صوت خارج التوافق الانتخابي
لو سألنا أين تكمن التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، في المرحلة الراهنة، لجاء الجواب كما يلي:
1- إنه الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية، واللذان يعملان ليل نهار على تثبيت الاحتلال وابتلاع الأرض وتهجير ما أمكن من فلسطينييها.
2- تهويد شرقي القدس، والعمل على اقتسام المسجد الأقصى وباحة وصلاة، إلى جانب سياسة وقوانين لتهجير سكان القدس، مسيحيين ومسلمين، لتتحوّل الأماكن المقدسة مع هجرتهم مثل الآثار الرومانية القديمة.
3- الحصار المضروب على قطاع غزة بما يشكله كقاعدة محررة لمقاومة جبارة.
4- تحديات سياسات إدارة جو بايدن المتجهة إلى تكريس الواقع الراهن، أو فتح باب لتسوية تصفوية للقضية الفلسطينية.
والرد على هذه التحديات الكبرى من خلال إعطاء الأولوية لمواجهة الاحتلال والاستيطان لا يكون إلاّ بإعطاء المقاومة الشعبية وتصعيدها إلى مستوى الانتفاضة والعصيان المدني طويلي النفس، وذلك حتى دحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيدٍ أو شرط. وبالمناسبة فرصة تحقيق الانتصار هنا عالية من جهة موازين القوى الراهنة، والمناخات السياسية المؤاتية شعبيًّا عربيًّا وإسلاميًّا، ورأياً عامًّا عالميًّا. فثمة تراجع شديد ووهن في الداخل الصهيوني وإرباك عالمي لدى مناصريه.
هذا، وهنالك تحدٍ عربي جديد تمثل في مواجهة خطر التطبيع- التحالفي مع الكيان الصهيوني الذي افتتحه دونالد ترامب من خلال اتفاق محمد بن زايد ونتنياهو. ولكن هذا التحدي رغم خطره وتوجههُ المصهين سيتساقط كورقة الخريف إذا ما تحرك الشارع الفلسطيني في مواجهات شارعية مع قوات الاحتلال.
ثم هنالك التحدي الداخلي الذي تجسّد في الانقسام الفلسطيني من جهة، وفي السياسات التي يتبعها محمود عباس من جهة أخرى، المتمثلة:
أ- في مواصلة استراتيجية التسوية والمفاوضات وحلّ الدولتين.
ب- في ممارسة التنسيق الأمني الذي يكرس الاحتلال ويحمي الاستيطان، ويحول دون انطلاق مقاومة شعبية متعددة الأشكال، مع رفضه الشديد للانتفاضة أو لمواجهة قوات الاحتلال.
على أن هذا التناقض الداخلي الفلسطيني أخذت تخف حدته بعد مجيء دونالد ترامب، وطرحه “صفقة القرن” التي سدت طريق اتفاق أوسلو، ثم ما اتخذه من خطوات، لا سيما إعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني، ونقل السفارة الأمريكية إليها، مما أدى إلى قطع العلاقات الأمريكية مع سلطة رام الله وأفقدها أي مسوّغ، ولو وهمي، لوجودها، إلى جانب اعتباره المستوطنات شرعية، وتهيئة الأجواء لضمها، الأمر الذي فرض على محمود عباس وقيادة فتح البحث عن توافق مع حماس وفصائل المقاومة المعترضة على اتفاق أوسلو، وقد ترجم بلقاء الأمناء العامين في بيروت ورام الله في الرابع من أيلول/ سبتمبر 2020.
ولكن سرعان ما اهتز هذا التوافق بعد إعادة قيادة فتح وسلطة رام الله للعلاقات مع حكومة نتنياهو “كما كانت”، قبل الإعلان عن وقفها، طبعاً عدا التنسيق الأمني الذي لم يتوقف. وكاد هذا الاهتزاز أن يؤدي إلى الانقسام والتوتر، لولا سقوط دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومجيء جو بايدن، فنشأت معادلة دولية وعربية جديدة راحت تدفع لمواصلة التوافق مترجماً بالمراسيم الثلاثة التي أصدرها محمود عباس، وذلك من خلال إجراء انتخابات للمجلس التشريعي وللرئاسة ولاستكمال تشكيل المجلس الوطني لمنظمة التحرير.
أعلن من جديد عن توافق بين كل الفصائل الفلسطينية حول إجراء الانتخابات، وعقد اتفاق فيما بينها جميعاً في القاهرة في 8 و9 شباط/ فبراير كرّس مبدأ التوافق وقرر اللقاء ثانية في الخامس من آذار/ مارس لبحث مجموعة من التفاصيل. وقد أُخذت صورة تذكارية “انتصارية” لممثلي الفصائل في اجتماع القاهرة تؤكد على نجاح التوافق، ولم يتفرد برأي مختلف غير حركة الجهاد التي أعلنت أنها لن تشارك في الانتخابات التي تعتبرها ضمن مسار اتفاق أوسلو، وهو الموقف الذي أخذته في الانتخابات التي جرت 1996 و2006. وقد صدرت بعض الاعتراضات الأخرى من خارج لقاء الفصائل تحت شعار ضرورة إشراك فلسطينيي الخارج بالانتخابات الخاصة بالمجلس الوطني، إلى جانب اعتراضات أخرى من داخل الفصائل على انتخابات الرئاسة باعتبارها لرئاسة السلطة في الضفة والقطاع والقدس، وليس رئاسة للدولة الفلسطينية كما أعلن.
وهنا لا بد من أن يلاحظ ما يلي:
أولاً: ثمة تخلٍ، من جانب الرئيس محمود عباس، عن الأولوية التي تفرضها التحديات الكبرى التي تواجه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، والمتمثلة بالمقاومة الشعبية والانتفاضة لمواجهة الاحتلال والاستيطان، وما يترتب من مؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية. أما إذا لم يكن تخلياً، مراعاة لفصائل المقاومة، فهو تأجيل لتلك الأولوية والانشغال بالانتخابات للأشهر الستة القادمة فقط. طبعاً سيمدد الرئيس القادم محمود عباس التأجيل إلى ما شاء الله، إذا ما أريد الحفاظ على التوافق ونتائج الانتخابات معه ومع حركة فتح.
ثانياً: ما يريده محمود عباس من الانتخابات هو تجديد شرعيته (انتخابات الرئاسة)، وانتشال سلطة رام الله من وحل مأزقها الخانق الذي وصلته الآن، وأفقدها كل مسوّغ للبقاء والاستمرار. وذلك ليعاد لها الحياة من خلال انتخابات المجلس التشريعي، كما اقتضى النظام الداخلي لسلطة الحكم الذاتي المنبثقة عن اتفاق أوسلو.
ثالثاً: محمود عباس حتى الآن استبعد مناقشة الموقف السياسي الذي هو أساس كل خلاف أو وفاق فلسطيني- فلسطيني، وحصر الموضوع في الانتخابات وإشكالاتها تاركاً لنفسه التحرك كيف شاء على صعيد السياسة، أثناء ذلك ولما بعد الانتخابات، ولو بمخالفة 180 درجة مع حماس والجهاد والشعبية وأغلبية الفصائل الأخرى.
كل استبعاد للأولوية وللسياسة يعني التورط الذي لا ينقذه أو يعوّضه الحصول على بعض المكاسب الآنية، مثلاً، إطلاق المعتقلين السياسيين، أو حل مشاكل بعض الموظفين، أو تخفيف الحصار، أو عقد آمال على المشاركة. فتلبية مثل هذه المطالب مقابل السياسة، يوافق عباس تماماً. هذا وإن الحصول على مكاسب جزئية (لا نقلل من أهميتها) لا يشكل، كما يؤمل، حتى أرضية لمصالحة، أو لإنهاء الانقسام، وإنما هي لملمة لجراح لا أسهل من فتحها من جديد.
طبعاً إذا أضيفت إلى بعض المكاسب، مراعاة تدخل بعض الدول العربية والدولية مثل مصر وروسيا والصين وقطر وتركيا والأردن، فإن التوافق على الانتخابات من قبل الفصائل ليس بلا ثمن، وبلا معنى بالنسبة إلى علاقاتها بتلك الدول.
ولكن المشكلة هي في إصرار محمود عباس على خطه السياسي وعلى التنسيق الأمني، مما يجعل كل الاعتبارات الأخرى التي يمكن أن تعود للفصائل بمكاسب، صحتين على قلبها، في نظر عباس ما دام قد “أودى بالإبل”. وهذا من ميزات فتح التاريخية؛ تفرض خطها السياسي وتطعم الآخرين من لذائذ الدنيا ما يُشتهى.
صحيح أن رفض التوافق مع عباس ضمن المعادلة المذكورة بالنسبة إلى الفصائل مشكلة، أيضاً، لأنها ستتهم بعدم السعي للمصالحة وإنهاء الانقسام. ولأنها ستحرج من عدم مراعاة تدخل الأصدقاء، إذ بعضهم يعطي حماية وبعضهم يمنح دعماً مالياً، وبعضهم يحمي من تهمة الارهاب. ولهذا تقبل هذه المشكلة وتحملها لشوط أو شوطين بانتظار سقطة سياسية من عباس للخروج من التورط معه.
من هنا لا مفر من تفهم موقف الفصائل في الذهاب إلى معادلة التوافق على أساس إجراء الانتخابات، ولكن مع ضرورة ألا يتبع ذلك تأييداً وترحيباً، بل على من يستطيع أن يوجه نقداً صارخاً لسياسات محمود عباس وللتنسيق الأمني من جهة ونقداً حاداً، من جهة أخرى، لما يريده من هذا التوافق حول انتخابات هي أوهى من خيوط العنكبوت أمام أول اعتراض أو نقد. ففرض الكفاية هنا يقضي بأن ينبري من يقول ما لا تستطيع قوله الفصائل وهي في ورطة التوافق الانتخابي.
عربي21
الرابط المختصر:
أخبار ذات صلة
مختارات
تسارع وتيرة اقتحام المستوطنين للأقصى.. ومحاولات حثيثة لذبح “قربان الفصح”
القدس المحتلة - المركز الفلسطيني للإعلام اقتحم عشرات المستوطنين المتطرفين، اليوم الثلاثاء، باحات المسجد الأقصى المبارك، بحماية من جيش الاحتلال، وذلك...
34183 شهيدًا و77143 جريحًا في 200 يوم من حرب الإبادة على غزة
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام أعلنت وزارة الصحة بغزة أن الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة وصل منها للمستشفيات 32 شهيدا و59...
200 يوم من الإبادة على غزة .. حصيلة ضحايا مفزعة
جنيف - المركز الفلسطيني للإعلام بعد 200 يوم من الحرب الإسرائيلية الغاشمة على قطاع عزة، تبدو عواقب الحرب مفزعة من حيث ضخامتها واستهدافها المباشر...
شهيد واصابتان برصاص الاحتلال في أريحا
أريحا - المركز الفلسطيني للإعلام استشهد مواطن وأصيب آخران بجروح - فجر الثلاثاء- برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال اقتحامها أريحا. وأكد مدير...
لليوم 199.. كتائب القسام تواصل قنص الجنود ودك تمركزات الاحتلال
غزة- المركز الفلسطيني للإعلام تواصل كتائب القسام لليوم الـ 199 على التوالي، التصدي للقوات الصهيونية المتوغلة في عدة محاور، والتي أسفرت حتى اللحظة عن...
حماس: تصريحات بلينكن تؤكد شراكة أمريكا الكاملة بحرب الإبادة ضد شعبنا
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام دانت حركة حماس، اليوم الإثنين، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، ومحاولته تحميل حماس مسؤولية تعطيل الوصول...
زيارة حماس لتركيا.. “لا تغيير للمعادلات” والأولوية وقف شلال الدمّ في غزة
غزة – المركز الفلسطيني للإعلام أثارت زيارة وفد حركة المقاومة الإسلامية حماس برئاسة إسماعيل هنية إلى تركيا والاستقبال الحافل للوفد من قبل الرئيس رجب...