وعليها استعمالها، لاسيما أن الاحتلال بدأ بجسّ النبض من خلال الممارسات التي يقوم بها في محيط المسجد الأقصى، وإن نجح ولم يجد أي اعتراض ستكون الخطوة الثانية الدخول لباحات الأقصى واعتبار أي جزء منه أراضي دولة واقتطاعها.

وشدد أنه في حال نفِّذ هذا الأمر على الأراضي الوقفية، فإنه سيتم على كل الأراضي في المدينة المقدّسة، وستؤدي حتمًا إلى تغيير المشهد فيها وتهويد واقعها.

قفزة على طريق التهويد الكليّ
ويتجنب المقدسيون التعامل مع وزارات الاحتلال في مجال تسجيل الأراضي؛ خوفًا من تسريبها أو تهويدها أو احتيال سلطات الاحتلال للسيطرة عليها تمهيدًا لاستغلالها في مشاريع استيطانية، أو سلبها والمطالبة بملكية العقار أو أجزاء منه، بالاعتماد على قانون أملاك الغائبين الذي يسمح لـ”حارس الأملاك” بسلب الأصول إذا كانت مسجلة باسم أشخاص موجودين في أراضي “العدو” أو حتى كانوا موجودين فيها.

وفي هذا السياق، أوضح المحامي غال يانوفسكي، من منظمة “عير عميم” الحقوقية الإسرائيلية الرافضة للاستيطان، أنه “كان من المفترض أن تكون تسوية تسجيل الأرض لمصلحة السكان، لكن من الواضح أنه لا يمكن لأحد الاستفادة من هذه التسوية، وأنها مرحلة أخرى من مراحل سيطرة الدولة على المنطقة”.

وأضاف: في هذه المرحلة إجراءات التسجيل تشكل “قفزة إلى الأمام (في مخطط تهويد القدس)، التسوية بجوار المسجد الأقصى هي محاولة من إسرائيل للسيطرة على المنطقة الأكثر حساسية في المدينة”.

من جانبها، أوضحت المهندسة شري كرونيش، من جمعية “بمكوم- مخطّطون من أجل حقوق التخطيط”، “مع مرور الوقت نرى أن مشروع تسجيل الأراضي يستغل لمصالح الدولة والمشروع الاستيطاني وليس لمصلحة سكان القدس الشرقية”.

سياسات مركبة
من جانبه، قال الكاتب والباحث الفلسطيني ساري

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات