عاجل

الجمعة 19/أبريل/2024

التطبيع والمقاطعة.. ما تخفيه الأنظمة تكشفه جرائم الحرب

التطبيع والمقاطعة.. ما تخفيه الأنظمة تكشفه جرائم الحرب

طريق حركة المقاطعة مليء بالأشواك السياسية؛ فكشف سوأة الاحتلال الإسرائيلي ومخالفاته الصريحة للقانون الدولي بحاجة لنفس طويل وتراكمية عمل لفضح ممارسات التمييز العنصري المستمر بحق الفلسطينيين.

وتعد “بي دي أس” حركة مناصرة لحقوق للفلسطينيين وتدعو لمقاطعة “إسرائيل” وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وتأسست عام 2005، وتنشط حول العالم، مشددةً على مقاطعة “إسرائيل” تمامًا ثقافيًّا واقتصاديًّا وأكاديميًّا بسبب انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين.

ميلاد اتفاقيات التطبيع بين “إسرائيل” وأنظمة عربية في رابعة النهار مثل دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان يضع العصي في دولاب حركة التطبيع التي تنزعج منها حكومة الاحتلال وتستهدفها باستمرار.

وتحاول “إسرائيل” ربط نشاط حركة “بي دي أس” بمعاداة السامية كمدخل لتشويه جهودها في كشف مخالفات الاحتلال التي ثبت مخالفتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني خاصّة في ملف الاستيطان.

التطبيع والمقاطعة

نشأةُ حركة المقاطعة عام 2005م تبعها جهود من مثقفين وأكاديميين فلسطينيين عام 2007م في الوصول لصيغة تعريف عن التطبيع في المجتمع المدني والأكاديمي والسياسي الفلسطيني.

ويؤكد دكتور حيدر عيد، عضو الحملة الفلسطينية لحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية، أن قادة المجتمع المدني والسياسي الفلسطيني وضعوا معايير للمقاطعة يعد الخروج عنها تطبيعًا مع الاحتلال.

ويضيف عيد لـ”المركز الفلسطيني للإعلام“: “هناك عمليات التطبيع الطوعي العالمية والعربية والفلسطينية التي شكلت طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، والتي توّجتها اتفاقيات التطبيع بين أنظمة عربية وإسرائيل”.

وكانت أنظمة 4 دول عربية أبرمت في الأسابيع الماضية اتفاقيات تطبيع مع “إسرائيل” لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة وتبادل للسفراء، وعقدت اتفاقيات اقتصادية وتجارية في مجالات متنوعة وسط رفض شعبي عربي في العالم العربي.

وتخطت اتفاقيات التطبيع مع “إسرائيل” وصف التطبيع المعروف سابقاً لمرحلة يصفها دكتور عيد بـ”التطبيع الخياني”؛ لأنها تضرّ بشكل أساسي وصريح بقضية فلسطين وأنشطة حركة المقاطعة التي تدعّم روايتها بمخالفات الاحتلال للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.

الأثر الإستراتيجي لاتفاقيات التطبيع العربي- الإسرائيلي يحرف البوصلة عن عدالة القضية الفلسطينية التي كانت تاريخيًّا ترمومترًا للعلاقة بين الأنظمة العربية والاحتلال خلال عشرات السنين من الصراع المستمر.

ويقول د. جورج جقمان، المحلل السياسي: إن التطبيع الذي بدأته أنظمة عربية عام 2020م يضعف الموقف العربي عامةً كعامل ضاغط على “إسرائيل” في الوصول لتسوية عادلة بين الفلسطينيين و”إسرائيل”.

ويتابع: “جرى استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بمبدأ السلام مقابل السلام، وهذا تغيير جوهري في مبدأ المبادرة العربية المطروحة عام 2002م للوصول إلى تسوية مع إسرائيل”.

مخالفات قانونية

وتأوي “بي دي أس” إلى ركن شديد حين تتحدث عن جرائم الاحتلال ومخالفات قانونية بحق المدنيين وقضايا التمييز العنصري التي تشبه لحد كبير ما جرى في الأبارتهايد في جنوب أفريقيا لعشرات السنين.

وراكم المجتمع الدولي في السنوات القليلة الماضية مواقف وقرارات تجرّم الاحتلال في مخالفات صريحة للقانون الدولي تتعلق بالاستيطان وشركاته، وعدّ كثيرًا من ممارساته جرائم حرب.

ويقول د.عيد: إن أنظمة الإمارات والبحرين طورت علاقاتها مع شركات مستوطنات، في حين يعدّ القانون الدولي الاستيطان جريمة حرب ضد الفلسطينيين.

وكان مجلس الأمن أصدر قرار 2334 عام 2016م دعا فيه لوضع نهاية للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، وطالب “إسرائيل” بوقف الاستيطان في الضفة وشرقي القدس، وعدم شرعية إنشاء “إسرائيل” للمستوطنات في الأرض المحتلة منذ عام 1967م.

تطبيع أنظمة عربية أخرى يسهم في جرائم حرب تمارسها “إسرائيل”، ويضرب -حسب رؤية د.عيد- معايير حركة المقاطعة المجمع عليها من مؤسسات مدنية وسياسية فلسطينية حين تنتقل من مربع التواطؤ للمشاركة في الجريمة مع شركات استيطان وبنوك إسرائيلية مثل بنك “هبوعليم وديسكونت” واستيراد شركات الإمارات النبيذ من مستوطنات إسرائيلية.

ولا يرقد جوهر حركة المقاطعة في عملية التطبيع مع “إسرائيل”؛ فعالمية الحركة تركز على ممارسة الاحتلال مخالفات قانونية دولية وفصلا عنصريا وتمييزا ضد الفلسطينيين.

ويقول المحلل السياسي د.جورج جقمان: إن التطبيع قد يضرّ بجهود المقاطعة عربيًّا، لكنه لن يمس بها عالميًّا؛ لأن المقاطعة في العالم تطرح “إسرائيل” كدولة فصل وتمييز عنصري، لكن خطورة التطبيع عربيًّا هي في الجانب السياسي بالأساس، وليس الاقتصادي.

واقع التطبيع

اتفاقية كامب ديفيد 1978م ووادي عربة 1994م أسست لعلاقات بين مصر والأردن و”إسرائيل”، واتفاقيات التطبيع عام 2020م ضمت 4 أنظمة لعلاقات دبلوماسية علنية، وتحت الطاولة هناك الكثير لعلاقات عربية- إسرائيلية لم تعانق ضوء النهار حتى الآن.

ويشير د.عيد إلى أن استطلاعات حديثة كشفت عن معارضة 88% من المواطنين العرب في دولهم خاصّة الخليج لاتفاقيات التطبيع التي غرّدت حكوماتها بعيداً عنها.

أما د. جورج جقمان -المحلل السياسي- فيرى أن مشروع المقاطعة هو مشروع طويل الأمد، وأن التطبيع لا ينال اهتمام الرأي الدولي فيما يخص الجالية الفلسطينية في أوروبا والأمريكتين؛ لأنه يركز على انتهاكات الاحتلال اليومية وليس التطبيع.

خطوات الدفاع

رفض التطبيع وتعزيز المقاطعة يخرجان من مشكاة مقاومة الاحتلال التي أقرتها القوانين والشرائع الدولية، وإذا كان الاحتلال منشغلا بتحييد الجبهات من حول فلسطين، فهو في الوقت ذاته منزعج من حملة المقاطعة الناشطة بتراكمية تخطت الحدود.

ويؤكد د.عيد، عضو الحملة الفلسطينية لحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية، أن أكثر من 100 مثقف وناشط عربي سحبوا اشتراكهم من عضوية مؤسسات ناشطة في الإمارات العربية.

ويضيف: “السلطة الفلسطينية عدّت سابقاً التطبيع مخالفة قانونية، وسحبت سفراءها من المنامة وأبو ظبي، لكنها أعادتهم لاحقاً. مطلوبٌ التركيز على ارتكاب الاحتلال جرائم حرب”.

قطار المقاطعة وصل الآن لمحطة أقام فيها مناهضو التمييز العنصري في جنوب أفريقيا قبل 30 سنة؛ حيث يذكّر د.عيد بمقاطعة العالم نظام الأبارتهايد حكومة جنوب أفريقيا عام 1990م قبيل تحرير “نلسون مادنيلا” وانتخابه رئيساً عام 1994م.

ويضيف: “نعمل مع مؤسسات المجتمع المدني، وليس الحكومات، لكننا وصلنا لحكومات كوبا وفنزويلا وجنوب أفريقيا، ونركز على المقاطعة وعدم الاستثمار وفرض العقوبات، وإسرائيل تعدّ BDS خطرا وجوديا عليها. مجلس الأمن دعا لرفض الاستثمار في المستوطنات، وقد أنجزنا الكثير في عمل المقاطعة، ولا نزال بحاجة لمشاركة عملية”.

وكانت “إسرائيل” خصصت جزءًا مهماً لعمل ما يسمى وزارة التخطيط الإستراتيجي لمواجهة أنشطة BDS على صعيد علاقاتها مع لدول، وربطت أنشطتها بمعاداة السامية لتجريم عملها.

وتفتقر أنشطة حركة المقاطعة في كثير من الدول، حسب قول د.جورج جقمان- المحلل السياسي، لبنية تنظيمية مؤسساتية تؤسس للعمل وفق نظام الشبكات لتستفيد من توثيق انتهاكات الاحتلال في الداخل الفلسطيني لتوسيع حملة المقاطعة عالميًّا.

ويمضي تيار التطبيع معاكسًا لعمل حركة المقاطعة، لكن توحيد شتات المواقف العربية والفلسطينية في الجاليات المنتشرة حول العالم سيدعم حركة المقاطعة بتراكمية طويلة الأمد لن تعارض التطبيع فقط؛ بل قد تسهم في محاسبة “إسرائيل” على مخالفاتها للقانون الدولي.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات