حاجة الفلسطينيين إلى قيادة
لعبت منظمة التحرير على مدار عقود دوراً مهما في قيادة الفلسطينيين، وتوجيههم وتمثيلهم، والتحدث باسمهم، ثم بدأ ذلك الدور بالتضاؤل رويدا رويدا، مع تخليها أو تخلي قيادتها عن أهم أدوارها، وهو مقاومة الاحتلال، والعمل على تحرير فلسطين كاملة غير منقوصة، من البحر إلى النهر.
الأمر الذي دفع الفلسطينيين للبحث عن بدائل تحقق لهم تلك الحاجة الملحة، وهي مقاومة العدو، فتصاعدت قوة الفصائل المقاومة كحماس، والجهاد الإسلامي، وباتت تمثل خياراً مقاوماً سياسيا وعسكريا واجتماعيا، لجزء كبير من الجماهير الفلسطينية، التي عبّرت عن ذلك بانخراطها في تلك الفصائل أو تأييدها، وانتخابها والمشاركة في فعالياتها الجماهيرية.
لكن تلك الفصائل بالإضافة لفصائل المنظمة التي ظلت مصرة على مسارها المقاوم، لم تنجح في تشكيل بديل ملائم يعبّر عن الكل الفلسطيني، ويقوده، ويمثله، بل ظلت مجرد رافضة لأوسلو، وما ترتب عليها من التزامات انحدرت بالسلطة الفلسطينية وصولا للدرك الأسفل من التنسيق الأمني، الذي لم يعد سلوكا عاديا من وجهة نظر مناصريه فحسب، بل بات ضروريا وملحاً.
هذا الرفض لا يصلح برنامجاً سياسيا، بل كان لابد من مبادرة، تتقدم خطوات إلى الأمام، تاركة الآخرين في خانة رد الفعل، لكن تلك المبادرة لم تأتِ حتى اللحظة، وظل كثير من الفلسطينيين يناشدون السلطة وقيادتها، وينتظرون تغيرها، وهو ضرب من المستحيل، فالسلطة لن تتغير، وقيادتها لن تتخلى يوماً عن مشروع التنسيق الأمني، الذي لن ينتهي إلا بانتهاء السلطة نفسها، وإعادة بناء سلطة وطنية يقوم جوهر وجودها على مقاومة الاحتلال، وحماية المقاومة.
مع تعطيل رئيس السلطة محمود عباس لعجلة الانتخابات التشريعية الأخيرة تصاعد الحديث عن ضرورة إيجاد قيادة بديلة، وكان أن اجتمعت بعض القوائم المرشحة على أمل أن تُشكل تجمعا يطرح نفسه كممثل للشعب الفلسطيني، أو على الأقل كطليعة متقدمة تضغط على السلطة لتغيير موقفها، لكن ذلك لم ينجح لاعتبارات كثيرة، أهمها قوة سيطرة الفصائل على المشهد الفلسطيني، وضعف الإمكانات المالية، والتنظيمية لكثير من تلك القوائم.
ثم تجدد الحديث في هذه القضية مع اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الذي استثنى الفصائل الكبيرة من خارج المنظمة كحماس والجهاد الإسلامي، وقاطعته الجبهة الشعبية التي تعد ثاني أكبر الفصائل في المنظمة، والمبادرة الوطنية، وانسحب منه حزب الشعب احتجاجا، وقد تطور الأمر لاحقاً وصولا لتعيين حسين الشيخ أمينا لسر المنظمة، دون أن يعرف أحد آلية هذا الاختيار، فيما راجت الأحاديث عن أن تلك أول خطوة في ترتيبات ما بعد عباس.
مع ذلك الاجتماع الذي لم يكن حريصا على حشد كل الفلسطينيين في رحابه، تصاعدت مظاهر تحالف فصائلي جديد يجمع بين حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، وقد ظهرت ملامحه في عدد من الانتخابات النقابية، وبدأ البعض بالحديث عن جبهة وطنية تهدف لتحرير منظمة التحرير من مختطفيها الذين يحتكرون صناعة قرارها، دون أي شرعية تمنحهم هذا الحق، ودون أي تمثيل حقيقي للجماهير الفلسطينية في الداخل والخارج.
ويمكن لهذه الجبهة أن تتوسع لتضم فصائل جديدة، أو تيارات منشقة عن فصائل أخرى مثل التيار الإصلاحي الذي يقوده محمد دحلان، كما يمكن أن تنضم إليها مكونات شعبية غير فصائلية، مثل المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج، وهو ما يضع قيادة السلطة أمام حرج كبير، ويدفعها -إن كان لديها من الحيوية ما يؤهلها لاستيعاب ما يجري حولها- لمحاولة التجاوب مع المطالبات المتعددة بضرورة التغيير، والعودة للاحتكام إلى الشعب الفلسطيني.
وأتصور -قياسا على سلوك قيادة السلطة تجاه الغاضبين من أبناء فتح كدحلان وناصر القدوة- أنها لن تتجاوب مع ذلك، وستصر على موقفها، وهو ما يضع الفلسطينيين جميعاً أمام مسؤولياتهم الكبيرة بضرورة العمل على تشكيل قيادة حقيقية تقود جماهير الشعب الفلسطيني، على أن تكون قيادة جماعية تمثل كافة التيارات الرئيسية في الشعب الفلسطيني دون استثناء لأحد، في إطار مرحلة انتقالية تُمهد للوصول إلى انتخاب قيادة فلسطينية لائقة بتضحيات الفلسطينيين وتطلعاتهم.
قد يرى البعض أن هذا غير ممكن في الضفة؛ حيث تقمع السلطة أي حراك لا يعجبها، لكن هذه القيادة ستزعزع موقفها بشكل كبير، وقد تدفعها للتجاوب، أو التراجع قليلاً لصالح احترام رغبات الشعب الفلسطيني أو قرارته، وإذا لم تفعل سيتعزز الرفض الشعبي لها أكثر فأكثر، كما أن الواقع في الضفة لن يدوم إلى الأبد، فكثير من القراءات تشير إلى احتمالية حدوث تغيير في أي لحظة، والأصل أن نكون جاهزين لذلك التغيير مسبقا، بدلا من الركض وراءه بشكل متأخر.
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
بعد 200 يوم العدوان.. الأغذية العالمي: نصف سكان غزة يعانون الجوع
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الثلاثاء، إنه بعد مرور 200 يوم على الحرب الإسرائيلية على غزة،...
الأورومتوسطي: الاحتلال يبدأ في محو ما تبقى من بيت لاهيا وقتل وتهجير ساكنيها
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من ارتكاب الجيش الإسرائيلي مذبحة جديدة في بلدة بيت لاهيا في شمال قطاع غزة ومحو...
الرشق: بعد 200 يوم من العدوان.. غزة ما زالت تكتب التاريخ
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس عزت الرشق، أنّ غزة بعد 200 يوم من العدوان عليها ما زالت تكتب التاريخ، مشددًا على...
استشهاد لبنانيتين و6 إصابات بغارة صهيونية على منزل في الجنوب
بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام استشهدت لبنانيتان وأصيب 6 أشخاص، الثلاثاء، جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزلا كانوا فيه في بلدة حانين جنوبي لبنان....
جيش الاحتلال يُعلن مقتل أحد ضباطه برصاص المقاومة شمال غزة
رام الله – المركز الفلسطيني للإعلام أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الثلاثاء، مقتل جندي برتبة "رائد احتياط" برصاص المقاومة الفلسطينية، خلال...
الأمم المتحدة تطالب بتحقيق دولي في المقابر الجماعية بمستشفيات غزة
نيويورك – المركز الفلسطيني للإعلام قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، الثلاثاء، إنه يشعر "بالذعر من تدمير مجمعي ناصر والشفاء...
أونروا ترصد مشاهد الدمار الهائل في غزة بعد 200 يوم من الحرب
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الثلاثاء، إن 200 يوم من الحرب الإسرائيلية على غزة خلفت "دمارا في...