شبح المجاعة يقضّ مضاجع الفلسطينيين في سوريا

للشهر الثالث تواليا تغيب اللحوم والبيض عن مائدة عائلة اللاجئ الفلسطيني “أبو جهاد” (اسم مستعار)، فمنذ أن أغلق المصنع الذي كان يعمل فيه في منطقة “الباردة” بريف دمشق أبوابه، فقد “أبو جهاد” مصدر رزقه الوحيد.

في حديثه لـ”قدس برس” يُعبّر أبو جهاد عن قلقه من الأيام القادمة، فبعد فقدانه الأمل في الحصول على فرصة عمل في مكان آخر، اضطر إلى فتح “بسطة” متواضعة لبعض المعلبات ومشتريات الصغار في مخيم خان دنون حيث يقيم.

ويقول: “على مدار شهر، لم أترك مصنعاً أو ورشة في “الباردة” ومحيطها إلا وطرقت أبوابها، ولكن دون جدوى، فقررت فتح بسطة صغيرة على باب منزلي لأطعم أولادي”.

ويؤكد “أبو جهاد” أن “ما أجنيه من “البسطة” لا يتجاوز 11 دولاراً تقريباً في نهاية الشهر، وكنت في الفترة الأولى أستعين بمبلغ كنت أدخره، لكن بعد صرف المبلغ المدخر، كان عليّ أن أؤمن معيشتي بمبلغ 40 ألفاً التي أجنيها من “البسطة”. ومنذ ذلك الوقت، غداؤنا من البرغل والعدس والمعكرونة، وأغلبه من سلة الإغاثة التي تأتينا، وهي من دون لحوم، وفي كثير من الأحيان يكون فطورنا الشاي والخبز فقط.

وختم حديثه بالقول: “حتى المساعدات التي تقدمها الأونروا كل أربعة أشهر، التي تصل إلى 125 دولاراً لعائلة مكونة من 4 أشخاص، فإنها تذهب في معظمها لسداد الديون والفواتير”. 

وفي شمال سوريا، أدى تراجع الليرة التركية، (كونها العملة المعتمدة في هذه المناطق) أمام الدولار، إلى تدهور كبير في الحالة المعيشية السيئة أصلاً لدى الفلسطينيين هناك.

على أطراف بلدة “أطمة” الحدودية شمالي إدلب، يعمل عبد الرحمن (22 عاماً) في محل لبيع الألبسة المستعملة والمعروفة محليا بـ”البالة”.

وضع مأساوي
يتقاضى عبد الرحمن، وهو المعيل الوحيد للعائلة بعد وفاة والده، مبلغ 140 ليرة تركية في الأسبوع، ويوضح في حديثه لـ”قدس برس”: كان هذا المبلغ يساوي 20 دولاراً قبل أشهر قليلة، ولكن مع التراجع الكبير لليرة التركية، فإن الأجر أصبح أقل من 12 دولاراً تقريباً في الأسبوع. 

وتتراكم الديون يوماً بعد يوم على عبد الرحمن دون أن يلوح في الأفق حل قريب.

ويعد كل من “أبو جهاد وعبد الرحمن” أحسن حالاً من غيرهما، فكلاهما يساهم أقاربهما المغتربون في أوروبا في سد جزء ولو يسير من تكاليف المعيشة أو إيجارات المنازل.

يقول ناشط فلسطيني في الشمال السوري (فضل عدم ذكر اسمه)، يعمل في إحدى المنظمات الإغاثية، “إن عدداً لا بأس به من العائلات يحصلون على مساعدات مالية من أقاربهم المقيمين في أوروبا أو حتى في الشمال السوري ممن يعمل بمؤسسات ومنظمات برواتب جيدة”.

واستدرك قائلاً: “إلا أن هذا التكافل قد يصطدم بظروف قاهرة قد يضطر هؤلاء إلى تأجيل إرسال الأموال إلى عائلاتهم في سوريا”.

 وعن تجربته الشخصية، أشار إلى أن مشكلة المنظمات في الشمال السوري هو عدم انتظام تسليم الرواتب في آخر الشهر، وقد تتأخر لشهرين أو ثلاثة، كما حدث معه مؤخراً، حيث لم يتمكن منذ أشهر من تقديم أي مساعدة لأهله في مخيم النيرب بحلب، والذين يعيشون ظروفاً معيشية صعبة للغاية.

وأضاف، “في غالب الأحيان يصلنا راتب شهر واحد بعد انقطاع عدة أشهر، وخلال هذه الفترة، أستدين من الأصدقاء وأدفع فواتير المنزل وأقساط المدرسة لأولادي، وعند استلام الراتب أسدد كل تلك الديون”.

الجوع يفتك بسوريا
قال برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن أكثر من 12 مليون سوري، لا يعرفون من أين ستأتي وجباتهم الغذائية، محذراً من تزايد خطر المجاعة في سوريا ودول أخرى.

وصرح المدير التنفيذي للبرنامج الأممي “ديفيد بيسلي”، في وقت سابق من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، إن “مستوى انعدام الأمن الغذائي في سوريا بلغ أعلى مستوى منذ بدء الأزمة عام 2011″؛ مشيراً أن “هناك نحو 12.4 مليون شخص في سوريا لا يعرفون من أين ستأتي وجباتهم الغذائية”.

وأضاف “بيسلي” إن “أسعار الوقود ترتفع، وأسعار المواد الغذائية ترتفع، والأسمدة صارت أغلى، وكل ذلك يغذي أزمات جديدة مثل الأزمة التي تتكشف الآن في أفغانستان، وكذلك حالات الطوارئ الطويلة الأمد مثل اليمن وسوريا”. 

وأشار إلى أن العائلات التي تواجه انعدام الأمن الغذائي الحاد تُجبر على “اتخاذ خيارات مدمرة” مثل تزويج الأطفال مبكراً أو إخراجهم من المدرسة، أو إطعامهم الجراد، أو الأوراق البرية أو الصبار.