السبت 20/أبريل/2024

شيرين أبو عاقلة.. الشاهدة الشهيدة

شيرين أبو عاقلة.. الشاهدة الشهيدة

أعدمت قوات الاحتلال الصهيونية، صباح اليوم الأربعاء (11-5)، الصحفية شيرين أبو عاقلة عن سبق إصرار وترصد، في جريمة واضحة للعيان بأنّها لم تكن أدنى من إعدام ميداني؛ حيث استشهدت أبو عاقلة وهي على مشارف مخيم جنين أثناء تغطيتها لجريمة اقتحامه.

وأوضحت مصادر صحفية وميدانية ومتطابقة، أن الزميلة أبو عاقلة لم تكن في منطقة تدور فيها اشتباكات مع قوات الاحتلال، فيما أكّد وليد العمري -مراسل الجزيرة في رام الله- أنّ الزميلة أبو عاقلة استشهدت برصاصة قناص صهيوني أصابت رأسها مباشرة رغم أنها كانت ترتدي خوذة ودرع الصحافة.

إعدام متعمد

يقول الصحفي مجاهد السعدي: “تجمعنا أنا وزملائي الصحفيين في نقطة قريبة جدًّا من قوات الاحتلال، وجهزنا حالنا، وكنا مرتدين كل المعدات من الواقي والخوذة، برفقة الزميلة شيرين أبو عاقلة، والزميلة شذا حنايشة، وكشفنا حالنا للجيش حتى يتم التعريف بأننا صحفيون، تقدمنا أمتار معدودة تجاه مصنع البلوك”.

ويضيف: “حينها أطلقت النار علينا مباشرة، فالتفتت خلفي لأطمئن على زملائي، فوجدت شيرين قد وقعت على الأرض على وجهها، وحينها باغتتنا قوات الاحتلال بإطلاق المزيد من النار، فاحتمينا بسور، ولم يكن بوسعنا إسعاف الزميلة شيرين”.

وتابع: “حينها أدركنا أنّ شيرين استهدفت برصاصة قناص مباشرة في الرأس في منطقة أسفل الأذن، وذلك رغم أنها كانت ترتدي الخوذة والدرع”، مبيناً أنّ الاحتلال كان يصر على قتلنا عبر القناصة، وحتى من حاول إنقاذ شيرين كان يطلق عليه.

بدوره؛ دان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بشدة مقتل الصحافية الفلسطينية ومراسلة قناة الجزيرة، الصحافية “شيرين أبو عاقلة” أثناء اقتحام الجيش الإسرائيلي مخيم جنين شمالي الضفة الغربية.

وقال المرصد الأورومتوسطي في بيان صحفي وصل “المركز الفلسطيني للإعلام” نسخة عنه، أنّه تابع بصدمة بالغة نبأ مقتل الصحافية “أبو عاقلة” (50 عامًا) أثناء عملها الميداني، إذ أُصيبت برصاصة في الرأس رغم ارتدائها درعًا عليه شارة الصحافة، وخوذة حماية يميزانها بوضوح عن غيرها من المتواجدين في المكان.

وقال المرصد الأورومتوسطي، إنّ تحقيقاته الأولية تشير إلى أن الصحافية “أبو عاقلة” قُتلت برصاصة إسرائيلية أصابتها أسفل أذنها في المنطقة غير المحمية من الخوذة التي كانت ترتديها، حسب إفادات حصل عليها من شهود عيان.

ووفق الإفادات، وصلت في حوالي الساعة 6:30 صباح اليوم الأربعاء مركبة تقل مجموعة من الصحافيين إلى الدوار الأول في مخيم جنين لتغطية اقتحام قوات الاحتلال للمخيم، حيث كانت قوات الجيش تنتشر في المكان، واعتلى قناصة الجيش أسطح عدد من المنازل في المخيم. وترجلت الصحافية “أبو عاقلة” من المركبة مرتدية ملابس الحماية الخاصة بالصحافة، وسارت عدة خطوات ليطلق أحد “القناصة الإسرائيليين النار عليها ويصيبها بعيار ناري أسفل الأذن، تحديدًا في المنطقة الوحيدة التي لا تغطيها الخوذة.” حسب إفادة شاهد عيان.

وأشار الأورومتوسطي إلى أنّ طبيعة إصابة “أبو عاقلة” قد تشير إلى أنّ الجيش الإسرائيلي أصابها في منطقة قاتلة على نحو يبدو متعمدًا، إذ استمر جنود الجيش بإطلاق النار على كل من يحاول الاقتراب منها ما أعاق عملية إسعافها عدة دقائق.

وأصيب في نفس الحادثة الصحافي “علي سمودي” بعيار ناري في ظهره، ونُقل إلى المستشفى في حالة متوسطة، حيث قال في فيديو مصّور من المستشفى أثناء تلقيه العلاج: “أثناء تغطيتنا لعملية الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، أطلق علينا الجنود النار فجأة دون أي تحذير، فأُصيبت “شيرين” برصاصة في رأسها، وأُصبت أنا برصاصة في ظهري. لم يكن أي مسلّح فلسطيني في المنطقة وقت إطلاق قوات الاحتلال النار علينا”.

ودعا المرصد الأورومتوسطي إلى فتح تحقيق دولي مستقل في حادثة مقتل الصحافية “شيرين أبو عاقلة”، بما يُفضي إلى محاسبة المتورطين فيها، ووضع حدٍّ للاستهداف الإسرائيلي الممنهج للعمل الصحافي في الأراضي الفلسطينية.

سيرة ومسيرة

ارتبط اسم شيرين أبو عاقلة خلال عقدين من الزمن مباشرة بفلسطين، وارتبطت ذاكرة جيل كامل بوجهها، وبصورتها وهي ترتدي الخوذة والسترة الواقية من الرصاص، لتغطي الاعتداءات المتواصلة للاحتلال ضد الفلسطينيين.

لكن اليوم لم تنجح السترة التي استشهدت أبو عاقلة وهي ترتديها في حمايتها من رصاص الاحتلال الإسرائيلي، فاستشهدت بعد وقت قصير من إصابتها.

شيرين نصري أبو عاقلة وُلدت في عام 1971 في القدس المحتلة، لأسرة مسيحية مقدسية فلسطينية، يعود أصل عائلتها إلى مدينة بيت لحم في الضفة المحتلة، لكنها وُلدت وترعرت في القدس.

أنهت شيرين دراستها الثانوية في مدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا بالقدس، ومن ثم درست في البداية الهندسة المعمارية في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، وانتقلت إلى تخصص الصحافة المكتوبة، وحصلت على درجة البكالوريوس من جامعة اليرموك في الأردن.

عادت بعد التخرج إلى فلسطين، وعملت في عدة مواقع مثل وكالة الأونروا، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، ولاحقًا انتقلت للعمل في عام 1997 مع قناة الجزيرة الفضائية حتى ارتقت شهيدة.

أيقونة مخضرمة

لم تكن شيرين بالنسبة للفلسطينيين عامة وللمقدسيين خاصة مجرد صحفية أو إعلامية عادية، بل كانت أيقونة مخضرمة يحفظ صوتها وبصمة اسمها الصغار قبل الكبار وهي لم تغب عن مشهد من مشاهد القدس والضفة والداخل المحتل يوماً، وحتى في ظل الحصار والحروب على غزة لم يغب صوت شيرين فقد كانت دائماً سنداً وصوتاً للفلسطيني أينما كان.

فقد قاربت مسيرة شيرين الإعلامية على أكثر من نصف قرن حتى باتت اسم علم يعرفه جيل بعد جيل، حتى لفظت أنفاسها الأخيرة وهي حاضرة في الميدان الذي أحبها وأحبته برصاص قناص صهيوني غادر.

ويقول المحامي خالد زبارقة عن جريمة الاغتيال، “احتلال جبان يعيش على الزيف، ويخشى من كشف الحقيقة، شيرين كانت في كل النقاط الساخنة تكشف الحقيقة للعالم، وتدفع الزيف، وتقف مع المظلوم”.

وأضاف: “في العام الماضي كانت عندنا في اللد ترابط معنا وتنقل صوتنا إلى العالم.

هكذا يموت الشرفاء

وحظيت الزميلة الشهيدة برثاء شعبي عريض امتلأت به مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان خبر رحيلها بهذا الشكل المفاجئ والصادم نبأً فاجعاً للفلسطينيين عامة ولأهالي القدس، خاصة الذين عرفوها عن قرب.

آخر ما كتبت

وكان هذا النص من آخر ما كتبته شيرين أبو عاقلة على صفحتها على فيسبوك: “هل أنت فلسطيني من أبناء الضفة الغربية؟ صلِّ أن يمد الله في عمرك كي تتمكن من رؤية القدس، فسلطات الاحتلال تسمح فقط للرجال الذين تزيد أعمارهم عن 50 بعبور الحواجز العسكرية، أما إن كنت من قطاع غزة، فصلّ أن يرفع الحصار عنه يومًا، هناك جيل من الفلسطينيين لم يدخل القدس ولم يرها في حياته”.

وأدانت عشرات المؤسسات المختصة بشؤون الصحافة والإعلام والمؤسسات الإعلامية جريمة قتل الزميلة أبو عاقلة، عادة ذلك جريمة مكتملة الأركان ومحاولة يائسة لطمس الحقيقة والتغطية على جرائم الاحتلال.

ودعت تلك المؤسسات في تصريحات منفصلة، وصلت “المركز الفلسطيني للإعلام” نسخ عنها، إلى ضرورة محاسبة المجرمين الصهاينة، وقيام المؤسسات المعنية بحرية الصحافة وحقوق الإنسان بدورها في حماية الصحفيين الفلسطينيين ومحاسبة المعتدين.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات