السبت 20/أبريل/2024

رؤية رئيس حركة حماس إسماعيل هنية للنهوض بالمشروع الوطني

رؤية رئيس حركة حماس إسماعيل هنية للنهوض بالمشروع الوطني

 رؤية حركة حماس للنهوض بالمشروع الوطني الفلسطيني
التي قدمها رئيس المكتب السياسي للحركة الأستاذ إسماعيل هنية
في ندوة لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر 2021

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أعبر عن شكري وتقديري لهذه الدعوة من مركز الزيتونة، برسم أخي الدكتور محسن صالح، وأوجه التحية أيضاً للمركز ولدوره الريادي في إثراء النقاش الوطني في مختلف الملفات والمراحل، حيث شكّل رافداً مهماً إلى جانب العديد من مراكز الدراسات والبحث المعنية بشعبنا وقضيتنا ومنطقتنا.

وأرحب بالإخوة الأعزاء المناقشين والمشاركين في هذه الندوة، وأوجه التحية لكل أبناء شعبنا الفلسطيني سواء المرابطين داخل الأرض الفلسطينية المحتلة أم في خارج الوطن الذين ينتظرون ساعة العودة إلى أرضهم وإلى ديارهم، والتحية إلى كل أبناء الأمة وكل أحرار العالم.

كما أوجه التحية لأهلنا في القدس وخصوصاً في حي الشيخ جراح الذين عبّروا اليوم عن موقف وطني عروبي إسلامي برفضهم التسوية المزعومة من قِبل المحاكم الإسرائيلية، وبتمسكهم ببيوتهم وبملكيتهم لهذه الأرض الطاهرة المباركة، بما يؤكد تمسك وتشبث الشعب الفلسطيني بأرضه، وحقه، ويبرهن أن هذه الحقوق لا تضيع ولا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لها أن تُسلَب تحت قوة النيران الصهيونية ولا البطش ولا الدعم السياسي الخارجي لهذا الكيان.

وحيث تتزامن هذه الندوة مع الذكرى الرابعة بعد المئة لوعد بلفور، بما يعطينا تحفيزاً مهماً في كيفية تناول موضوع يقع في جوهر القضية، وفي أصل مركبات الصراع مع الاحتلال الصهيوني.

وأود في البداية أن أرصد المتغيرات المهمة التي طرأت على الأوضاع داخلياً وخارجياً:

المتغيرات الراهنة:
فقد طرأت على الحالة الفلسطينية متغيرات عدة لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على مجرى الصراع مع الاحتلال، إلى جانب تأثيرها على المشروع الوطني الفلسطيني، وأيضاً على تموضع مشروع المقاومة في قلب هذا الصراع، ونلقي الضوء على أربعة منها:

 المتغير الأول: إلغاء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني الفلسطيني الذي توافقنا عليه، بعد أن كنا على مسافة قصيرة جداً من صناديق الاقتراع، والدخول في خريطة طريق لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وبناء النظام السياسي الفلسطيني من جديد.

وقد شكَّل إلغاء الانتخابات، تحت حجة عدم السماح الإسرائيلي لإجرائها في القدس، مأزقاً وطنياً حقيقياً، وأعادنا إلى المربع الأول مع التأكيد أنه لا أحد في الساحة الفلسطينية يوافق على إجراء الانتخابات بدون القدس، ولكن كنا نؤكد دائماً بأن إجراء الانتخابات في القدس معركة وطنية يجب أن نخوضها معاً، وأن نفرض فيها إرادتنا كفلسطينيين، ولدينا الكثير من الوسائل والطرق التي يمكن أن نقوم بها في هذا الموضوع.

المتغير الثاني: يتمثل في معركة سيف القدس، حيث شكّلت تحولاً مهماً جداً في مسار الصراع مع الاحتلال الصهيوني، وكشفت عن نتائج غاية في الأهمية، وفتحت قوساً واسعاً على أُفق رحب لشعبنا، ولأمتنا، ولكل أحرار العالم. فقد أكدت المعركة وحدة الوطن الفلسطيني على مستوى الجغرافيا من رفح حتى رأس الناقورة، ووحدة الشعب الفلسطيني على مستوى الفعل، وعلى قدرة المقاومة في ضرب نظرية الردع الإسرائيلية، كما أكدت أن القدس هي محور الصراع.

كما أعادت الاعتبار لقضية فلسطين في بُعدها العربي والإسلامي، وحتى العالمي، بعد السنوات العشر الماضية التي تراجعت فيها القضية في سلم أولويات شعوب المنطقة، بسبب الانشغال في الصراعات التي اندلعت في الإقليم.

المتغير الثالث: الانسحاب الأمريكي من أفغانستان. وعلى الرغم من أن أفغانستان بعيدة عن فلسطين في الجغرافيا، إلا أن قرار الانسحاب له تأثيراته على المنطقة وعلى القضية وعلى الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي، فأمريكا دخلت قبل عشرين عاماً إلى المنطقة عسكرياً من بوابة أفغانستان، وبدأت بالخروج من المنطقة والانحسار عسكرياً أيضاً من أفغانستان، وهذا الانسحاب قد يعقبه انسحابات أخرى، خصوصاً من العراق أو شمال سورية، ولا شكّ بأن نتائج هذا الانحسار ستؤدي إلى تأثير واضح على حلفاء أمريكا في المنطقة، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني.

المتغير الرابع: محاولات الاختراق الصهيوني للمنطقة عبر بوابة التطبيع مع بعض الحكومات العربية، تنفيذاً لـ”صفقة القرن” ولمشاريع ما يسمى “السلام الإقليمي” أو “السلام الاقتصادي”. ونشاهد اليوم محاولات لبناء تحالفات عسكرية وأمنية في المنطقة تتسيَّد فيها “إسرائيل” بحكم تفوقها العسكري والأمني والاقتصادي.

هذه المتغيرات الأربعة تحمل في طيَّاتها من الفرص والتحديات، وتفرض الكثير من المسؤولية التاريخية والوطنية علينا كفلسطينيين، لأننا أمام معادلات في غاية التعقيد والصعوبة، مما يفرض علينا العمل وفق رؤية شاملة، وناضجة، ومحددة، ترتكز على أصول الطهارة السياسية، والثقة بقدرة شعبنا على الانتصار في صراع الإرادات.

محاور الرؤية:
يمكن إجمال رؤيتنا لكيفية النهوض بالمشروع الوطني في أربعة محاور:

المحور الأول: رؤيتنا وتوصيفنا العام للواقع والمرحلة التي يتشكل بها الإطار الناظم لقضيتنا، وتتلخص في الأبعاد التالية:

البُعد الأول: قضيتنا هي قضية إسلامية، وذات ارتباطات بنصوص قرآنية وأحاديث نبوية، وهي حاضنة للمسجد الأقصى ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماء ، فالقدس بوابة السماء، فتحها عمر رضي الله عنه وحررها صلاح الدين، وتخضبت بدماء الصحابة والتابعين، واحتضنت رفات القادة المجاهدين والمؤسِّسين لحركات الجهاد والمقاومة على مدار الصراع المفتوح مع المشروع الصهيوني. وبالتالي فهي قضية مقدَّسة لا تخضع ثوابتها وهويتها الإسلامية للمتغيرات، ولذلك تتحرك حماس وتتعامل مع المتغيرات والتحديات والفرص انطلاقاً من أساس رؤية ثابتة واضحة وجوهرية. 

البُعد الثاني: قضية فلسطين هي قضية وطنية وقضية عربية أيضاً، بالإضافة إلى كونها قضية إنسانية. وتتكامل فيها الدوائر الوطنية والعربية والإسلامية والإنسانية، وتنسجم وتتفاعل في مشروع التحرير والعودة دونما تعارض.

إن مستوى الصراع مع العدو الصهيوني هو من التعقيد والتداخل بحيث لا يستطيع فصيل لوحده أن يحسم هذا الصراع؛ سواء كان حركة فتح أم حماس أم غيرهما من الفصائل. وإذا قلنا إن طبيعة الصراع مع الاحتلال صراع حضاري، لكون الكيان الصهيوني يمثّل رأس الحربة للمشروع الغربي في المنطقة، فإن الفصائل الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية تشكّل رأس الحربة للأمة ولأحرار العالم.

البُعد الثالث: نحن في مرحلة تحرر وطني، فالشعب الفلسطيني ما زال في مرحلة التحرر من الاحتلال، ويسعى إلى إنجاز أهدافه في الحرية والعودة والاستقلال، وأي توصيف خارج عن هذا المعنى يُدخلنا، وقد أدخلنا، في إخلالات واضطرابات سياسية، لأن البعض اعتقد بأننا في مرحلة بناء سلطة على طريق دولة فلسطينية أو دولة تحت الاحتلال أو سلطة تحت الاحتلال، فقد اضطربت المفاهيم والبرامج والأهداف، وانعكست سلباً على الأداء السياسي والميداني.

البُعد الرابع: إن التناقض الرئيس هو مع الاحتلال، وإن كان بيننا كفلسطينيين خلافات وتباينات، أو تعارض في البرامج وفي الوسائل، وفي كيفية التعاطي مع المتغيرات والمستجدات، إلا أن حماس وقوى المقاومة وكل الوطنيين الشرفاء من أبناء شعبنا يرون العدو الرئيس لشعبنا هو العدو الصهيوني، ولا يرون أن الخلافات الداخلية بيننا يمكن أن تبدل معسكر الأعداء داخل الساحة الفلسطينية، إذ نحن الفلسطينيون شعب واحد على الرغم من الخلافات السياسية.

البُعد الخامس: مبدأ الشراكة ضرورة واجبة في بناء المؤسسات، سواء المؤسسات القيادية التمثيلية لشعبنا الفلسطيني، أم الشراكة في الحكم داخل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، فسياسة الإقصاء لا يصلح اعتمادها في مراحل التحرر الوطني، فالكل الوطني مهم في معادلة ميزان القوة الفلسطينية، سواء كانوا فصائل أم شخصيات أم مؤسسات، ومشاركة الجميع أمرٌ ضروري في مواجهة الاحتلال الصهيوني.

البُعد السادس: القضية الفلسطينية بحكم الدوائر المتداخلة فيها تؤثر وتتأثر بالبُعد الإقليمي والدولي، بل إن القرارات الدولية هي التي شكَّلت الأساس لبناء المشروع الصهيوني في المنطقة. على سبيل المثال نحن الآن في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لدينا تاريخان يحملان أبعاد الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا، وهما ذكرى وعد بلفور المشؤوم، ثم ذكرى قرار التقسيم، لذلك لا نستطيع ونحن نسعى إلى النهوض في المشروع الوطني أن نغفل هذا البُعد، فنحن لسنا في جزيرة معزولة عن الواقع الإقليمي والدولي.

والأهم أيضاً هو كيفية بناء معادلات إيجابية في بُعدنا الإقليمي والدولي، وأن لا يكون ذلك على حساب الثوابت الوطنية الفلسطينية، لأننا تأثرنا بشكل أو بآخر سلباً في إطار العلاقات الرسمية مع بعض الدول في الإقليم وكذلك على المستوى الرسمي الدولي.

هذه الأبعاد، في توصيف الواقع والمرحلة في هذه المسألة، تتطلب القول بكل وضوح؛ أن شعباً تحت الاحتلال لا بدّ أن يعتمد استراتيجية المقاومة من أجل إنجاز التحرير، فليس هناك شعب على مدار التاريخ المعاصر استطاع أن يُحرر نفسه من المحتل بدون مقاومة شاملة بكل أشكالها، وعلى رأسها المقاومة العسكرية، خصوصاً وأننا نواجه احتلالاً استيطانياً إحلالياً، لا يُقر بوجود شعبنا وحقه بالعيش في وطنه، ونظريته معروفة “شعبٌ بلا أرض لأرضٍ بلا شعب”. هذا احتلال إحلالي استيطاني قائم على الطرد والتهجير، وعلى مفهوم ما يسمى “يهودية الدولة”، و”دولة لكل اليهود”، أي “يهودية الدولة” بمفهومها القانوني، و”دولة لكل اليهود” بمعنى أن كل يهودي في العالم يمكن أن يعيش داخل هذه الدولة.

هذه الأبعاد في توصيف الواقع من كل جوانبه مهمة جداً في معرفة أبعاد المشروع الوطني، والتحديات التي تواجهه، وكيفية التعامل معها، وتحديد مقومات النهوض، فهذه عناصر مركبة بعضها على بعض لا نستطيع أن ننزع أي عنصر بعيداً عن الرؤية الشمولية، لأن مشروعاً فلسطينياً بهذا الحجم والتعقيد لا يمكن إطلاقاً أن نعالجه من خلال رؤية محدودة أو مجتزأة، بل من خلال رؤية متكاملة ونظرية متكاملة الأركان.
 
المحور الثاني: التحديات:
كل الأجيال والقيادات والفصائل الفلسطينية تدرك طبيعة المشروع الوطني الفلسطيني، والتحديات المحيطة به منذ نشأته، ولكن الاستعصاء الذي نواجهه اليوم يستوجب البحث في الأسباب التي أدخلت المشروع الوطني الفلسطيني في المأزق الراهن.

هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى هذا المأزق، وقد بدأَتْ منذ الحديث عن برنامج النقاط العشر سنة 1974 والحديث حينذاك عن السلطة المقاومة، منذ ذلك الوقت تمّ وضع اللبنات الأولى للدخول في وضع مختلف بشأن المشروع الوطني الفلسطيني، وصولاً الى اتفاق أوسلو، بما أدى إلى الكثير من الانهيارات والتراجعات الخطيرة. ومع أننا لا نُسقط الصفحات المضيئة، من تاريخ الثورة الفلسطينية والصمود في بيروت وفي لبنان، والانتفاضة الأولى والثانية، ولكن الحقيقة المؤلمة أن اتفاقيات أوسلو شكّلت المدخل الحقيقي للحصاد المر الذي وصلنا إليه. وقد ترتب على ذلك خمسة تحديات كبيرة جداً شكّلت مظاهر التراجع في المشروع الوطني الفلسطيني:

التحدي الأول: وقوع خلل سياسي كبير انعكس على المفاهيم ومفردات المشروع الوطني؛ فلسطين التاريخية، حق العودة، الأرض وحدود الدولة الفلسطينية، المقاومة، الكفاح المسلح، فقد اضطربت هذه المفاهيم بعد أوسلو كما اضطربت الأهداف الوسائل، ووظيفة السلطة. كل ذلك أدخل القضية في متاهات، ووقع بسبب ذلك خلل كبير عانت وما زالت ت

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات