الجمعة 29/مارس/2024

حماس موحدة ضد التطبيع ومتفقة بعدم فتح معارك جانبية

حماس موحدة ضد التطبيع ومتفقة بعدم فتح معارك جانبية

تعود القضية الفلسطينية من جديد إلى أجندة دوائر صنع القرار في المنطقة والعالم، في ظل تنامي دور المقاومة، وتحولها إلى محور مفصليّ في أي حديث عن مستقبل القضية، وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية. وأهم ما تمتاز به هذه المقاومة، وفي القلب منها حماس، حالة التوافق الداخلي والتفاهمات الواضحة بين مختلف مواقعها القيادية، ومؤسساتها التنفيذية في الداخل والخارج؛ السياسية منها والعسكرية، التي تجتمع على هدف مركزي يتمثل بالتحرير والعودة.

وبالفعل مثّلت المقاومة الفلسطينية في الأسابيع الأخيرة، لوحة وطنية شكلت مفخرة للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وأحرار العالم، لاسيما صمود المرابطين في المسجد الأقصى. هذا المشهد البطولي والوحدوي الذي أثار غضب الاحتلال وعدّ نفسه خسر جولة أمام الفلسطينيين، يبدو أنه لم يرق لأوساط سعت لتعكير صفوه، من خلال إثارة موضوع موقف حماس من استئناف العلاقات بين تركيا والاحتلال.

ووصل الأمر بأصحاب الأجندة المريبة للاستناد على مصادر مشكوك في صحتها، لمحاولة اختلاق تباينات في مواقف حماس الموحدة ضد أي شكل من أشكال التطبيع، من أي دولة كانت.  وبدأ الحديث بالعزف على أوتار قديمة متجددة باختلاق مواقف متباينة لقادة الحركة في موضوع مجمع عليه فيها، فبدا الأمر “سخيفا”؛ لأن الذين يضعون أرواحهم على أكفهم، لا يخضعون مواقفهم المبدئية لبازارات الربح والخسارة.

تضليل متعمد
الحديث يدور أساسا عما بثته جريدة الأخبار اللبنانية من معطيات مضللة حول وجود تباينات داخل حماس بموقفها من العلاقات التركية “الإسرائيلية”، وعدم التورع عن ذكر قائد حماس في الخارج خالد مشعل بالاسم، والزعم أنه يحاول تبرير الخطوة التركية بالتقارب مع الاحتلال. الأمر الذي وصفه قيادي في حماس بالـ”الكذب الصريح”، واختلاق روايات لا أساس لها من الصحة، لتمرير أجندات محددة مكشوفة.

تجاهلت الصحيفة بإصرار موقف حماس وقيادتها الرافض لزيارة رئيس كيان الاحتلال إلى أنقرة، وكذلك سلسلة المواقف المتتالية التي أصدرها القائد مشعل في الأسابيع الأخيرة ضد أي تقارب أو تطبيع عربي إسلامي مع الاحتلال، بما فيه القادم من تركيا. وبالتالي انسجم مشعل مع نفسه ابتداء، وكذلك مع مواقف الحركة المتخذة في أطرها القيادية العليا؛ حيث لم يُعرف عنه يوما تأرجحه في المواقف السياسية لحسابات آنية أو مصالح مؤقتة؛ حدث ذلك في الأردن، ومع سوريا، وغيرها. ودفع في سبيل هذه المواقف أثمانا مكلفة وباهظة، سواء على الصعيد الشخصي، أو الحركي العام.

يبدو مؤسفا ما أقدمت عليه “الأخبار” بمساعيها الحثيثة للحديث بين حين وآخر عن معسكرات وتباينات داخل حماس، وإن لم تجد ما تبحث عنه، فلا بأس عندها من صناعة “المصادر الخاصة” واختلاق التيارات، في سبيل الخروج بما تزعم أنه سبقٌ صحفيٌّ يفتقر للمهنية، واستخدام مفردات لافتة مثل “تيارات، أجنحة، تباينات، فريق، غزة والخارج، تناقضات”، وهي أوصاف تبدو لها أنها كفيلة بتسويق أكبر للتقرير، حتى لو كان رصيده من الحقيقة صفرًا.

شوريّة حماس
الثابت بحسب خبراء؛ أن حماس دأبت على إجراء مشاورات مطولة عند الحديث عن تطور ما، أو إصدار موقف تاريخي تجاه حدث بعينه، وهو أمر لا يعيبها، بل يحسب لها، دون أن تعني هذه المشاورات وما تشهده من اختلاف للآراء تناقضا أو تباينا أو انقساما، فما صدر عن حماس من موقف مكتوب وموقع باسمها يعبر عن مجموع قيادتها، ويعطي دلالة واضحة عن وحدة حالها، ومن ذلك الموقف المتعلق بما تشهده العلاقات الإسرائيلية التركية من تقارب، وهو موقف واضح في رفض الحركة هذا التقارب، فهي لا تؤيده، ولا تبرره، ولا تسعى لتفهمه.

في الوقت ذاته، تدرك قيادة حماس على اختلاف مستوياتها، أن القضية الفلسطينية عموما، والحركة خصوصا، ليس لديها ترف في علاقاتها الخارجية، وهي ترى حالة الوضع العربي الرسمي لا تبعث على التفاؤل لأسباب كثيرة، ما يجعلها متروية في إصدار المواقف السياسية، التي تعبر عن رأيها وفهمها للأحداث. وبالتالي فهي لا تقاطع الدول، بل تبحث عن نقاط تقاطع معها تجاه القضية الفلسطينية ومصالح شعبها، وتتجنب الدخول في معارك جانبية وتبادل للاتهامات لا يستفيد منها سوى الاحتلال وأعوانه. والمواقف السياسية كما هو بدهي ليست تعبيرا عاطفيا أو تنفيسا عن غضب محتقن “فشة خلق”، لأن هذا ربما يعبر عنه ناشطون على شبكات التواصل، لكنه لا يصلح موقفا سياسيا، يسجله التاريخ وتقرأه الأجيال بعد عقود من الزمن.

التطبيع خطيئة
لا تخفي حماس أنها معنية بتطوير علاقاتها العربية والإسلامية والدولية، دون أن يعني ذلك غض الطرف عن أي تطبيع مع الاحتلال “الإسرائيلي”، بل معارضته بالصوت العالي، والفم الملآن، وهو ما حصل في العلاقات التركية “الإسرائيلية” وغيرها؛ خطياً وشفهياً، لكن في الوقت ذاته بعيدا عن الصراخ والعويل وكيل الشتائم، والحركة لا تجد نفسها مضطرة لإرضاء رغبة هذا الطرف أو ذاك بتصفية حساباته مع تركيا وسواها من خلالها، فهي ليست صندوق بريد لأحد؛ لأنها حريصة على علاقات قوية مع تركيا وسواها من دول وقوى المنطقة، وفق مصدر قيادي في الحركة.

وفي حين تنظر حماس للعلاقات العربية “الإسرائيلية” بمجموعها بعدِّها خطيئة سياسية، فإنها لا تعلن قطيعة مع هذه الدولة أو تلك بسبب اتصالاتها المرفوضة مع الاحتلال، دون أن يعني ذلك -بحسب المصدر القيادي- تماهياً مع هذا السلوك، ولا مجاملة له، وإلا بماذا نفسر رفض الحركة للعلاقات المصرية “الإسرائيلية” صراحة وعلنًا، لكن الحركة في الوقت ذاته ما تفتأ تصف مصر بأنها “الشقيقة الكبرى”، دون أن يحمل ذلك تناقضا في مواقف الحركة، أو ازدواجية في فهمها، وبالإمكان القياس على ذلك باقي العلاقات العربية مع الاحتلال.

أجندات واضحة
لا يتماسك “كتبة تقارير الأخبار الموجهة” أنفسهم حتى يتكلموا تصريحاً وليس تلميحاً، بالضغط على حماس لإعادة تموضعها الجغرافي في المنطقة، وكأن لسان حالهم يطالبون قيادة حماس وكوادرها بمغادرة تركيا، والذهاب لعواصم بعينها ذكرت بالاسم. وفي حين ترى الصحيفة أن هذا هو المسار “السليم” فإن خبراء ومحللين يعدّونه “انتحارا سياسيا” بعينه؛ لأن حماس رسميا وشعبيا موجودة ومنتشرة في جميع الدول العربية والإسلامية والعالم، وليس هناك من مصلحة سياسية للقضية الفلسطينية تقضي باتجاه التقوقع في جغرافيا واحدة، رغم ترحيبها بأي استضافة على أي أرض عربية وإسلامية؛ لأن الحركة تسعى للانتشار الجغرافي في البلدان العربية والإسلامية كافة، لما لذلك من إيجابيات وامتيازات تفوق بأضعاف مضاعفة “حشر” نفسها في بلد واحد، مهما قدم لها من تسهيلات.

يبدو صعباً مغادرة هذه السطور، دون التوقف عند معلومة لم تحصل عليها “الأخبار” من مصادرها الموجهة، تتعلق بحالة الالتصاق الشخصي للقائد مشعل مع غزة وأهلها ومقاتليها، ليس الآن فقط، بل منذ سنوات طويلة، نظرًا لما تحوزه غزة وأهلها الطيبون من مكانة عظيمة وحيز كبير عنده، وربما يحين الوقت يوما ما لكشف ما ساهم به أبو الوليد من خلال علاقاته الخارجية في إسناد غزة ومقاومتها المشرفة. 

وقد شكل مشهد زيارة القائد مشعل وإخوانه في قيادة الحركة لغزة عقب معركة حجارة السجيل 2012 لوحة مشرقة للتعبير عن ذلك، ولعل هذه السطور لا تذيع سراً إن ذكرت أن مشعل يرتبط بعلاقات شخصية مع غالبية قيادات غزة؛ السياسية والعسكرية، وصولا للشخصيات الوطنية من خارج حماس، التي ترى فيه ذلك القائد الوطني الفلسطيني، الذي يجمع ولا يفرق، يقرب ولا يبعد، يوحد ولا يشتت.

خلاصة الموقف الذي تراه حماس -بحسب مصدر قيادي- من استئناف العلاقات التركية “الإسرائيلية”، كما أوضحته قيادتها بحضور مشعل، أمام القيادة التركية، وعلى مستويات عليا ورفيعة، أنها ضد أي تقارب أو تطبيع عربي إسلامي مع الاحتلال، دون الدخول في تفاصيل الأسباب والعوامل التي دفعت هذا الطرف أو ذاك لهذا التقارب المرفوض. ومهمة حماس لا تكمن في تبرير خطوات الدول في التطبيع مع الاحتلال، فضلا عن الدفاع عنها، بل إن الحركة تعدّ نفسها رأس حربة القضية الفلسطينية، وحاملة لوائها، والمدافعة عنها، وليس طرفا للصراع مع أحد أو الدفاع عند أحد، مهما اقترب منها في العلاقات والمواقف.

 

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

36 شهيداً في عدوان إسرائيلي على ريف حلب

حلب - المركز الفلسطيني للإعلام أفادت وسائل إعلام سورية بارتقاء 36 شهيداً في غارات إسرائيلية استهدفت أهداف في ريف مدينة حلب منتصف الليلة الماضية....