الشهيد عاطف حنايشة.. حين يكتوي بجحيم الانقسام حيًّا وميِّتًا

لم يكن الشهيد الشيخ عاطف يوسف حنايشة ليتغيب عن أي فعالية وطنية في الأسابيع الأخيرة منذ هبّ أهالي بلدته بيت دجن شرقي نابلس شمال الضفة الغربية للتصدي لمستوطن سيطر على رأس جبل المرحان في البلدة ليؤسس فيه لبؤرة استيطانية.

لـ(24) أسبوعًا خلت تحولت بيت دجن لخلية نحل تعمل بشكل وطني متكامل بين القوى والفصائل المختلفة التي قررت التوحد للتصدي للهجمة الاستيطانية الجديدة، في حين برز الشيخ عاطف كأحد الروافع في هذه المواجهات في مسيرة مساء كل يوم جمعة، والتي تحولت لمحفل وطني كبير.

خرج الشيخ عاطف صبيحة الجمعة مسرعا إلى مدينة القدس، وفق حديث زوجته لمراسلنا، من أجل مراجعة طبية وعلاجية لابنته في مستشفى المطلع، وكان حريصا أن ينهي المشوار مبكرا لكي يتسنى له أن يكون بين أبناء بلدته في التصدي للاستيطان مساءً.

تقول زوجته أم بكر التي تحتسب زوجها شهيدا وهي تفخر بذلك: إنه التزم بكل الفعاليات المرتبطة بالتصدي لهذا المستوطن الحاقد، ولم يجد لنفسه عذرا في السفر والتنقل للقدس، فهو طالب شهادة بصدق.

وفي ليلة استشهاده حلمت والدته بأن أحد أبنائها شهيد، لتخبر الشيخ عاطف وإخوته صباحا بما رأت في منامها، فما كان منه قبل الخروج من منزله إلا أن دعا لله أن يكون هو ذلك الشهيد، لتتحقق الاستجابة مساءً في اليوم ذاته.

زينت دماء الشهيد عاطف العلم الفلسطيني الذي كان يحمله فور تلقيه رصاصة جندي أزعجته تلك الحماسة الكبيرة لرجل أربعيني انتشر الشيب في رأسه، لكنه لا يمل من إلقاء الحجارة على المحتل ومستوطنيه.

يعد الشيخ عاطف من النشطاء المعروفين في حركة حماس في منطقته، وقد نعاه القيادي في حركة حماس ابن بلدته المبعد عبد الكريم حنني، مستذكرا مناقبه ومواقفه الوطنية، كما نعته الحركة، واستحضرت سيرته وإخلاصه منذ الانتفاضة الأولى، وتحدثت القوى السياسية المختلفة عن سيرة مشرفة وقامة وطنية.

عانى الشيخ حنايشة كثيرا من تداعيات الانقسام؛ فقد فصل من وظيفته حين كان مؤذنا في مسجد البلدة وقطع راتبه، لكنه رغم ذلك واظب على عمله متطوعا في المسجد الذي فصل منه منذ 14 عاما، في حين عمل في منجرة مع شقيقه لكي يتدبر قوت عياله.

تعرض حنايشة -وهو الأسير المحرر من سجون الاحتلال، والجريح برصاص الاحتلال في انتفاضة الأقصى- للاعتقال السياسي التعسفي مرارا وتكرارا، ونُكل به كما كثيرين، لكنه رغم ذلك برز في بلدته قائدا وحدويا يعمل مع الجميع لأي هم وطني دون أي ردة فعل لما أصابه على المستوى الشخصي.

يقول القيادي في حزب الشعب من بلدته منجد أبو جيش: “شيخ يؤذن في المسجد، عصامي يعيش بعرق جبينه، يساعد أخاه في منجرة لصناعة الخشب في بلدته بيت دجن يشارك في جميع فعاليات البلدة منذ اليوم الأول، دائما في المقدمة وعلى رؤوس الجبال، كان لا يكتفي بفعاليات يوم الجمعة؛ بل يبني برنامجه الخاص بشكل شبه يومي من أجل مقارعة المستوطن لا يكل ولا يمل ولا يتعب”.

وأضاف “الشيخ عاطف هو شهيد الكل، شهيد بيت دجن الموحدة، لكن هناك من يصر دائما على تمزيق هذا المشهد الوحدوي، فما أن أحضرت رايات حماس للبلدة لفعل ما يليق بالشهيد حتى صادرها أمن السلطة ومنعها بالرغم مع أن إحضارها كان بطلب فصائلي من قوى البلدة”.

تعلق على ذلك الكاتبة لمى خاطر تقول: “قد تبدو مصادرة رايات حماس من جنازة الشهيد حنايشة في بيت دجن حدثاً بسيطاً لا يستدعي الغضب، كوننا تعودنا كثيراً على مثله في الضفة، وهناك من سيعدّ الاحتجاج عليه توتيراً للأجواء، دون أن يفرق بين الفعل وردّ الفعل”.

لم يمنع ذلك خروج أهالي بيت دجن والمناطق المجاورة على بكرة أبيهم لوداع الشهيد، وكان لافتا استقبال والدته لجثمانه بالزغاريد لتؤكد أنها من أرضعته الوطنية التي تجذرت في نفسه، ليبقى السؤال: متى يلتئم الشمل ويتوقف نزيف الانقسام الدامي؟!