الجمعة 29/مارس/2024

خيار ضم الضفة الغربية.. شعار بلا رصيد

ناصر ناصر

تصاعد في الآونة الأخيرة خطاب ضم الضفة الغربية كلها أو بعض منها (لإسرائيل)، وتحديدا مع تزايد قوة وتأثير اليمين الاستيطاني الذي يتزعمه نفتالي بينت كحزب وتنظيم، ولكنه ينتشر فكريا في كثير من الأحزاب الإسرائيلية، وعلى رأسها الحزب الحاكم الليكود، والذي يرى ضرورة ضم مناطق الضفة التي تسمى مناطق C، والتي تمثل ما يقارب 60% من أراضي الضفة الغربية والخاضعة لسيطرة أمنية ومدنية إسرائيلية كاملة، بديلا عن حل الدولتين المقبول إقليميا ودوليا.

يتصاعد خطاب الضم على خلفية الضجيج المضلل والمستمر لخطة ترامب مضمونا وتوقيتا، واستمرار تعزيز الاستيطان بوتيرة متنامية كما ظهر في القوانين المشرعنة للاستيطان القائم بشكل غير قانوني بحجج مختلفة؛ ومنها “الرد الصهيوني الملائم” لتصاعد عمليات المقاومة الأخيرة في رام الله، فهل يملك خيار ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها احتمالات سياسية عالية أم سيبقى مجرد شعارات يمينية شعبوية رنانة؟

تتعلق توجهات وقرارات حكومة دولة الاحتلال بالضم بمدى تقديراتها الاستخباراتية والسياسية للثمن الذي ستدفعه “إسرائيل” أمنيا واقتصاديا وسياسياً نتيجة لردة الفعل الفلسطينية على قرارها بالضم، فلو علمت “إسرائيل” بأن ردة فعل الفلسطينيين ستكون (منسقة أمنيا معها) فإن احتماليات الضم سترتفع بصورة واضحة، وقد يتم الضم فعلا إذا تحققت عوامل سياسية إسرائيلية وإقليمية ودولية أخرى، إذ إن التكلفة الإسرائيلية المحدودة نتيجة ردة فعل فلسطينية ضعيفة هي شرط ضروري ولكنه غير كافٍ لأي قرار إسرائيلي بالضم.

ومن أهم موانع قيام اليمين بتنفيذ أفكاره وشعاراته في ضم الضفة الغربية (لدولة إسرائيل) على الرغم من سيطرته على القرار فيها هو خوف قادته وعلى رأسهم نتنياهو ونفتالي بينيت وحتى كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن يؤدي هذا القرار إلى تعرضهم لخطر المحاكمة القانونية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي -والتي تعتبر الضفة الغربية مناطق محتلة لا يجوز ضمها- وهي تكلفة باهظة وحقيقية أخرى لا يعترف بها علناً قادة اليمين في “إسرائيل”، لأنها تمس بعنجهيتهم وكبريائهم وخاصةً في عيون أنصارهم.

تظهر أحدث التقارير والأبحاث الإسرائيلية الموثوقة بأن معارضة قوية ومسلحة من مؤيدي فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لقرار إسرائيلي بضم 60% من أراضي الضفة الغربية – مناطق C ستكلف “إسرائيل” ثمنا باهظا جدا، حيث سيجبر “إسرائيل” على إعادة احتلال مناطقA وسقوط السلطة، وبالتالي تولّي “إسرائيل” المسؤولية الكاملة عن كامل الضفة الغربية، مما سيكلفها ووفق ثلاثة من المدراء العامّين السابقين لوزارة المالية الإسرائيلية 52 مليار شيكل سنويا، وذلك كنفقات على الصحة والتعليم و بعض البنى التحتية، ولا يشمل ذلك مليارات الشواكل الأخرى كتكاليف أمنية سنوية.

لقد أشار تقرير إسرائيلي حديث بهذا الشأن بأن الضم سيؤدي أيضا لدفع “إسرائيل” مبلغ 27 مليار شيكل لتغيير شكل الجدار العازل، والذي سيؤدي أيضا إلى تحويل 66 ألف فلسطيني لمواطنين إسرائيليين، فهل تملك “إسرائيل” القدرة على تحمل هذه التكاليف؟!

لا تملك “إسرائيل” على الأرجح القدرة على تحمل تكاليف الضم، خاصة في ظل تراجع قدرة حلفائها في الإقليم والعالم على مساعدتها ماليا وسياسيا، فأمريكا ترامب تستمر في سياسة أوباما في التراجع من الشرق الأوسط، وترامب يعلن انسحابه الفوري من أحد أهم ساحات “إسرائيل” (القتالية) وهي الساحة السورية. إضافة إلى ذلك فإن ملوك النفط العرب منشغلون في هذه الأيام بالدفاع عن عروشهم تحت ضغط الرأي العام العالمي والأمريكي بقيادة الأتراك والمطالب بمحاسبتهم على جرائمهم ضد شعوبهم وانتهاكهم الصارخ لحقوق الإنسان، كما ظهر جليا في قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير بشأن اتهام ابن سلمان بالمسؤولية عن مقتل الصحفي خاشقجي. وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن مدى تراجع قدرة ابن سلمان على المبادرة والعمل لمصالح حلفائه.

من الواضح بأن دولة الاحتلال ستفضل بقاء الوضع الراهن في الضفة الغربية كما هو عليه الآن، فمن جهة واحدة يمكنها الاستمرار في تحمل دفع أكثر من 3 مليار شيكل سنويا للمستوطنات في الضفة -منها مليار شيكل يخصم من الكفالة الأمريكية لـ”إسرائيل”- وذلك في إطار حركة بناء لم يسبق لها مثيل في تاريخ الضفة الغربية منذ العام 1967 وفق ما أوردته منظمة (السلام الآن) الإسرائيلية؛ الأمر الذي يدمر فعليا أي إمكانية لحل الدولتين وفي نفس الوقت يسمح بالسيطرة الكاملة والفعلية على مناطق C دون قرار رسمي لهذا التدمير أو بذاك الضم، ومن جهة ثانية يمكن لـ”إسرائيل” العيش في ظل مقاومة فلسطينية محدودة التكاليف ومقيدة النجاعة والفعالية ومكبلة بقيود التعاون الأمني بين أجهزة السلطة و”إسرائيل”.

وبناء على ما سبق فإن خيار ضم مناطق C لـ”إسرائيل” وإقامة كيان فلسطيني محدود (ومسخ) كما يطرح المستوطنون برعاية نتنياهو هو خيار غير واقعي وباهظ الثمن، وما استمرار تصاعد خطاب الضم إلا نتيجة للشعبوية المتزايدة في “إسرائيل” والتي تشجع على إطلاق الشعارات الرنانة، وتدفع القادة لاتخاذ مواقف وقرارات لا تدعمها في الغالب الجهات المهنية والموضوعية حتى في دولة احتلال كـ”إسرائيل”، وكل ذلك متعلق ومرتبط أولا وأخيرا بمدى جدية الرفض والنضال الفلسطيني لهذه المشاريع وتحديدا من قبل حركة فتح والسلطة الفلسطينية.

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات