الأربعاء 27/مارس/2024

عرب وأجانب في الأقصى .. إصرار على الرباط رغم الإصابات

عرب وأجانب في الأقصى .. إصرار على الرباط رغم الإصابات

لم يكن يعلم السوداني إبراهيم خميس زكريا، حين قاتل في فلسطين إبان النكبة عام 1948، أن نجله حسين (65 عاما) سيصلي في المسجد الأقصى بعد عقود، ويُصاب أثناء اعتكافه في الجمعة الثانية من شهر رمضان، ليلفت الأنظار من جديد إلى تضحيات الشعب السوداني في فلسطين أولا، وحكايا المعتكفين الأجانب في الأقصى ثانيا.

ومن على سرير الشفاء في مستشفى المقاصد بالقدس تحدث المصاب حسين زكريا، وكان يتكلم ببطء وكلمات غير مترابطة أو واضحة، ويُرجع الأطباء سبب ذلك إلى قوة الإصابة التي تعرض لها، حيث أطلقت قوات الاحتلال رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط على رأسه قرب أذنه اليسرى، ما تسبب بكسر جمجمته وإحداث نزف في رأسه وأنفه.

ونشر المؤرخ الفلسطيني المقيم في السودان أسامة الأشقر منشورًا دعا فيه إلى العناية بزكريا الذي يعمل في فلسطين المحتلة منذ 8 سنوات بعيدا عن عائلته في الخرطوم. وتفاعل الآلاف مع منشوره، معظمهم من الفلسطينيين المقدسيين الذين أبدوا استعدادهم للتواصل معه وتحمل تكاليف علاجه وقضاء حوائجه.

لا يعلم زكريا متى سيخرج من المستشفى، لكنه قال: إنه تحسّن كثيرا معبرا عن امتنانه من الترحاب والدعم الذي لقيه.

واستذكر يوم الإصابة قائلا إنه اعتاد الصلاة والاعتكاف في الأقصى خلال رمضان، وبعد أدائه صلاة الفجر يوم الجمعة 15 أبريل/نيسان الماضي، شهد اعتداء قوات الاحتلال على المصلين، لتباغته رصاصة أفقدته الوعي لأيام.

تنوع عرقي
واعتدت قوات الاحتلال بعنف على مئات المصلين داخل المصلى القبلي في المسجد الأقصى فجر وصباح الجمعة الثانية من رمضان، وأصابت أكثر من 200 مصلٍّ، غير مبالية بالعمر أو الجنسية، ليدفع المعتكفون الأجانب الثمن أيضا، في اعتداء ليس الأول من نوعه، حيث سجلت أحداث مماثلة ضدهم في رمضان  الأعوام الماضية.

تتنوع جنسيات معتكفي الأقصى بين فلسطيني وتركي وجزائري وبريطاني وبنغالي وإندونيسي، وغيرها من الجنسيات الأخرى، حيث يأتي أفرادها بنية الاعتكاف فرادى أو مع عائلاتهم، أو جماعات عبر مجموعات منظمة في العشر الأواخر من رمضان أو قبل ذلك.

ورغم الأوضاع الأمنية غير المستقرة في القدس فإن معتكفين جاؤوا باكرا منذ بداية شهر رمضان، ويؤكد حارس المسجد الأقصى سامر صيام أن المسجد الشريف على موعد بداية العشر الأواخر مع مجموعات كبيرة من مسلمي تركيا وغيرها من الدول الذين ينزلون في فنادق البلدة القديمة والقدس العربية، منعشين الاقتصاد ومعمّرين الأقصى.

لم يتحمل قلبه
نزيه ريان، معتكف أردني مسن، لم يتحمل قلبه مشاهد اعتداءات الاحتلال على المعتكفين أثناء اقتحام الأقصى الجمعة الثانية من رمضان، فأصيب بذبحة صدرية نُقل على إثرها إلى مستشفى المقاصد ليخضع لعملية “قسطرة” في القلب.

3 أيام في المستشفى، عاد بعدها ريان لمواصلة الاعتكاف في الأقصى، رغم كبر سنه وحالة قلبه الضعيف، وحين سألناه عن سبب عودته رغم وضعه الصحي قال: “أهم شيء لدي هو الاعتكاف، أريد أن أكمله رغم كل الظروف، أنا أدمع وأتأثر عندما أرى صورة الأقصى فقط، ولا يحتمل قلبي رؤيته أسيرا مدنسا”.

جبيرة في الأقصى
لم يكن ريان المصاب الوحيد الذي استأنف اعتكافه، فالشاب التركي محمد الفاتح توكجوز (18 عاما) يواصل اعتكافه في المسجد الأقصى بجبيرة معلقة في رقبته، حيث أصيب برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط في يده اليمنى أثناء اعتكافه خلال الجمعة الثانية من رمضان.

يقول توكجوز بالتركية: إنه قدم إلى القدس مع والدته بداية رمضان للاعتكاف، وأصيب بالذعر من مشهد اعتداء الاحتلال على المعتكفين، ويضيف: “هاجموا الجميع بالشدة نفسها ولم يستثنوا أحدا. كان وضعا غير طبيعي أبدا”.

وعن سبب مواصلة اعتكافه رغم إصابته، قال دون تردد: “اعتداءاتهم لا تخيفني ولا تؤذيني، لقد كنت في القدس قبل 4 أشهر، وأنا اليوم فيها، وسأبقى حتى الشهر القادم لقضاء العطلة”.

قال ذلك أثناء وقوفه قرب البائكة الجنوبية لقبة الصخرة، ثم عاد بجوار صديقه التركي مسعود إرايتان (38 عاما) ليكملا صلاة التراويح بالمصلى القبلي. قدم إرايتان أيضا من إسطنبول للاعتكاف في المسجد الأقصى، ويصوّر يوميا بثا مباشرا لصلاة التراويح واقتحامات الأقصى عبر حسابه الشخصي في (إنستغرام) الذي يتابعه أكثر من 90 ألفا.

زار القدس 12 مرة
عن بُعد، يتابع البريطاني -من أصول باكستانية- قاصد علي (40 عاما) أجواء الاعتكاف في الأقصى، ويتمنى لو كان برفقة المعتكفين، لكن التزامه بإمامة صلاة التراويح في أحد مساجد بريطانيا حال دون ذلك.

ويقول: “إنها القدس أرض المعراج والأنبياء والمحشر والمنشر، كل شيء فيها يوحي بالقداسة؛ العمران والهواء وحتى الفاكهة”.

زار علي المسجد الأقصى 12 مرة، فهو يملك شركة سفريات، وينظّم رحلات للمسلمين نحو القدس والأقصى، كما اعتاد على زيارة المسجد في ذكرى الإسراء والمعراج والمولد النبوي الشريف.

“وحشني وأنا فيه”
أدركت الشابة أمل نجيب عزيز (26 عاما) أول 4 أيام من شهر رمضان في القدس، خلال زيارتها السريعة الأولى لفلسطين. وهي ابنة أب مصري وأم تونسية تسكن هولندا وتحمل جنسيتها، وتكمل الدراسات العليا في تخصص الحقوق.

تحدثت أمل بلكنة تونسية مختلطة بالمصرية قائلة: “حلمي تحوّل إلى حقيقة. لم أستطع النوم من حماسي، صليت في الأقصى، كان مسجدا نظيفا موظبا، أهله كرماء ومضيافون، أفطرنا بعد صيامنا في ساحاته على طبق مقلوبة أعدته عائلة مقدسية، وشربنا الشاي في باب العامود ولم يقبل معدّه أن يأخذ ثمنه منا”.

وحول رغبتها بالعودة مجددا أجابت: “أكيد (ثلاثا)؛ الأقصى وحشني حتى وأنا فيه، تعززت لدي الصور النمطية عن شعب فلسطين أنه شجاع وكريم، أبهرتني عزة نفس أطفالهم، لم يقبلوا مني المال وبالكاد قبلوا الهدايا، نحن استطعنا الصلاة في الأقصى بفضل الفلسطينيين الذين صمدوا وحافظوا عليه حتى اليوم”.

الجزيرة

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات