فلسطينيو سوريا وأزمة الخبز.. معاناة تبدأ صباح كل يوم

قبيل فجر كل يوم، يخرج الفتى الفلسطيني وليد وأخوه الصغير يامن من منزلهما من أجل تأمين خبز للعائلة، فبينما يتوجه “الأخير” إلى مركز البيع القريب من منزله في مخيم “الحسينية” بدمشق، يقصد “الأول” أحد الأفران البعيدة أملا في الحصول على الخبز.

يقول الفتى وليد لـ “قدس برس”، “رغم خروجنا باكرا جدا، إلا أننا نتفاجأ بحجم الأعداد التي تسبقنا لتحجز دورا لها، وأحيانا نشاهد أطفالا يفترشون الأرصفة، حضروا قبل ساعات، ومع مرور الوقت تتزايد أعداد الناس لتشكل طوابير للرجال وأخرى للنساء”.

أما يامن، فيصف لحظات انتظار سيارة توزيع الخبز أمام المركز، فيقول: “الكل يحدق في السيارات القادمة أملاً في أن يقع بصرهم على تلك السيارة المحمّلة بالخبز، وما أن تصل حتى تتزاحم أجساد المنتظرين في سباق نحو شباك البيع من أجل تسليم البطاقة الذكية”.

ويضيف، في كثير من الأحيان لا أتمكن من شراء الخبز من مراكز البيع، بسبب الازدحام الشديد وحدوث مشاجرات أحيانا، لذلك أعود أدراجي إلى البيت أو أتوجه إلى الفرن حيث يوجد أخي.

وهذا الحال ينطبق على اللاجئة الفلسطينية أم أيمن، في مدينة سقبا بريف دمشق، التي روت لمراسل “قدس برس” بعض مشاهد معاناة النسوة من أجل الحصول على ربطة خبز”.

وتقول أم أيمن: “تخرج بعض النسوة من الثالثة ليلا، وربما يطول الانتظار في الطابور حتى السادسة أو الثامنة صباحا”. 

وتضيف، “أحيانا يكون التأخير بسبب توقف البيع عند قدوم سيارات المراكز، التي تحصل على 200 إلى 400 ربطة خبز، بينما نقف ننتظر حتى ينتهي التحميل”.

وأوضحت أن أحد المشاكل التي تعاني منها الأرامل، هو أن على إحداهن أن تحضر بنفسها ولا يمكنها إعطاء البطاقة لمن ينوب عنها، مشيرة أن بعضهن يعانين من أمراض، ناهيك عن تقدم العمر، وقد ترى نساء ورجالا يأتون لمركز التوزيع على كرسي متحرك”.

وجنوبا في مخيم “درعا” وعلى غير المتوقع، يبدو المشهد أخف وطأة على الفلسطينيين هناك، فقد أوضح الناشط عماد مقدسي (اسم مستعار)، وهو لاجئ فلسطيني من سكان المخيم، أن الخبز يوزع ثلاثة أيام في الأسبوع في المخيم وبشكل منتظم.

وأوضح أن البيع يكون عن طريق مندوبين، والأهالي يسجلون قبل يوم أسماءهم وما يلزمهم من الخبز في اليوم التالي.

وعن سبب سهولة الحصول على مادة الخبز في درعا، بخلاف العاصمة دمشق، أوضح “مقدسي” أنها لم تتعرض لما تعرضت له دمشق من الناحية العسكرية، كما أن النظام يحاول عدم إثارة حفيظة الأهالي، لمنع تكرار ما حدث في عام 2011.

ويرى “مقدسي” أن هنالك عدة أسباب أدت إلى حدوث أزمة الخبز في البلاد، وتعود إلى أعوام مضت، موضحا: “أنه منذ خروج حقول القمح من سيطرة النظام السوري عام 2014، بدأت ملامح أزمة الخبز في التشكل”. 

وأضاف رغم سيطرة النظام السوري على معظم البلاد، بدءا من العام 2019 وحتى الآن، بقيت حقول القمح خارج سيطرته، ما جعل الفجوة المتشكِّلة بين المتاح من الإنتاج المحلي وحجم الاستهلاك المتزايدة كبيرة جدا، كما ارتفعت كميات الخبز المهربة إلى أصحاب المواشي لاستخدامه كبديل للعلف باهظ الثمن”.

وأشار إلى أن الفساد في إدارات بعض الأفران يلعب دوره في أزمة الخبز، “إذ يتم تهريب الخبز إلى أصحاب محلات وبسطات، بحيث يباع بأسعار أغلى تصل إلى 600 ليرة للربطة الواحدة في بعض الأحيان”.

وتصاعدت أزمة الخبز في سوريا خلال الشهرين الماضيين في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

والشهر الماضي، رفع النظام سعر ربطة الخبز بنسبة 100 في المائة، ليصبح سعر الربطة الواحدة التي تزن 1100 غرام، 100 ليرة سورية (الدولار الواحد = نحو 2660 ليرة)، بينما يصل سعر الربطة عند المندوبين خاصة في الجنوب إلى 250 ليرة سورية.

ومع فقدان الخبز من الأفران، يضطر السوريون في مناطق سيطرة النظام، شراء الخبز من السوق السوداء بنحو 6 أضعاف السعر المحدد.