السبت 20/أبريل/2024

«أم ناصر» وخنساوات فلسطينيات أخريات

رشاد أبو داود

على شرفة منزل مجاور لمنزلها المدمر جلست «أم ناصر»، رغم البرد القارس، وانتشار كثيف للغاز المسيل للدموع، وقالت بفخر: «قدمت أبنائي بين شهيد ومعتقل، هُدم منزلي مرتين وهذه الثالثة ولم أنكسر، يا نتانياهو مهما فعلت وهدمت لن تخيفنا».

في ساعة مبكرة من فجر ذاك السبت داهمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، منزل عائلتها «أبو حميد»، وفجرته بعد إخلائه من عشرات المتضامنين المعتصمين بداخله في محاولة للدفاع عنه. واعتدت على المتضامنين بالضرب ورشتهم بغاز الفلفل، واعتقلت عدداً منهم.

تدمير الاحتلال للمنزل حدث بدعوى أن أحد أفراد العائلة، وهو إسلام أبو حميد، ألقى لوحا رخاميا على جندي إسرائيلي خلال مداهمة قوات الاحتلال مخيم الأمعري، مطلع مايو الماضي، أدى إلى مقتله. يتكون المنزل من أربعة طوابق، وتمتلكه والدة «إسلام»، لطيفة أبو حميد التي يطلق الفلسطينيون عليها لقب «خنساء فلسطين».

وقد خرجت «أم ناصر» من منزلها قبيل تفجيره بحقيبة يدوية فقط، وتركت خلفها كل ذكرياتها. قالت: «عشنا مرارة اللجوء، طردنا من قرانا في 1948، ولا يزال الاحتلال يواصل التنكيل والتضييق»، متسائلة «من هو الإرهابي؟ القاتل الذي هجر شعب، ويطارده في كل يوم، أم امرأة تسكن في منزل بمخيم للاجئين؟».

هي ليست «الخنساء الفلسطينية» الأولى؛ فقد سبقتها الحاجة صبحية القواسمي «أم حسن» من الخليل والتي قدمت تسعة من أبنائها بين شهيد وأسير وجريح، ومريم محيسن من حي الشجاعية – غزة التي استشهد ثلاثة من أبنائها الستة، ومعروف عنها أنها ودعت أحد أبنائها وهي تعلم أنه ذاهب إلى عملية استشهادية.

ومن «خنساوات» فلسطين أيضاً أم مهيوب أبو ليل من مخيم بلاطة – نابلس كان أهلها هُجّروا من قرية الجماسين، إحدى ضواحي يافا إثر نكبة 1948، التي قدمت من أبنائها الأحد عشر، خمسة شهداء وستة أسرى، أحدهم محكوم بخمسة مؤبدات. وثمة خنساوات أخريات ضحين بأبنائهن فداءً لفلسطين.

«أم ناصر» لها تسعة أبناء اعتقلوا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولا يزال خمسة منهم في السجون، محكوما عليهم جميعاً بالسجن مدى الحياة، كما استشهد أحد أولادها، برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي 1994، وهي لاجئة من قرية أم شوشة، قرب الرملة (وسط الأراضي المحتلة عام 48)، وتسكن مخيم الأمعري للاجئين الفلسطينيين، قرب رام الله.

في الجانب الآخر من المشهد ثمة من يعتمد على مقولات صهيونية وتوراتية مزيفة، ويرى أن اليهود أحق من العرب بفلسطين؛ فقد قال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو خلال مراسم افتتاح شارع قريب من مدينة رام الله: «هنا عاش أجدادنا قبل آلاف السنين، أسماء مثل جيفاع بنيامين ومخماس وعوفرا وعناتوت تنقلنا مباشرة إلى أيام التوراة»، مشيراً إلى مناطق في الضفة الغربية.

وفي إشارة إلى إطلاق فلسطينيين النار على مستوطنين قبل يومين، قرب مستوطنة «عوفرا»، شرق رام الله، أكد نتانياهو عزمه إبقاء المستوطنين في الضفة.

وقال: «سنثبت لهم أن اعتزامهم اقتلاعنا من أرضنا سيواجه سوراً حصيناً، إنهم يريدون أن يقتلعونا من هنا، ولكنهم لن يحققوا ذلك، طالما أظل رئيساً للحكومة الإسرائيلية لن يتم اقتلاع يهودي واحد من منزله، وليس فقط لن يتم اقتلاع أحد من منزله فسنبني المزيد من المنازل».

لكن الصهيوني المتطرف نتانياهو وهو يتحدث عن ممالك إسرائيل – إن وجدت – وعن أجداده الذين مشوا في تلك الوديان والسهول لم يذكر لماذا انتهت تلك الممالك إلى الهلاك. أليس لأنهم من نزل عليهم غضب الرب لمخالفتهم تعاليم التلمود، والتي تحرم قيام دولة لليهود كما تؤمن ست منظمات يهودية أرثوذكسية والتي تنضوي تحت اسم «ناتوري كارتا».

يقول أحد قادتها: إن الصهيونية عمرها مائة سنة، أما التلمود فعمره أربعة آلاف سنة. والذين أنشؤوا الصهيونية لم يكونوا يهوداً متدينين، بل كان معظمهم علمانيين يكرهون التوراة والدين، وكانوا يريدون تحويل الدين اليهودي واليهود في أنحاء العالم إلى قومية وأمة وكيان سياسي.

لقد أرادوا تحويل المفهوم العام لليهودية من مفهوم ديني يقوم على عبادة الله إلى مفهوم قومي مرتبط بالأرض، لكن ذلك أمر جنوني وغير منطقي، لأن اليهودية لا تقوم على أساس الأرض.

تُرى لو تمكّن أحد من إعادة الجغرافيا إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة، كما يريد نتانياهو، كم خطاً سيبقى على الخريطة؟ وكم شعباً سيبقى في مكانه؟!

صحيفة البيان الإماراتية

الرابط المختصر:

تم النسخ

مختارات